كباقي شعوب المنطقة، يعود تاريخ الرقص عند الأكراد في منطقة الجزيرة السورية إلى العصور القديمة، ففي البدايات نشأ ضمن قصور الأمراء ابتهاجاً بالانتصارات، كما استخدموا الرقص في بعض الطقوس الدينية القديمة، قبل أن ينتقل إلى عموم الناس وفي مناحي الحياة الاجتماعية كالأعراس والحصاد والصيد والمناسبات الأخرى، ولكل رقصة أغنية خاصة بها.

حضور وغياب

يتحدث "عبد عيسى" المهتم بالتراث الكردي عن تاريخ هذا الفن ويقول: «للرقص الكُردي في الجزيرة السورية أشكال متعددة، منه ما بقي حتى الآن، ومنه ما غاب كلياً من المشهد كرقصة "الثعلب" مثالاً، وهي رقصة فكاهية تنفرد بها المنطقة القريبة من نهر "دجلة" غايتها التسلية وغالباً ما كانت تقدم في الأعراس كفاصل ساخر، هي رقصة حلقية والحركة فيها لولبية والشخص الذي يقود الدبكة يحمل بيده عصا طويلة يضرب بها من يخرج خارج السرب، ودبكة أخرى لها ذات الغاية تشبه لعبة الكراسي المعروفة وتؤدى برفقة آلة "الزرنا" حيث يتسارع اللحن وعند الذروة يتوقف العزف فجأة، وعندها يستوجب على الراقصين الجلوس ومن يبقى واقفاً يخرج وهكذا، ومن الرقصات التي ينفرد بها المجتمع الكُردي رقصة "الفقيه" وهي مخصصة للأفراح والمناسبات التي تخص الفقهاء، وهي عبارة عن فريقين متقابلين يقتربان من بعضهما البعض بثلاث خطوات ويبتعدان بمثلها أربع خطوات على لحن أغانٍ بطيئة جداً، بطيء، متوسط وسريع ولكن بنفس الحركات، ولا تخلو من جمل عاطفية ورومانسية».

تنقسم الرقصات في "عفرين" إلى رقصات سريعة وأخرى بطيئة، ومن أهمها "الخاتون، رشكو، قبة، قرتل، أسمر، آلاوي.."، ولكل منها مناسبتها كمواسم الحصاد وجني الزيتون والأعراس، ومن الرقصات البطيئة والأكثر شعبية هي "حلبكي"

الغناء الرّاقص

من جانبه يقول "محمد بيري" الباحث في التراث: «ربما كانت الأغنية في التراث الكُردي قبل الرقص، لأن لكل رقصة أغنيتها، فغالباً تم تأليف الأغنية ومن ثم نسجت عليها الرقصة، كثيراً ما يكون الرقص لديهم مصحوباً بأزياء شعبية مزركشة بالألوان الزاهية وتختلف من منطقة إلى أخرى، ومن الرقصات الدارجة إلى الآن "الكرمانجية" التي تتشابك فيها الأيدي بشكل مستقيم وجسد منتصب وثابت وتعتمد على حركة الكتف والركبة ولها عدة أشكال، منها بكسرتين وبثلاث كسرات مع حركات متناسقة للأكتاف، ورقصة "جاجانة" وهي قديمة أيضاً أصلها من "ديار بكر" وانتشرت في المنطقة».

رقصة هورزة

رقصة الأمراء

من دبكات منطقة عفرين

وعن منطقة "الكوجر" ويقصد بها المناطق القريبة من نهر "دجلة" المتاخمة للحدود العراقية، يتابع "بيري" في حديثه قائلاً: «هناك عدة دبكات منها "شيخاني" ولها الكثير من الأغاني والألحان وتسمى برقصة الأمراء وخاصة الجانب البطيء منها وفيها تتشابك أصابع الراقصين "الخنصر"، والأيادي إلى الأمام بشكل زاوية قائمة، وتتناوب الأرجل بخطواتها إلى الأمام وإلى الوراء وتتحرك الدبكة بشكل دائري من اليسار إلى اليمن، وغالباً يشارك العروسان الرقصة لسهولتها ورتابتها إضافة إلى كبار السن، وتشتق منها عدة رقصات "الخطوتان" مثالاً، ورقصة أخرى اسمها "هورزة" أيضاً دائرية متشابكة عن طريق وضع اليد على الكتف وسريعة الحركة، أما رقصة "بابلكان"، سريعة الحركة، تكون الأيادي فيها ممسوكة كما رقصة "شيخاني" ولكنها تتحرك إلى الأمام وإلى الخلف بانسجام تام مع الموسيقا، ويتقدم الراقصون ثلاث خطوات ومثلها إلى الخلف».

الرّجال والنّساء معاً

أما منطقة "عفرين" التابعة لمحافظة "حلب" يتحدث عنها "نذير كرداغي" وهو موسيقي وعازف آلة "طمبور": «الرقصات في منطقة "عفرين" عموماً تأتي جماعية، ويؤديها الرجال والنساء معاً، وللراقص الفردي دوره في حلقات الدبكة، حيث يحتل رأس الحلقة ويسمى براقص المقدمة الذي يترك مكانه بعض الوقت وينزل إلى الساحة وأحياناً معه اثنان أو ثلاثة من الراقصين يؤدون حركات مميزة ذات لون عفريني بحت وكل حسب مهارته، وهؤلاء تتم دعوتهم إلى العرس بموجب دعوات خاصة».

رقصة شيخاني

ويضيف: «تنقسم الرقصات في "عفرين" إلى رقصات سريعة وأخرى بطيئة، ومن أهمها "الخاتون، رشكو، قبة، قرتل، أسمر، آلاوي.."، ولكل منها مناسبتها كمواسم الحصاد وجني الزيتون والأعراس، ومن الرقصات البطيئة والأكثر شعبية هي "حلبكي"».

الدّبكات الخشنة

ويرى الموسيقي وعازف الطمبور "فاضل محمد" أن الدبكة في منطقة "عين العرب" تمتاز بخشونتها المكتسبة من خصوصية المنطقة والعادات والتقاليد التي توارثتها الأجيال المتلاحقة، ويقول متابعاً: «في ثقافة المنطقة دبكتان أساسيتان هما "كوفند" و"شيخاني- سيراني"، أما "شيخاني" تتقاطع مع ذات الرقصة في منطقة الجزيرة ولكن بإضافة خطوة واحدة أو حركة واحدة، و"كوفند" تؤدى على إيقاع اللف ولها عدة حركات سريعة وتتحول أكثر رشاقة وقوة عند الفتيان اليافعين من خلال ضرب كعب القدم على الأرض بقوة».

ويضيف: «للدبكة هنا خصوصية أخرى عند مشاركة النساء بين صفوف الرجال وبمجرد دخولها واحتراماً لها كون المنطقة عشائرية وللنساء خصوصيتها، يتوقف الرجال عن الحركات الخشنة والقوية لتأخذ الدبكة طابعاً رتيباً بعيداً عن الحركات السريعة