لا يعرف تحديداً تاريخ ظهور هذا الفلكلور "الدمشقي"، اسمها ربما يحمل الكثير من صفاتها، هي استعراض ذكوري لإظهار "المرجلة" عبر الصداح بأناشيد تتضمن كلماتها الفخر والحماس، والمبارزة بالسيف والترس، قطعة فلكلورية متنقلة تمشي من شارع إلى آخر مظهرة عزم الرجال وقوتهم.
مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 9 كانون الأول 2014، الحاج "فريد شعبان" من أهالي "المزة"؛ ليحدثنا عن "العراضة" الشامية بالقول: «عبرت العراضة في المجتمع الشامي عن الوجدان الجمعي، وجسدت خلجات النفوس ومشاعرها الإنسانية للأحداث التي يعيشها المجتمع سواء بالمناسبات الدينية والاجتماعية والأعياد الوطنية، وكذلك عند استقبال الأحبة وفي حفلات الأعراس وختم القرآن والختان (الطهور) في مطلع القرن العشرين في "دمشق" على وجه الخصوص، كانت عواطف القوم تتفجر تعبيراً عنها بالأهازيج الشعبية في احتفالية أو مسيرة جماعية هي "العراضة"».
لعبت العراضات دوراً كبيراً في حياة "سورية" في فترة مقارعة المستعمر كوسيلة لشحن الطاقات، وتفجيرها في وجه أعتى أسلحة الاستعمار شدّة وضراوة، يوم كانت الحجارة والبندقية تقابل الدّبابة والخنجر والعصا حيال الرصاص والقنابل
ويضيف: «تلقى أهزوجة العراضة باللهجة العامية تردد وراءه وتردد ما يقوله، وفقاً للمناسبة التي خرج من أجلها ذلك الموكب "العراضة" ولهذه الأهازيج فعل السحر في إثارة العواطف وتأجيج المشاعر وبعث الحماس في النفوس، دونما تكلف أو رصف الكلام».
ومن أهازيج العراضات:
"وإن هلهلت (هللت)... هلهلنالك
صبينا البارود قبالك... يا سورية حنا رجالك
وان هلهلت يعروبية... واحد منـّا يقتل ميّة
وزغارنا (صغارنا) تحمل خناجر... وكبارنا عالحرب واصل".
ويشير الباحث "منير كيال" بالقول: «لا يوجد تاريخ محدد لظهور العراضة الشامية، إلا أنها ظهرت في "دمشق" منذ عدة قرون كموكب احتفالي ينظمه أهالي الحي الواحد عند الاحتفال بالمناسبات الاجتماعية أو الدينية؛ حيث يجتمع الناس في هذا الموكب ويردد المشاركون فيه مقولات أو أبيات شعر شعبي تعكس البيئة الشامية بمشاركة آلات موسيقية شعبية مثل الطبل والمزمار؛ للتعبير عن الفرح أو الاعتزاز أو المديح للمحتفى بهم».
ويضيف: «"العراضة" موكب من مواكب الرجولة الشعبية، يؤدي فيها جمهور غفير من الناس على شكل مجموعات في مسيرة واحدة وراء المرددين أهازيج خفيفة الوزن منسجمة التعابير حماسية التركيب، تنتظم كلماتها في أسلوب بسيط أليف على الأذن، ترتاح له النفوس، يرددها ذلك الجمهور وراء الوصافين بصوت واحد على وزن واحد ووتيرة واحدة كالسيل يخرج من الأفواه، والعراضة إيقاع شعبي اقترن بالتعبير عن الاحتفال فرحاً بمناسبةٍ ما مثل الأعراس وعودة الحجاج والأعياد الدينية وليالي رمضان، أو عودة أحد الأبناء من السفر أو الولادة، إضافة إلى المصالحة بين المتناحرين، تدور مفردات العراضات حول فكرة الرجولة والتحدي، والهدف منها شحذ النفوس بالفرح والسعادة والشجاعة».
"يا سباع البر حومي... اشربي ولا تعومي
اشربي من بير زمزم... زمزم عليها السلام
يا سلام اضرب سلام".
ويتابع: «من أشهر العراضات، عراضة العرس التي تقوم على فكرة الحضور إلى بيت العريس ثم مرافقته إلى السوق مع مجموعة من الأهل والمقربين والأصدقاء، ثم العودة معه إلى البيت لإحياء العرس، وينتقل شعر العراضة مشافهة من جيل إلى آخر، وأغلب الأحيان يكون هتـّاف الأهزوجة في موقع مميز من العراضة، وقد يحمل على الأكتاف، وهو يلوح بيده أو خيزرانته أو نحو ذلك، في حالة وعلى درجة عالية من التركيز والتكثيف في الدلالة عما يجول في خاطره، وما يفيض به قوله ونبرات لسانه في المناسبة التي هو بصددها، وأهازيجنا إنما هي عناوين لمواقف من تاريخنا الوطني والاجتماعي.
ومن أشهر أبيات هذا الشعر؛ الذي يرافق عراضة العرس:
"صلوا على محمد... مكحول العين
نير وخضير... وعادلا وهي
أول ما نبدا منقول صلوا على طه الرسول
أول ما بدينا على النبي صلينا
يا صلاتك يا محمد... وبالصلاة صلوا عليه
وااا علينا وااا عليه... وعلى من زار قبره
حجيت الحجاج لاجله... وعلى من حج إليه"».
ويختم بالقول: «لعبت العراضات دوراً كبيراً في حياة "سورية" في فترة مقارعة المستعمر كوسيلة لشحن الطاقات، وتفجيرها في وجه أعتى أسلحة الاستعمار شدّة وضراوة، يوم كانت الحجارة والبندقية تقابل الدّبابة والخنجر والعصا حيال الرصاص والقنابل».
"واسمع شو كال المدياع... عفية يا كدعان الشام
عالحروب مجرّية... خلينا المستعمر يدور
من الغوطة لأرض الزور... هادا شغيلك شاغوري".