من مدينة حلب الشهباء السورية؛ كانت بوابتها على الحياة.. هناك وجدت نفسها في خضم عائلتين من مشربين ثقافيين، الثقافة الدينية، والثقافة الأدبية فكان تحصليها العلمي، قبل أن تنتقل لتُقيم في دولة الإمارات العربية في ال"دراسات إسلامية في علوم التفسير"...

تتحدث عن بيئتها قائلة: والدي كان باحثاً في علوم الجغرافيا، وله أبحاث كثيرة في هذا المجال، فيما أخذت عن الجد أسعد الكوراني الذي كان كاتباً وصحفياً ومدرساً في كلية الحقوق، حب الكتابة، وتذكر أيضاً إنه شغل منصب وزير العدل في حكومة سابقة في سوريا، كما شغل منصب نقيب المحامين، وله عدة منجزات ودواوين، فيما ورثت حب الفقه والدين من جدها لأمها العلامة عماد الدين النسيمي، المعروف لدي العالم الإسلامي، وله مزار وتكِيّة ومسجد في حلب ودار كبيرة وقفٌ له.

النتاجات الإبداعية

من هذه الحاضنة المبكرة في الثقافة الواسعة، يُمكن أن نُفسر هذا النتاج المتنوع للكاتبة السورية فوزية الكوراني، التي استعرضت مؤلفاتها قائلة: أبرزها مجموعات القصص القصيرة جداً: "تراتيل أنثى" صادرة عن دار قادح زناد الحرف، وشهقات النعمان صدرت في الجزائر عن دار خيال للنشر، وهارمونيكا الصادرة عن دار ديوان العرب".. كما صدر لي (الطاولة الخضراء) رواية مشتركة عن دار متن في العراق.

الناقد طارق الشناوي والناقد غانم المعموري

وأضافت لدي العديد من الإصدارات الإلكترونية الأخرى في الرواية والقصة القصيرة جداً منها روايات: "رحيق العمر، جعلوني زانية، وأجنحة من رماد"، ومن القصص"رقصة الموت" وغيرها الكثير، كما كانت لي مساهمات في النقد الأدبي للكثير من الأعمال الإبداعية لنتاجات الآخرين، إضافة لتقديمي الكثير من البرامج الدينية.

في رواية الآخرين

هذا النتاج الإبداعي الثّر للأديبة فوزية الكوراني؛ كان له صداه واثره النقدي عند الكثيرين، فقد تناول تجربتها الأدبية العديد من النقاد في سوريا وخارجها.. حيث يذكر الناقد العراقي محمد السوادي عن روايتها (أجنحة من رماد) نحن هنا: أمامنا شخصيتان، نجلاء وآدم، كلٌّ منهما يُمثّل محصّلة حتمية لبيئته وندوب قدره. وما بين الصمت والظلام، تنشأ علاقة حبّ محكومة بالسقوط قبل أن تُحلّق. لكن الكاتبة، لا تقف عند حدود المأساة المجردة. فمنذ الإهداء الأول، تعلن ميولاً – قد يكون مبرراً - وتكشف ورقة الحكم مبكراً.

الناقد عباس عجاج والناقد هاني أبو غليون

فهي لا تهدي روايتها، بل تُصدر لائحة اتهام: "إلى كل رجل أعمى بصره عن جمال الروح، واختار الملموسات الحسية على الأرض.".. فمنذ البداية، وُضعت قواعد اللعبة لصالح طرف واحد، وصار آدم خاسراً حتى قبل أن يدخل السرد. الرواية لا تترك مجالاً للشك في براءتها: إنّها ضحية مكتملة، كلّ تفاصيل حياتها مبررات دامغة لصمتها، ونفورها، وابتعادها.

هارمونيكا

فيما وجد الناقد المصري طارق الشناوي في مجموعة (هارمونيكا: قصص قصيرة جداً) الكثير من السمات الأسلوبية عند الكاتبة الكوراني منها العناوين، حيث إن "معظم عناوين القصص عبارة عن كلمة واحدة، أو كلمتين، وغالبا نكرة، ولا يحتوي النص على أي كلمة من العنوان، والذي يمثل بحد ذاته نصاً موازياً، قد نتجاوزه في القراءة الأولى، ولكننا ما إن ننتهي من قراءة القصة حتى نعود إلى قراءة العنوان، حتى نستطيع أن نفهم المغزى الحقيقي للقصة."كما استخدمت الكاتبة الرمز، وخاصة الرمز الديني، في العديد من القصص، وجذبها الفعل الماضي بكثرة، فيما يبحث الناقد عباس عجاج في البنية الزمانية في نص:

الأديبة فوزية الكوراني

"حنين

كان قلمها ينبض وهي تلعب في أزقة الحواري.. حجرت عليها الحياة ببراعم ندية.. شاخ القلم وجفّت الدواة.. عادت قصصها تتدافع للمخاض؛ لكن حروفها الأبجدية فقدت ذاكرتها."

فيرى أنّ أهمية الزمن في هذا النص تكمن بصفته الإطار العام للحياة، وتظهر أهميته في القصة القصيرة جدا بأوج صورها لكون القص أكثر الأنواع الأدبية التصاقا بالزمن، وهذا النص الذي كتبته القاصة يكاد يكون الزمن الدلالة الأكثر وضوحاً في رصد الديناميكية الحركية للنص، ويظهر مدى قدرة الكاتبة في استخدام مهاراتها الفنية المؤثرة. فيما يقرأ الناقد غانم عمران المعموري في نص: "سلعة"

هتكوا الستر؛ أصبحت كغثاء السيل في سوق النخاسة، دق جرس المزاد، الكل ينظر من طفيّ، هبطت الأسواق، انتهت الصلاحية؛ بخسوها حقها."

فيرى أن الكاتبة استهلت قصتها بعنْونة "سلعة" نكرة غير فاضح يفتح باب التأويل والتأمل لدى المتلقي، بالإضافة إلى الرمزيّة والدلالية الّتي تضفي على العنوان وانسجامه الدقيق مع متن النص بكل توازن وموضوعية وسلامة اللغة وتركيزها وجذاباً للقارىء.. وفي قراءة الناقد هاني أبوغليون أبورشاد لنص: "استِهَانة"

بعد نصف قرن ونيّف؛ أزهقت كل مافي رحمي من نِطَاف. اعتليت المنبر أتسول، رُدَت إلي يدي مقطوعة!"

فيرى أنها اقتحمت عوالم (التابوهات) بحرفية، متخطية كل الحواجز في الأعراف المجتمعية، التي يصعب على الكاتب اقتحامها ما لم يكن متمرساً ويمتلك رؤية تساعده على تقديم نص عميق جداً، تبدو فيه اللغة السطحية نصاً عادياً يعرض إحدى التابوهات الثلاثة، في حين تُعبّر لغته العميقة عن قضايا يصعب الحديث فيها بهذا الشكل، وهذا ما نجده في نص كاتبتنا المبدعة، التي لم تسكت أدبياً عن المسكوت عنه.