كثير من أبناء الجولان السوري المحتل لا يعرف هذه القرية التي تحتل موقعاً متميزاً بين القرى على بحيرة طبرية، فقرية "المندسة" الواقعة في جنوبي البطيحة بالجولان المحتل، تتميز بمناخ ربيعي على مدار العام فضلاً عن غزارة مياهها وخصوبة تربتها.
موقع متميز
تتميز قرية "المندسة" بأراضيها الخصبة ومائها الغزير كما يقول "محمد الموسى" /71/ عاماً ضابط متقاعد ومهتم بشؤون الجولان وهو من سكان القرية، ويبين أن القرية تقع على أرض منبسطة ومنخفضة بمستوى 212 متراً عن سطح البحر ، بمساحة 4 كيلو مترات مربعة، وتتميز بالمناخ الدافئ بالشتاء، يحدها من الغرب قرية "المسعدية"، ومن الشمال "عبارة حامد"، ومن الجنوب مزارع القطن، ومن الجنوب الشرقي "قطوع الشيخ علي"، ومن الشرق "القرحش"، وقد بلغ عدد بيوتها قبل النزوح 150 منزلاً.
ويضيف: "قرية "المندسة" كما قرى الجولان قاطبة، عاشت تقليدياً على الزراعة واعتمدت عليها في معيشتها، وفي الدرجة الأولى على المحاصيل الزراعية مثل الخضار الباكورية بكل أنواعها وأصنافها، لاسيما وان المناخ بالجولان يعتبر مناسباً لنمو كافة النباتات والأشجار، حيث يتميز المناخ بالقرية باعتداله ووجود فصل واحد تقريباً وهو الربيع الذي يغني عن بقية الفصول، وذلك لدفء الطقس في الشتاء واعتداله في الخريف، كما هي الأرض التي عرفت بدفئها وخصوبتها واحتوائها على التربة الغنية بالمواد العضوية التي لا تحتاج السماد ، وقد ساعدها في ذلك كثرة المياه في القرية لدرجة تفجر الينابيع بكل مكان".
قرية الموز
ويشير "الموسى" إلى اشتهار القرية بزراعة الأشجار المثمرة كالموز والحمضيات، حيث كانت شجرة الموز تصل لارتفاع المتر ونصف وذلك وسط غابة أشجار كثيفة مزروعة بمساحة تتجاوز 6 دونمات لكل بيت من سكان القرية ، ولم يكن يخلو بيت من زراعة الموز.
ويقول: "أذكر أن مساحة الموز المزروعة لدى والدي كانت تتجاوز أكثر من 20 دونماً ، ويحوي سهل القطن المحاذي للقرية ما يقارب ألفي دونم من شجر الموز، وقد كان سكان القرية يعتمدون على تسويق الموز في معيشتهم وبيعه في دمشق والقنيطرة، من خلال تجميعه في مكان محدد وشحنه الى أماكن البيع". مشيراً الى وجود سيارة شحن وحيدة كانت بالقرية تسوق المحصول ، بحيث أن 90 بالمئة من سكانها يعتمدون على الزراعة، و10 بالمئة واقل على الرعي من الغنم والماعز والبقر والجواميس ، كما كان هناك الدواجن بكل بيت بحيث فاضت البيض ولحوم الدجاج عن حاجة السكان.
خيرات الطبيعة
لم يكن في القرية مدارس تعليمية ، حيث كان التلاميذ يدرسون في قرى (الدوا وقطوع الشيخ علي وفيق) ، ووفقاً للرجل السبعيني (الموسى) فقد كان أبناء القرية يتجاوزن أربعة اودية للوصول للمدرسة ضمن مشقة في الطريق الوعر لانعدام وسائل النقل آنذاك، لافتا الى عدم وجود طبيب بينما كان يتوفر في قرية "المحجار" القريبة ببضع كيلو مترات، وكان التنقل على الدواب والخيول، ويعلل "الموسى" عدم وجود أطباء لندرة الأمراض آنذاك، بسبب جودة الطعام واهميته الغذائية مثل السمن والعسل واللبن والجبن، والأهم أن المياه كانت نظيفة والمحصول طبيعي خالي من الأسمدة.
بدوره يشير "ذيب حسين العوض" من سكان القرية تولد 1953 إلى ما تميزت به القرية من زراعة الذرة الى جانب الحمضيات والموز خاصة وأن كافة العوامل كانت متوفرة لنجاح الذرة، حيث أن كل سكان القرية يزرعوها في حواكيرهم وحقولهم ويدخروها كمونة لهم في غير مواسمها، حيث كان طول ساق الذرة يصل الى أكثر من مترين، وحجم العرنوس الواحد يصل الى 30 سم وذلك لخصوبة التربة، كما اشتهرت القرية حسب "العوض" بوفرة الأسماك في المستنقعات بكثرة، حتى أنه لا يخطر ببال أحد بيع الأسماك والتجارة بها، كون قرى البطيحة والقرى المجاورة كانت مكتفية بالأسماك لقربها من ضفاف بحيرة طبريا ، وما يميز القرية حسب قوله، إنها محصورة بين واديين وادي "ابو خلال ووادي ابو دركل"، كما وتزداد أهميتها بمرور قناة "العفريتية" من عدة قرى كالغزيل والدوكا ، لتروي الجزء الأوسط الجنوبي من سهل البطيحة، حيث يبلغ طولها نحو 10كم، وعرضها ما يقارب المترين.
ترابط عائلي
ويتحدث "عدنان ابراهيم" ابو رعد مختار " قرية الحسينية" حالياً، وهو من سكان قرية "المندسة" تولد 1939 عن المناسبات الاجتماعية وكيف كانت تشكل نقطة التقاء لتجمع كل سكان القرى المجاورة من البطيحة وخاصة بالأفراح ، وقد تميزت العلاقات الاجتماعية بمتانتها وترابطها القوي، حيث كانت صلة القربى والصداقة تجمع أهالي القرى، وهي تشكل إلى اليوم نسيجاً اجتماعياً مترابطاً مع بقية أهالي الجولان.
وكما يقول "إبراهيم" فإن الأعراس كانت على سبيل المثال، تشكل ملتقيً لكل القرى خاصة القرى المجاورة كالدوكا وقطوع الشيخ علي والحسينية، حيث الأعراس تدوم لأسبوع ومنها تمتد لعشرة أيام وأكثر.
تراث حي
ويضيف "ابراهيم": هناك ميزة كانت تجمع سكان القرية بوجود الخيول واستخدامها للتنقل بين الأماكن الأخرى، ومنها الزيارات الدائمة الى مدينة فيق المجاورة وتبادل التزاور بين قرى "شقيف وسكوفيا وغزيل" ، وبحكم المسافات القريبة بين4 الى 5 كيلو مترات ،كان الأهالي خلال أوقات السهر والتعاليل يمتطون الخيول للوصول إلى معارفهم وأقاربهم، وتستمر السهرة لوقت متأخر من الليل خاصة مع انعدام وجود الكهرباء وعدم توفرها بهذه القرية ، ليستخدم السكان ما يعرف بضوء اللوكس الكاز القديم.
ويضيف: من العادات الاجتماعية الحميدة بالقرية إنه كانت هناك سباقات للخيول ، وكان هناك أعداد جيدة من الخيول الأصيلة في أغلب القرى ومنها قرية المندسة ليجري السباق بين المتسابقين ، وسط حماس وتشجيع من الحاضرين لتبقى لوحة فنية لم تنزع من الذاكرة.