بين المحاماة والكتابة الروائية تتوزع شواغل الأديبة ريم حبيب، حيث تُقدِّم نتاجها الإبداعي بهدوء ومن دون جعجعة، وإنما بنعومة جري السواقي وهدوئها في السهول الخضراء. الأمر – ربما – الذي ساعدها على أن تُنجز خمس روايات في مشروعها الروائي حتى اليوم.

خمسة أعمال روائية

ريم حبيب من مواليد محافظة درعا في جنوب سورية، وابنة اللاذقية في غربها، كما أوضحت لمدوّنة وطن، وأضافت: «عايشتُ الكثير من المجتمعات السورية بحكم عمل والدي المتنقّل، وأنا أيضًا، بحكم عملي كمحامية، عايشتُ الكثير من تراجيديا الناس وقضاياهم، وكلّ ذلك وغيره شكّل لديَّ مخزونًا حكائيًا زاخرًا».

عايشتُ الكثير من المجتمعات السورية بحكم عمل والدي المتنقّل، وأنا أيضًا، بحكم عملي كمحامية، عايشتُ الكثير من تراجيديا الناس وقضاياهم، وكلّ ذلك وغيره شكّل لديَّ مخزونًا حكائيًا زاخرًا

وتُضيف: «اليوم لديَّ خمسة أعمالٍ روائية صدرت عن دور نشر سورية وعربية، كما لديَّ عدة قصص منشورة في دار الآداب اللبنانية من مجموعتي "أصابع الريح". وبين الحين والآخر كان لديَّ متسع لأكتب عدة مقالات في مواقع صحفية مختلفة، منها موقع مجتمع للدراسات التاريخية وجريدة الصباح العراقية».

الناقدة الدكتورة سمر جورج الديّوب

وعن رواياتها قالت: «نلتُ عليها الكثير من الاحتفاء، منها جائزة المزرعة في السويداء عن رواية "أكثر من امرأة"، وجائزة جميل محفوظ للإبداع القصصي عن مجموعتي "تمارين لإطالة الحب". كما كُرِّمت من جامعة الحواش الخاصة ضمن مجموعة من كتّاب وفنانين سوريين. وأحدث نتاجاتي الروائية كانت"سفينة نون"عام 2025، أما باقي الروايات فهي: "سفّاح الذكرى"، "كيف يموت الأقحوان"، "أكثر من امرأة"، "احتباس حراري"، و"المخدع"».

المخدع

تُعرَف ريم حبيب بأسلوبها السردي العميق، كما أن لها محاولات في مجال القصة القصيرة، نُشر منها عدة قصص في مجلة الآداب اللبنانية مثل: "البولمان"، "القدّاحة"، و"أصابع الريح".

بعض مؤلفات ريم

وهو الأمر الذي دفع بالروائي والناقد نبيل سليمان ليقدّم شهادة فاخرة في روايتها "المخدع"، إذ يرى أنّ ريم حبيب في هذه الرواية تُشكّل بلادًا تحتضر، وشخصيات طال بها العسف وأمضّها، فتولّت كلٌّ منها حكايتها، واشتبكت الحكايات كما الأقدار والصبوات والآهات، كما تلونت لغة الرواية وهي تتوثّب مثل أنفاس حرّى، أو مثل طفلة تزقزق وترتعد في آنٍ معًا.

وأضاف سليمان: «ربما يكون قلبا العاشقين (نايا ومُتَيَّم) آخر ما تبقّى من البلاد التي تزدرد أوجاعها جيلًا بعد جيل، لكنّ الحب أيضًا يحتضر، بعدما ضاقت السماء بكواكبها، وضاق البحر بأمواجه، فتتدافع الشباب والشابات بخاصة إلى الشوارع والساحات، يفكّكون ما نشؤوا عليه من أمّية، وتنبض الأفئدة حريةً وصداقةً وعشقًا وأخوّةً ومعرفةً وجرأة».

الروائي والناقد نبيل سليمان

السرد كفعل بقاء

فيما ترى الناقدة الدكتورة سمر جورج الديّوب في تجربة ريم حبيب أنّه منذ "ألف ليلة وليلة"، والراوية الأولى – شهرزاد – تنسج بالحكاية خيط النجاة من الموت، وتحوّل السرد إلى فعل بقاء. واليوم، تواصل ريم حبيب هذا الإرث السرديّ العريق، لكن بصوتٍ معاصر يواجه موتًا من نوع آخر: "موت المعنى وسط ركام الواقع".

فإذا كانت شهرزاد قد أنقذت حياتها بالحكاية، فإنّ ريم حبيب تُنقذ وعينا؛ إذ تكتب لتصون الذاكرة، وتفتح للأنثى والإنسان معًا منفذًا إلى أفق الحريّة. هي شهرزاد زمننا، تروي لتكشف، لا لتُسلّي، وتروي لتؤكّد الحياة، لا لتؤجّل الموت.

وتُضيف الديّوب: «حين نتأمّل تجربة ريم حبيب، ندرك أنّنا أمام كاتبة لا تعبّر باللغة كغيرها، بل تمتلكها كما تستقلّ سفينة وتُبحر بها إلى أفق لا يبلغه إلا من عرف أنّ الكلمة مرساة للروح قبل أن تكون وسيلةً للتعبير. من هنا، فليست كتاباتها محض حكايات، إنها رحلات في المجهول، حيث تتصارع الأمواج بين الوجع والرجاء، وحيث يتحوّل الأدب إلى فعل خلاص، وإلى بوصلة للهويّة في بحرٍ مضطرب».

وترى الديّوب في مجمل أعمال حبيب، منذ "أكثر من امرأة"إلى "المخدع"، أنها خطّت مسارًا روائيًّا يجرؤ على مساءلة المسكوت عنه، ويجعل من الكتابة ساحة مواجهة بين الذات والواقع. ففي كل عمل من أعمالها يتردّد صوت الأنثى الباحثة عن معنى وجودها، والمتمرّدة على القيود الاجتماعية والسياسية، والممسكة بلغتها كسلاحٍ للحب والحرية معًا.

غير أنّ روايتها "سفينة نون" تُشكّل علامةً مهمة في هذا المسار، إذ تنفتح على فضاء رمزي واسع يجعل من السفينة استعارةً كبرى للتيه والنجاة، وتحوّل الحكاية إلى مرآةٍ تُكثّف هموم الإنسان السوري والعربي في زمن العواصف. إنها رواية تُعيد تعريف فعل السرد نفسه بوصفه إمكانيةً للبقاء، وجسرًا بين الوجع والأمل.

سفينة نون

وفي حياة ريم حبيب، لا تنفصل المحاماة عن الرواية – تقول سمر الديّوب – غير أنّ لغة الرواية تمنحها ما هو أعمق من نصوص القوانين، إذ تسمح لها بأن تُحاكم العالم أمام مرآة الأدب، وأن تعطي للأصوات المنسيّة صوتًا يُطالب بحقّها في الوجود.

من هنا، يبدو مشروعها السرديّ امتدادًا لرسالتها المهنيّة: أن تجعل من اللغة منبرًا، وأن تحوّل الوجع الإنسانيّ إلى قضية، لكن هذه المرّة تُعرض أمام "محكمة الروح والضمير".

أما عن لغة السرد التي اعتمدتها ريم حبيب على لسان ساردتها في روايتها "سفينة نون"، التي تروي بضمير الأنا، فرغم أنها تروي حكايتها الخاصة، إلا أنها تُشبكها بحكايات عشرات النساء، بحيث توحي للمتلقي بالتماهي بين الساردة الراوية والروائية كنشدانٍ للصدق الفني الروائي.

الأمر الذي يجعل من الروائية وكأنها تتحدث إلى المتلقي وتُخبره كعارفةٍ وشاهدةٍ على هذه الحكايا، لاسيما مع بلاغةٍ وصفيةٍ تتجلّى على مستويين:

مستوى داخليٍّ جوانيٍّ يسرد الحالة الداخلية للشخصية، ويُبرز أعماقها وكلّ ما تُعانيه.

ومستوى خارجيٍّ يصف المكان الذي تتواجد فيه كحاضنٍ لكلّ حالات ذلك "الكائن" المقهور بجوانياته، وكخلفيةٍ مشهديةٍ تتماهى مع ما يعتلج في الصدور.

والحقّ يُقال: كانت الفاعلية الفنية للروائية، أو اللعبة البلاغية، تكمن هنا، حيث أبعدت الأحداث عن التسجيلية، لتذهب بنا إلى عملٍ فنيٍّ من النوع الفاخر.