مع إطلاق الهوية البصرية الجديدة للجمهورية العربية السورية وتجديد اعتماد رمز العقاب كرمز للدولة، توضحت سمات الدولة الجديدة عبر التركيز على تحرر الشعب ووحدة الجغرافيا والهوية السورية وتكامل مكوناتها.

يحمل الشعار خمس رسائل رمزية

الإعلامي سامر الشغري، رئيس النشرة الثقافية في وكالة سانا، أوضح لمدونة وطن أن التصميم الجديد أعاد ترتيب علاقة الدولة بالشعب، بما يتماشى مع الحاضر والنظرة إلى المستقبل، والنجوم الثلاث ترمز للشعب مضموناً، وأخذت موقعاً يعلو العقاب الذي يعانق في طموحاته نجوم السماء، فيما ينسدل ذيل العقاب بخمس ريش، تمثل المناطق الشمالية، الشرقية، الغربية، الجنوبية، والوسطى، وهو يؤكد على الوحدة السورية في أبهى صورها. يتكون كل جناح من سبع ريش، ليكون المجموع أربع عشرة ريشة تمثل محافظات سوريا مجتمعة، وهذه الأجنحة في حالة اتزان تؤكد أهمية كل محافظة سورية ودورها في استقرار الدولة، ليربط شعار سوريا الجديد وحدة الأرض بوحدة القرار.

من حفل اطلاق الهوية البصرية

وأضاف الشغري: إن الشعار يحمل خمس رسائل؛ أولها الاستمرارية التاريخية: فهو امتداد لتصميم 1945، وتأكيد أصالة الهوية السورية عبر الزمن. أما الثانية فتمثل الدولة الجديدة الحديثة المنبثقة من إرادة شعبها، فيما أكدت الثالثة على تحرر الشعب. ثم كانت الرسالة الرابعة عن رسم العلاقة بين الدولة والشعب، وأخيراً وحدة الأراضي السورية وتكامل مكوناتها.

تميز الشعار بالتبسيط والتخلص من الثرثرة الزخرفية.

الناقد التشكيلي والفنان أديب مخزوم

بدوره، تحدث أديب مخزوم، "فنان وناقد تشكيلي"، لمدونة وطن عن معاني الشعار الجديد لسوريا، قائلاً: يحتوي طائر العقاب الذي يشكل شعار سورية الجديد على 14 ريشة ترمز إلى المحافظات السورية الأربع عشرة، وسورية الجديدة تحت هذا الشعار لا تقبل التجزئة ولا التقسيم، وستبقى واحدة موحدة.

وأضاف: على الصعيد التشكيلي والتقني (الابتكار التكويني)، يتميز الشعار بالتبسيط والاختصار والاختزال، والتخلص من النمنمة التفصيلية والثرثرة الزخرفية، وبهذه الميزة يلتقي مع جماليات فنون العصر، وثقافته المستمدة من تفاعل كل الفنون في الشرق والغرب، وفي الشمال والجنوب.

الباحث في الاثار الدكتور محمود السيد

وأكد مخزوم أن النسر السوري، المجسد بالنحت الحجري منذ أكثر من سبعة آلاف سنة، له ميزاته الخاصة، وأكثر ما تميزت به المنحوتات القديمة التي تجسده هو اهتمامها بالتفاصيل والدقة الزخرفية، ولقد تطورت المنحوتات التي جسدته عبر العصور، ومرت بمراحل، حتى وصلت بشكل تدريجي إلى الشكل الحالي الأقرب إلى التسطيح، وهو نسر معدني ذهبي مسطح، ويختلف من الناحية الفنية عن النسر الموجود في ألمانيا وغيرها، وهذه ناحية هامة للغاية تزيل الإشكال الذي أثاره البعض على صفحات التواصل الاجتماعي.

السوريون أول من حول العقاب إلى رمز مادي للعزة والسيادة

المؤرخ والباحث في علم الآثار الدكتور محمود السيد تحدّث لمدونة وطن، مؤكداً أن سوريا أصل شعار العقاب عالمياً ففي مغارة جبل بلعاس شرق سلمية 55 كم عُثر على أقدم نحت صخري للعقاب يعود إلى الألف العاشر قبل الميلاد بطول 25 سم، وعرض 15 سم، يجسد طائراً برأس مرفوع، ونظرة حادة ترمز للكبرياء، كما عثر في موقع تل الجرف الأحمر على بعد 100 كم شمال شرق حلب، على أقدم نحت في العالم على حجر بازلتي، ويؤرخ إلى الألف العاشر قبل الميلاد وتُثبت هذه المكتشفات أن إنسان سوريا هو أول من حول العقاب إلى رمز مادي للعزة والسيادة.

وأضاف السيد: العقاب في الخيال السوري القديم لم يكن طائراً عادياً، فجناحاه يرمزان للصعود نحو السماء، ومنقاره القوي يعبر عن الشجاعة، ونظره الثاقب يجسد حدة العقل، الأهم أنه طائر كريم النفس يصطاد حياً، ويرفض أكل الجيف، خلافاً للنسر.

وبين السيد أن جبل سنجار على الحدود السورية-العراقية لا يزال أهم موطن للعقبان النادرة عالمياً، وقرية الرحيبة (60 كم شمال دمشق) تعد سوقاً عالمياً لتجارة الصقور، والعقاب السوري حارس التوازن البيئي منذ آلاف السنين، يفترس القوارض والحيوانات الضعيفة، ويحول دون اختلال السلسلة الغذائية.

شعارنا الوطني ليس “نسراً”، كما يُخطئ البعض، بل هو (عقاب) بمواصفات المنحوتات السورية، وسوريا هي الأولى عربياً في اعتماد العقاب كشعار، وذلك امتداداً لإرث مملكتي ماري وإيبلا، حيث كانت أجنحة العقاب تكلل تماثيل الملوك.

حكاية عمرها عشرة آلاف عام

المؤرخ والباحث في علم الآثار بشر العيسى مدير المتحف الافتراضي السوري قال لمدونة وطن:

في متحف دمشق الوطني، وضمن كنوز قاعة ما قبل التاريخ، تستقر قطعة بازلتية صغيرة لا يتجاوز عرضها 5 سنتيمترات، لكنها تحمل على سطحها حكاية تعود إلى أكثر من 10 آلاف عام، وتكشف عن واحدة من أقدم المحاولات البشرية للتعبير الرمزي والفني في منطقة الشرق الأدنى، هذه القطعة التي تم اكتشافها في موقع تل الجرف الأحمر ويعود تاريخها إلى نحو 8500 قبل الميلاد وتعرض مشهداً مركباً ومحفوراً بدقة لافتة، يسيطر على الجزء العلوي من المشهد شكل طائر، يُرجح أنه نسر أو عقاب، باسطاً جناحيه في هيمنة واضحة، ورأسه ملتفت نحو اليسار.

وبين العيسى أن وجود الطائر الجارح في قمة التكوين الفني ليس على الأغلب صدفة، فالنسور والعقبان، بقوتها وقدرتها على التحليق عالياً، ارتبطت في حضارات الشرق الأدنى اللاحقة بمفاهيم القوة والسيادة والألوهية. هذا النقش من الجرف الأحمر قد يمثل أحد التمثيلات الأولى لهذه الرمزية، حيث يظهر الطائر وهو يهيمن على بقية عناصر المشهد.

ويتفق الدارسون حسب عيسى على أن هذه الألواح الحجرية من الجرف الأحمر، ليست مجرد قطع نفعية أو زخرفية، بل كانت على الأغلب تحمل علامات ورموزاً ذات معنى عميق، وإن كان فك شيفرتها الكاملة لا يزال مستعصياً علينا اليوم، و تمثل هذه القطعة محاولة مبكرة ومتقدمة لتجسيد الفكر المجرد بشكل محسوس، وهي من أقدم التمثيلات الرمزية المكتشفة في سوريا والشرق الأدنى.

ويتابع الدكتور السيد حديثه: العقاب في المنحوتات السورية فله رأس مهيب مكسوّ بالريش، وجسد رشيق، وعينان قادرتان على رصد الفريسة من 2 كم، وأرجل قوية تحمل مخالب تمزق اللحم. وفي تدمر، حاجبا العقاب المقطبان يحميان عينيه من الشمس، وأجنحته العريضة تمكنه من الطيران السريع تثبت وعي السوريين القديمين بطبائع الطيور.

وختم السيد بالتأكيد على أن العقاب السوري تجسيد حي للعنفوان، الحرية، السيادة، العزة، ورفض العدوان، رموز صنعناها هنا، واحتضنها العالم، فلم تعظم الحضارات السورية المتعاقبة أي ملك أو كائن حي إلا ووُضعت له أجنحة العقاب السوري في منحوتاتها