من بيتٍ متواضع في مدينة سلمية، بدأت الحكاية قبل خمسةٍ وعشرين عاماً، حين قرّرت ابتسام القطريب، المعروفة باسم "أم علي السلوم"، أن تحوّل مهارتها في تحضير المؤونة إلى مصدر دخلٍ يعين أسرتها على مواجهة متطلبات الحياة. لم تكن تعلم آنذاك أن مشروعها الصغير سيغدو بعد سنوات اسمًا تتناقله الأسواق داخل سورية وخارجها.

الحاجة تصنع مشروع

تتحدث أم علي السلوم، المولودة عام 1968 في سلمية، عن بدايتها قائلةً: «لم أكمل تعليمي بعد المرحلة الإعدادية، فتزوجت في سنّ مبكرة وأنجبت ثلاثة أولاد. كان زوجي موظفاً بدخل محدود لا يكفي لإعالة الأسرة ومصاريف دراسة الأولاد، لاسيما في الجامعة، كما أن منزلنا بالإيجار.

نصف إنتاجنا نوزّعه في السوق المحلية، والنصف الآخر إلى دمشق، طرطوس، اللاذقية، حمص، مصياف، حماة، وحتى الإمارات العربية المتحدة

وتتابع حديثها لمدونة وطن بدأت عام 2000 بتحضير المؤونة في البيت وتسويقها لأهل الحي حسب الطلب، فكنت أُجفّف الباذنجان للمحشي وشرائحه، أو أسلقه للمكدوس، وأجفّف الفليفلة والملوخية والبامية، وأعصر البندورة، وكل ذلك بمساعدة زوجي وأولادي. و ذاع صيت منتجاتنا عام 2010، وكسبنا ثقة الزبائن، فزاد الطلب واستعنا بعدة ورشات عاملة، وأصبحتُ مديرة التسويق بنفسي. ووسّعنا الإنتاج ليشمل المربيات ودبس العنب والكشك والسمن البلدي والأجبان والألبان والقريشة والشنكليش، وكانت هذه المنتجات دعماً لدخلنا خاصة في فصل الشتاء».

العمل داخل الورشة

وتختتم: "هكذا تحوّلت الحاجة إلى فرصة، والعائلة الصغيرة إلى فريق إنتاج يعمل بانسجام، يقوده إيمان بالجهد والتعب المتواصل".

زوج داعم ومدير ناجح

من جانبه، يروي زوجها حسن السلوم، من مواليد 1966، حاصل على معهد أرصاد جوية، تجربته في إدارة الورشات لمدونة وطن قائلاً:«بدأت هذا المشروع مع عائلتي منذ 25 عاماً، وسهّل الأمر عليّ امتلاكي سيارة نقل صغيرة لجلب الخضار من السوق. ومع ازدياد الطلب على منتجاتنا منذ 15 عاماً، استعنا بعاملات بلغ عددهن هذا العام 30 امرأة؛ منهن من يعملن بشكل دائم، وأخريات في المواسم. العاملات من مختلف شرائح المجتمع، فبينهن المعلمة والموظفة وربّات البيوت. استأجرتُ مستودعاً بمساحة 600 مترٍ مربع، وكل إنتاجنا قائم على جهودنا الشخصية دون دعم من أي جهة».

ريم وفراس صطيفة ونجوى الكسيح وفاتن صطيفة وكاترين الحسين و الزوج حسن أبو علي السلوم

ويضيف بنبرة تعبٍ لا تخلو من العزيمة: «تقدّمنا بطلب قروض لمؤسسة الآغا خان وشاركنا في عدة دورات بإشرافها لتوسيع المشروع، لكن دون استجابة. أعاني من كلفة تشغيل الثلاجات التي تعمل 24 ساعة لحفظ المنتجات، ومن ارتفاع أسعار المحروقات والغاز، رغم ذلك، أحرص على دفع أجور العمال ومكافآتهم بانتظام، وأساندهم في أي ظرف طارئ. كما أتيح لهم العمل المسائي بأجر إضافي مع وجبة عشاء مجانية».

قصص تعبٍ وأمل

في ورشة أبو علي السلوم لا يُعتبر العمل مجرد مصدر رزق، بل مجتمع صغير تسوده المودّة.

منتجات متنوعة من مطبخ أم علي

يقول فراس صطيفة (45 عاماً): «منذ أربع سنوات وأنا أعمل في الورشة. أقوم بجمع الإنتاج ونقله إلى منافذ البيع، بالإضافة إلى عملي كحارس ليلي. أجهّز وجبات سلق الباذنجان وأساعد في التحضير. هذا العمل يؤمّن لعائلتي المكوّنة من ثلاثة أطفال حياة مستقرة. وتساعدني زوجتي في العمل حيث تبدأ ساعات عملي من الرابعة صباحاً حتى السادسة مساءً، مع وجبتي فطور وغداء على حساب صاحب العمل. أتابع عملي هنا لأنه منحني شعوراً بالأمان والاستقرار العائلي».

وتتابع ريم صطيفة (مواليد 1987):«بدأت العمل مع أبو علي منذ عامين. العمل هنا وفّر لي دخلاً أعتمد عليه لتعليم أولادي؛ فـ(نغم) طالبة حقوق سنة ثالثة، و(حلا) تدرس تربية، و(أمجد) في الثانوية. وأضافت معاملة أبو علي الأخوية تجعلني أعمل كأنني بين أفراد عائلتي..

وتقول نجوى الكسيح (28 عاماً):«لم أكمل دراستي بعد الإعدادية، تزوجت عام 2014، ولديّ ثلاثة أولاد أعمارهم 10 و9 و7 سنوات. أعمل مع زوجي في الورشة منذ ثلاث سنوات، نبدأ صباحاً بتشريح الفليفلة ونقلها إلى السطح لتجفيفها، ثم جمعها بعد الجفاف ونقلها إلى المطحنة، إضافة إلى صناعة المخللات بإشراف أبو علي عملي هذا يمنحني السعادة، ومردوده يغطي نفقات إعالة أسرتي».

أما فاتن صطيفة (37 عاماً)، فتقول بابتسامة رضا: «لم أكمل دراستي بعد الصف الحادي عشر، فتزوجت وأنجبت خمسة أولاد أعمل مع زوجي في الورشة من السابعة صباحاً حتى السادسة مساءً. أجمل ما في العمل أننا نعمل بروح الجماعة كأسرة واحدة، وصاحب العمل يمنحنا المكافآت بشكل دوري».

وتختم كاترين الحسين (29 عاماً) حديثها بصوتٍ تغلب عليه الأمومة:«أنا متزوجة ولديّ طفلان أكبرهما في التاسعة من عمره. أصبحت الحياة صعبة، ويجب أن أساهم في إعالة أسرتي. أفتقد ولديّ خلال ساعات العمل الطويلة، إذ أتركهما برعاية جدّيهما».

مذاق سوري أصيل

وبين أبو علي السلوم: «نصف إنتاجنا نوزّعه في السوق المحلية، والنصف الآخر إلى دمشق، طرطوس، اللاذقية، حمص، مصياف، حماة، وحتى الإمارات العربية المتحدة».

بعبارة بسيطة يلخّص الرجل انتشار منتجاتهم التي تعبّر عن المذاق السوري الأصيل، وهو ما جعلها محطّ طلب وثقة واسعة.

ويؤكد عدنان برازي، صاحب مطبخ أبو مجيب فود:«أتسوّق من منتجات "أم علي" لبيتي ولمطعمي، فهي الأفضل في السوق من حيث الجودة والنظافة. أثق بها لأن كل منتج يصدر تحت إشرافها الشخصي، خصوصاً المكدوس والفليفلة والباذنجان المسلوق ودبس الرمان، فجميعها تحافظ على طعم البيت السوري الأصيل».

ختاما: ما بدأته أم علي السلوم من مطبخ بيتها تحوّل إلى مشروع وطني صغير يدعم عشرات العائلات، ويُعيد تعريف العمل المنزلي كقيمة إنتاجية تُسهم في الاقتصاد المحلي. لم تتلقَّ دعماً من جهة رسمية، لكنها بنت نجاحها بالحسّ الإنساني والإصرار على الكفاح.. إنها اليوم نموذج للمرأة السورية التي تزرع الأمل بيديها.