أرادت تحقيق حلمها الطفولي القديم بالكتابة، ووجدت فرصة سانحة لها في مصر حينما سافرت إليها مع عائلتها عام 2012. لم تمارس الدكتورة عبير يحيى خالد مهنتها كطبيبة أسنان، ما وفّر لها الوقت مع موهبة الكتابة التي حباها الله بها، واجتهدت على نفسها بالاطّلاع المكثّف على الأعمال الإبداعية، ثم بدأت بالكتابة من خزينها الوجداني سردًا وشعرًا. وظهر إنتاجها الأدبي، ثم كانت النقلة النوعية إلى النقد الذرائعي العلمي.
في رحاب الأدب
طبيبة أسنان، خريجة جامعة دمشق – كلية طب الأسنان 1990، من مدينة طرطوس في سوريا، مقيمة حاليًا في الإسكندرية بجمهورية مصر العربية. وهي عضو اتحاد كتاب مصر، وعضو مؤسس في العديد من الكيانات الثقافية في الإسكندرية، وعضو منتسب في العديد من الكيانات الثقافية في القاهرة، وكاتبة في العديد من المواقع العالمية مثل "الحوار المتمدن" و"المثقف". لها العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات المحكّمة، وهي عضو لجنة علمية في العديد من المؤتمرات الدولية في بلدان عربية مختلفة، وحائزة على العديد من الجوائز في النقد وأدب المرأة.
تتحدث الدكتورة عبير عن بدايات رحلتها مع الأدب والنقد لمدونة وطن قائلة:
"البداية الفعلية كانت من رواية أرسلتها لي كاتبة شابة من مدينتي تطلب رأيي فيما كتبت، فوجدت نفسي أدخل في قراءة نقدية انطباعية. أرسلت لها القراءة مع ملاحظات، وتفاجأت عندما أخبرتني أن قراءتي وملاحظاتي تتطابق مع قراءة وملاحظات ناقد كبير ومعروف. شجعتني حينها على الكتابة والالتحاق بمنتديات أدبية على الفيسبوك والمواقع الإلكترونية. في البداية استهجنت الأمر، إذ كنت امرأة أربعينية، فكيف أدخل هكذا منتديات ظننتها فقط للشباب؟ لكنني وجدت أنها تضم كل الفئات العمرية خلا الطفولة، ووجدتني فجأة بينهم. ومع أول قصة مكثّفة اشتركت بها في مسابقة لرابطة القصة القصيرة جدًّا، وجدتني أفوز بالمركز الأول مناصفة مع طبيبة أسنان مثلي وفي نفس عمري، حيث برز نصّانا على أكثر من 150 نصًّا مشاركًا في المسابقة، كانت تلك البداية في الإبداع السردي، تلاها الإبداع الشعري، ثم وجدتني أخوض مضمار النقد من خلال دراسة نقدية لأستاذي عبد الرزاق عودة الغالبي، لقصة قصيرة لفتت نظري بشدة. وكان ذلك التعارف الذي فتح لي الباب مشرعًا على علوم النقد، وكانت مسيرتنا النقدية التي استمرت إلى الآن وستبقى بإذن الله علمًا يمكننا أن نضعه في خدمة النص العربي الرصين".
وتتابع حديثها: "تجربتي النقدية قائمة على حقيقة أن النقد علم مكوّن من مجموع العلوم التي تحيط بالأدب، لذلك لا أخشى في النقد الذرائعي أي خلل أو موطن ضعف طالما أن تحليلي النقدي مسنود إلى منهج علمي. فالذريعة عندي أساس في كل ما أكتب، وكل رأي نقدي أسنده إلى ذريعة علمية. واستطعت بفضل ذلك أن أكسب ثقة من يسمعني ومن أنقد له من الأدباء، فلا أحابي ولا أتجنّى. أما عن أعمالي الأدبية فأترك للنقّاد الغوص فيها، وأتقبّل كل أقوالهم فيها، وإن لم أوافقها كلها، لكني أحترم وأجلّ كل ما يقال. وقد استطعت والحمد لله أن أخطّ لنفسي استراتيجية مميزة خاصة بي، وتكنيكًا هو توقيعي وبصمتي، ومن السهل على من يقرأ نصي أن يعرف أنه لي ولو لم يرَ توقيعي عليه".
بساتين الإبداع والنقد الذرائعي
ما يميز قلم الدكتورة عبير في بساتين الإبداع والنقد، مهارتها العالية في اختيار المفردة الفتية والعبارة المغسولة بعطر الدلالة الموجزة، والتكثيف الذي يفضي إلى فضاء مفتوح على مرافئ الجمال. قلمها النقدي يمتلك أدوات الغوص والتوغل في جسد النصوص بطريقة ديناميكية، وفي علم الدال والمدلول والدلالة، دون السير على طريق المدح أو القدح.
وحول نظرية الذرائعية أوضحت الناقدة عبير أنها غير منتشرة في سوريا، ولكنها موجودة في عدة دول عربية مثل مصر والعراق. وهي منهج نقدي يختص بالمعنى الأدبي، أي المعنى المنزاح نحو الخيال والرمز، وتنظر إلى الأدب على أنه مجموعة من الذرائع والأسباب التي تسند كل قول أدبي، مستوحاة من سورة الشعراء في القرآن الكريم. وأضافت: "إن الهدف الأساسي من النقد هو إعادة تأسيس العلاقة التفاعلية الإيجابية بين الناقد والكاتب والمتلقي، بهدف تحقيق التجربة الإبداعية بأجمل صورة، ورفع السوية الإدراكية والمعرفية لدى الجمهور".
وتحدثت عن معرفتها بالناقد عبد الرزاق الغالبي من خلال ندواته النقدية، وأكدت أن دراسات الغالبي تصلح لأن تكون نظرية، مما استدعى إعلان هذه النظرية، والبدء في التأسيس النظري والعملي لنظرية النقد الذرائعي، مع تطبيقات عملية من خلال دراسة العديد من النصوص السردية والشعرية، حيث تعمل النظرية الذرائعية على تأطير المدلولات بالمفهوم.
وتبين يحيى: "في كل أعمالي السردية أتحدث عن الأثر الاجتماعي والإنساني الذي خلفته الحرب على المواطن السوري في بلدي، فالفقد والموت والتهجير والاغتراب والغربة كانت ثيمات رئيسية". وتختم حديثها: "أتمنى أن أكتب يومًا عن الفرح".
ثقافة بلاغية وفكرية
وتتحدث الكاتبة والإعلامية رشا النقري لمدونة وطن قائلة:
"لطالما مر أمامنا وجه الأديبة وطبيبة الأسنان عبير خالد يحيى ابنة طرطوس من خلال فخر والدها الإعلامي الحاج خالد يحيى، ففي البداية تعرفنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي على وجهها وخطها الأدبي المميز، ثم كان اللقاء القريب عبر حوار مطوّل معها،الدكتورة يحيى، ابنة البحر، من عائلة تحب العلم والثقافة، غادرت الوطن واستطاعت أن تحول غربتها إلى إبداع أدبي وثقة مضافة عبر تواصلها واندماجها في الوسط الثقافي في مصر وبلدان أخرى".
وتضيف النقري: "لقد حملت الشاعرة وطنها، وتحديدًا مسقط رأسها طرطوس، معها حيث إقامتها على أرض الكنانة. تلك الأماكن التي فارقتها من كورنيش البحر وجزيرة أرواد، حيث نقلت المعاناة والوجع المتخم بالآهات المتمردة، في صور شعرية مركبة تعبّر عن الذات والهموم وردة فعل الواقع الذي يعجّ بالمتناقضات. تميزت بالكتابة النقدية بطريقة واضحة وجذابة، بعيدة عن جمود المصطلحات النقدية، وغاصت في بحور التحليل بعمق وسلاسة. تمتلك ثقافة بلاغية وفكرية، وتفردت في الكتابات النقدية الذرائعية، وأهم ما يميز الأديبة يحيى – إلى جانب النقد الذرائعي – الكتابة بعدة مواقع عالمية وابتكار أجناس أدبية كالحوارية السردية، وقدرتها على البحث والتدريب عليه، والكثير الكثير من المؤلفات. لها كل التوفيق والتقدير".
إصدارات وجوائز
للدكتورة عبير العديد من الأبحاث المحكمة المنشورة في المجلات المحكّمة، وهي عضو لجنة علمية في العديد من المؤتمرات الدولية في بلدان عربية عدة، وحائزة على العديد من الجوائز في النقد وأدب المرأة، كما لها مؤلفات شعرية. تقول:
"لكل أديب رسالة يعمل عليها طيلة مساره الأدبي، ويمررها من خلال إبداعاته وإصداراته المتنوعة. ورسالتي هي للعالم الإنساني الحي والنائم على السواء، هي دعوة مخلصة للعودة إلى الإنسانية الحقّة، إنسانية أبينا آدم وأمنا حواء. وأملي أن هناك من قد يقرأ، فالكلمة أمانة، ودعوة للتفكّر وإعمال العقل لا تعطيله. ولعل الله يعينني على أن أؤدي هذه الأمانة لجيلي وأجيال أولادي وأحفادي، فتكون شاهدًا لي لا عليّ".
وعن أعمالها قالت:
"كان باكورة أعمالي في القاهرة عام 2016 المجموعة القصصية لملمات، ثم المجموعة الشعرية عطايا، فمجموعة قصصية رسائل من ماضٍ مهجور. وفي عام 2018 أصدرت مجموعة قصص قصيرة ليلة نام فيها الأرق، ثم رواية بين حياتين عام 2020، وصدر لي عام 2022 مجموعة شعرية بعنوان قصائد طارئة ومجموعة قصصية بعنوان سأشتري حلمًا بلا ثقوب.
وتابعت حديثها.. طبعًا هناك العشرات من المؤلفات النقدية والتحليلية حول مفهوم الذرائعية، أغلبها بالتشاركية مع الأستاذ الكاتب والناقد العراقي عبد الرزاق عودة الغالبي، منها: الذرائعية في التطبيق، والذرائعية وسيادة الأجناس الأدبية، والذرائعية بين المفهوم الفلسفي واللغوي، والذرائعية والعقل،وهناك أيضًا مؤلفات نقدية ذرائعية خاصة بي عن أعمال عشرات الشعراء والأدباء".