تقع على الضفة الغربية شرقي بلدة "منبج" على بعد 30 كم، لا تزال على كثير من جدتها وروعة بنيانها واتقان عمارتها رابضة فوق أكمة من أكمات الفرات (الأكمة: التل ذو الصخور البيضاء الهشة) تطل من الشرق على نهر الفرات وتطل من جهة الشمال على آكام صخرية بيضاء ومن الجنوب على عدوتي الفرات وعلى سد يوسف باشا.
مدونة وطن eSyria التقت بتاريخ 11/3/2009 الأستاذ "يوسف الضابطي" ليحدثنا عن "قلعة نجم"، وكانت البداية عن العلاقة التي تربط بين "قلعة نجم" ومدينة "منبج" حيث قال: «العلاقة بين القلعة ومدينة "منبج" تتمثل بوجود الجسر الذي هو نقطة العبور الأساسية على نهر الفرات، والذي كان اسمه "جسر منبج"، ولذلك بنيت القلعة، أي لحماية هذا الممر الاستراتيجي الهام الذي يربط مناطق بحر المتوسط ببلاد الرافدين، ويربط أيضاً جنوب الأناضول بمناطق "سورية" الداخلية، إذاً فالاختيار الأساسي لموقع القلعة كان سببه القرب من هذا الممر الهام، كما الوضع في "قلعة حارم" التي بنيت لتكون نقطة واقية لمعبر هام جداً على نهر "العاصي" وهو "جسر الحديد"، وكان صاحبها يتقاضى رسوماً من العابرين فوق جسرها أو من عند معبرها بالزوارق بعد خراب الجسر».
كان وصولنا إلى الفرات وعبرنا في الزواريق المقلة المعدة للعبور إلى قلعة جديدة على الشط تعرف "بقلعة نجم" وحولها ديار بادية وفيها سويقة فأقمنا بها مريحين خلال ما تكمل القافلة بالعبور
وأضاف: «كانت القلعة بهذا الممر لتحميه وقد حفر حولها خندق في قلب الصخر عمقه خمسة أمتار وعرضه خمسة وعشرون متراً، طولها من الشرق إلى الغرب 170 متراً، ومن الشمال إلى الجنوب 130 متراً، ذات طابقين ولها ثلاثة جدران ضخمة فالأول الخارجي الراكب على طرف الأكمة المنحدر علوه 18 متراً، وعلو الثاني ثمانية أمتار، وعلو الثالث خمسة أمتار وهو بشكل مدرج».
وتابع "الضابطي" بالقول: «هناك فكرة خاطئة بأن القلعة بنيت للاستجمام، فالقلعة بنيت بشكل أساسي لتأدية وظيفة عسكرية دفاعية إستراتيجية، حيث كان لها دور مهم في الفترات الوسطى بصد الهجمات المعادية من قبل الحملات الصليبية، ولذلك كان هناك حملة بناء وتشييد على أعلى المستويات من قبل "نور الدين الزنكي" واستمرت هذه الحملة أيضاً بعهد "الظاهر غازي"، وأيضاً كانت هناك حملات ترميم في الفترة "المملوكية"، أما بعدما دمرت القلعة من قبل "هولاكو" فأهملت، وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر سكنتها قبائل بدوية قاموا باستعصاء على الوالي العثماني آنذالك فكانت النتيجة أن قصفت القلعة بالمدافع من الطرف الغربي، وآثار التدمير لا تزال واضحة حتى الآن».
أما فيما يخص فترة بناء القلعة فقال "الضابطي": «أقدم أثر ملموس في القلعة هو احد جدران الأبراج من الفترة الزنكية (فترة "نور الدين الزنكي")، ولكن الروايات التاريخية تقول إن القلعة موجودة في فترات سابقة كالفترة "الرومانية"، والفترات "البيزنطية"، وهذا الشيء منطقي لأن هذه المنطقة حساسة وإستراتيجية، ومن الطبيعي أن يكون فيها حصن دفاعي».
ويشير الباحث "وليد مشوح" في كتابه "حضارة وادي الفرات" حول قلعة النجم بالقول: «الشيء المميز في "قلعة نجم" هو التنويع الكبير بشكل الأبراج الموزعة على محيط القلعة، بأشكالها العديدة إن كانت مربعة، أو مستطيلة، أو مضلّعة، ومدخل القلعة متجه إلى الشرق لا يزال سليماً والباب مرتفع نحو مترين غير أن الدرج قد دثر ولم يبق له أثر ويصعد إلى القلعة من جهة الشمال من خلال فجوة في الجدار، وقد كتب على طبقة الباب بالخط النسخي سطران "تجددت في دولة مولانا السلطان الملك الظاهر لمدة أولها بسنة خمس وستمئة وآخرها سنة أثنتي عشرة وستمئة"، بعد الباب بخمسة أمتار دهليز قام في طرفيه جداران متقابلان علوهما نحو عشرة أمتار في الشمال الأيمن منها باب أو قوس شاهق جميل البناء ينفذ إلى غرفة خفراء الباب».
وأضاف "مشوح": «ما زالت دهاليز وممرات القلعة سالمة وكلها معقودة بالحجارة المنحوتة وفي وسط عقودها كوات النور وفي وسطها باحة سماوية وفي جهتها الشرقية داخلها جامع، ثلاثة من جدرانه سالمة وفيه محراب وعلى يمينه دائرة فيها اسم الجلالة، وسقف الجامع متهدم ماعدا غرفة متصلة بالجامع سالمة».
مر بقلعة النجم الرحالة العربي "ابن جبير" في العاشر من ربيع الأول سنة 579هـ ويذكر: «كان وصولنا إلى الفرات وعبرنا في الزواريق المقلة المعدة للعبور إلى قلعة جديدة على الشط تعرف "بقلعة نجم" وحولها ديار بادية وفيها سويقة فأقمنا بها مريحين خلال ما تكمل القافلة بالعبور».
وذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان: «قلعة حصينة مطلة على الفرات على جبل تحتها ريف عامر وعندها جسر يعبر عليه وهي معروفة بجسر منبج وبينها وبين منبج أربعة فراسخ وهو الآن سنة 621 هـ في حكم صاحب حلب الملك العزيز ابن الملك الظاهر ابن الملك الناصر يوسف بن أيوب».