كثيراً ما يتردد صداها في أغلب مناسباتنا حتى تكاد تكون علامة فارقة عرفها السوريون منذ عقود طويلة، وإلى اليوم مازالت تدغدغ الأفراح والأحزان بصداها وشجونها وكلماتها الفريدة ومطواعية لحنها للتغيير.
تعتبر أغنية "السكابا" من أشهر الأغاني السورية الشعبية وأكثرها انتشاراً في المحيط السوري وتنتمي إلى ما يسميه شعراء العامية "القصيد" واحدته قصيدة، ولها تنويعات كثيرة، كل قصيدة منها تشكل رؤية مختلفة للأغنية وللحدث الذي تتحدث عنه وأغلبه فراق المحبوب.
يلاحظ أن هذه اللازمة التي تتنوع وتتعدد كثيراً تتحدث عن لقاء الحبيب بمحبوبته حيث يطالبها أن تأتي لوحدها ليكون لقاؤهما حراً من العذال والرقباء
يقول الملحن والموسيقي "مروان دريباتي" في حديث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 4/11/2013: «أغنية "سكابا" ذات أصل غير معروف لكن من مراقبة كلماتها يتضح أنها أغنية نسائية بالدرجة الأولى حيث كانت النساء تغنيها حزناً على فراق الأحبة من الرجال إخوة وأزواجاً وجيراناً، كما كان الرجال أيضاً يغنونها في الحقول، ومن هذه النماذج هذين البيتين:
"سكابا يا دموع العين سكابا / دموع العين ما ترجّعْ لِحْبابا
يا دمع العين ما نقدَرْ عَ فْراقه / خدودي نارْ ما تْزيدي عذابا".
وكلمة "سكابا" هي فعل الأمر والرجاء العامي للعين كي تدمع حزناً وقهراً، وهي من الأغاني التي تشفي القلوب والصدور على اعتبار ما فيها من استدرار للدمع وملامسة للعواطف، والملاحظ في بنائها أنها مبنية على الوزن الشعري العربي الصحيح في بحر "الرجز"، وتكاد تتطابق مع حداء الجمل».
يرى المطرب الشعبي المعروف "سليمان الشعار" من منطقة "القدموس" أغنية "سكابا" صديقة ورفيقة الناس في أحزانهم عند الوفاة أو الفراق، أو عند الحوادث المؤسفة، وهي منتشرة في الساحل السوري والداخل أيضاً وأضاف بقوله: «في أغلب الأحيان لا تتم إقامة الدبكات عليها لأنها ترافق المآسي والأحزان وتغنى على المقامات الحزينة "الصبا والسيكا"، ويتألف المقطع من أربعة أشطر ينتهي المقطع الأخير بـ "با"، ولا يعرف سبب اختيار هذه القافية الغريبة، والظاهر أن مبدع هذه الأغنية قد وجد فيهما وقعاً حزيناً فتركهما على حالهما، وتأخذ هذه المقطوعة الشكل الرباعي أو ما تسمى الطلعة المربعة مثل هذه المقطوعة التي تغنى في ريف "القدموس":
"أشوف الزين نازل على الضيعا / وبيدو محرمه بيضه ورفيعـا
وانا من زوْدْ حبي للــــــــــــبديعـا / لـــــــصير شاعر واحمليي ربابا».
وأشهر نماذج هذه الأغنية المقطع التالي وقد غناه الفنان السوري الكبير "صباح فخري" ضمن مقامات حلبية، وتغنى أيضاً في "فلسطين" و"لبنان" ومناطق أخرى:
"سكابا يا دموع العين سكابا / تعي وحدك ولا تجيب حدابا
وإن جيتي وجبتي حدا معاكي / لهد الدار واجعلها خرابا"
وأضاف: «يلاحظ أن هذه اللازمة التي تتنوع وتتعدد كثيراً تتحدث عن لقاء الحبيب بمحبوبته حيث يطالبها أن تأتي لوحدها ليكون لقاؤهما حراً من العذال والرقباء».
وتحدث الباحث "عيسى أبو علوش" في كتابه " من صور التراث" عن الأغنية إياها وظروف غنائها وما قد يكون نشأة لها فقال: «حسب الخبرات المنقولة من الأجداد كان أول ظهور للأغنية في عهد الحملة المصرية على بلاد "الشام" في منتصف القرن الثامن عشر، التي جند فيها "إبراهيم باشا" أبناء الساحل في الخدمة الإجبارية حيث ساقهم في رحلة طويلة باتجاه عاصمة "الآستانة"، الأمر الذي خلق فراقاً وهجراناً بين الأحبة فكانت هذه الأغنية إضافة إلى أغانٍ أخرى تعبيراً عن هذه الحال، كما هو الحال في هذه اللازمة التي تقول:
"سكابا يا دموع العين سكابا / طير الشام يا مسلي الغرابا"».
وتابع: «تتعدد أغراض الأغنية تبعاً إلى الحدث المروي وأغلبه يتعلق بالظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يحياها ابن الريف وابنته، وكل منهما يختار طريقة "السكابا" في التعبير عن أحواله، فمن هذه الأحوال مثلاً:
"شوف الزين بالبستان يقطف / الخد أحمر والعرق ينطف
يا بن العم وقف عندك وقف / حل الكيس وارميلي دهابا"».
ومن الواضح كما قالت الباحثة "فريال الشويكي": «في هذا المقطع إنه غناء أنثوي ترغيبي لشاب يعمل في جني موسمه العامر وهو ابن العم الذي تدعوه إلى خطبتها أو التقرب منها، والذهب كان فيما مضى نقوط المرأة وجزءاً من جهازها كما اليوم».
وتابع الفنان "مروان دريباتي" بالقول: «إن أهالي القرى خاصة أثناء جني مواسم الحبوب والزيتون والنساء ذوات الصوت الشجي كن يغنينها أثناء الجني لكون أكثر تلك الأعمال مشتركة بين الرجال والنساء، وذلك قبل انتشار "المسجلات" والهواتف وغيرها، تقول إحداها:
"شوف الزين يـــــمرط بعديــــــــسو / بركة الله تنزل بعديـــــــسو
ياريتني كون شي خيط بقميصو / بشهور الصيف ولولح ياهوابا"
إذاً في أغلب أغاني "السكابا" ومقاطعها تنعكس صورة الحياة على الأغنية التي لا تلتزم بقواعد اللغة حرفياً بل تترك على السجية حاملة في إهابها حكاية أو صورة لحدث يتداخل فيه الإنسان مع الطبيعة في رفقة أزلية تتضح حنيتها في خواتم أغاني "السكابا" المتعددة التي تمط وتمد كي تعطي الإيقاع المغنى الرتم المطلوب الذي يجب أن يصل أغلبه إلى المستمع حزيناً ذا أثر ووقع».
ونختم مع هذه "السكابا" الثمانية من قرية "سربيون" (10 كم عن جبلة) التي تقول وتغنى في مواسم الحصاد:
من فوق سربيوني / من فوق سربيوني
يا مكحلي العيوني / بميال الزيتــــوني
إن الله هـــــــــــــوّن / والـــحبايب إجــوني
تدق طبول الفرح / وردلهن جــــــــــوابا".