تعتبر مرحلة العشرينيات القاعدة الرئيسية التي انطلقت منها معظم الظواهر الموسيقية في محافظة اللاذقية، حيث كانت سهرات الطرب والأغاني التراثية طقساً اجتماعياً في المحافظة البحرية، فلا يخلو منزل من "دربكة" أو "عود" يعزف عليه عاشق للموسيقا محترف أو غير محترف، ولا من مستمع يستمتع بسهرات الطرب ولقاء الأحبة وتناوب العازفين والمغنين.

وللحديث بشكل موسع عن مرحلة العشرينيات وما تبعها مدونة وطن eSyria التقت الباحث والمؤلف الموسيقي "زياد عجان" بتاريخ 8/1/2013 فقال: «السهرات التي تحفل بأغاني التراث والطرب تعتبر من أهم دعائم الحياة الاجتماعية، إذ كان الحضور كافة يشارك في الغناء والإنشاد الذي يرافقه عادةً "الدربكة" وهي آلة إيقاعية أساسية في الفرق الموسيقية والغناء، ويصاحب الحفل أحياناً عازف "العود" تلك الآلة التي كانت متوافرة في جميع المنازل بحالة جهوزية تامة حتى وإن لم يوجد من يجيد العزف على تلك الآلة، وكان جو الفرح والمرح هو السائد بين جمهرة الحضور».

كان الريف اللاذقاني غنياً جداً بالموسيقا والابداع حيث إن أحد المهتمين بالموسيقا وهو سويسري الجنسية زار سورية بهدف الاطلاع على الالحان في الريف السوري وتحديداً ريف اللاذقية، وهذا يدل على الغنى الكبير الذي يتمتع به ريفنا المعطاء"

حضور الموسيقا لم يكن يقتصر على سهرات البيوت بل تعداها إلى المتنزهات بحسب السيد "عجان": «كانت السيدات برفقة أطفالهن يذهبن إلى المتنزهات مثل متنزه "القلعة"، ومتنزه "الصنوبر"، ومتنزه "الحريشة"، ومتنزه "برك البيض"، وكان الأهم متنزه "الطابيات" حيث للغناء دوره في إضفاء جو البهجة في فترة النزهة التي تردد فيها الأغاني الرائجة آنذاك ومنها "سالم حبيتو، على روض الحبيب، هونة هونة، منين أجيبو، درب الحبيب، يا مايلة عالغصون، قدك المياس، يا حنينة، يا ويلي ويلي"، في حين كانت أغاني متنزهات الريف آنذاك "لولح، عيوش يام ردانا، ماني يايحة ماني، ألا يامو، الدلعونة"».

الباحث والمؤلف "زياد عجان"

ويضيف "عجان": «كان الريف اللاذقاني غنياً جداً بالموسيقا والابداع حيث إن أحد المهتمين بالموسيقا وهو سويسري الجنسية زار سورية بهدف الاطلاع على الالحان في الريف السوري وتحديداً ريف اللاذقية، وهذا يدل على الغنى الكبير الذي يتمتع به ريفنا المعطاء"».

في تلك المرحلة كانت اللاذقية مقصداً للفرق الفنية المصرية التي لطالما زارتها وقدمت فيها الحفلات وكانت أشهرها حفلات السيدة "ام كلثوم" في ثلاثينيات القرن الماضي، ويقول "عجان": «لقد كانت الفرق الفنية المصرية تزور اللاذقية بين الفينة والأخرى، ومن أهم من زار اللاذقية أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي "أم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب"، وأذكر أن الصديق "محمد القصبجي" في كل المجالس التي تجمعنا كان يشيد بجمهور اللاذقية الذي يحمل له فناننا الكبير أجمل الذكرى وقد رويت له البعض من قصيدة قيلت بعد حفلة أم كلثوم وهي:

الفنان "خليل صفتلي"

وللقصبجي أوتار تهيجنا / كأنها الكهربا حلت من العصب / لا تعجبي لاهتزازات الجسوم بها / فإنما نحن عذريون بالنسب / حللت مع جوقك الممتاز أفئدةً / باللاذقيين تعظيماً على الرحب / فأنت بدورهم بالحسن هالته / أو أنت جوهرة صيغت على الذهب/.

وقد كانت الحفلات جميعها آنذاك تقام في مقهى "شناتا" الواقع على الكورنيش الغربي».

في تلك المرحلة بين /1920 وحتى 1940/ كان عدد العازفين في اللاذقية محدوداً جداً، نذكر منهم "محمد وعبد القادر ومحمود عجان، الياس عويكة، أمين الخالدي الذي كان موظفاً في مديرية الهاتف، علماً أنه في تلك المرحلة لم يكن هناك حفلات عامة يحييها أبناء اللاذقية لعدم وجود فكرة للاحتراف واقتصرت الحفلات على الفرق الزائرة.

المميز في تلك المرحلة هو ظهور مطربين كثر، وتقول المعلومات التاريخية إن أول من غنى في محافظة اللاذقية من أبنائها هو الفنان "محمد الجيدا" وقد ورث الغناء لحفيده "أحمد الجيدا" الذي يعتبر أول من سجل أغنية على اسطوانة في محافظة اللاذقية حيث إن مرحلة العشرينيات كانت مرحلة دخول الاسطوانات إلى اللاذقية بحسب الباحث "عجان".

المرحلة المذكورة وحتى مطلع الأربعينيات أسست للموسيقا في اللاذقية بحسب الباحث "عجان" الذي قال: «خلال تلك المرحلة نضجت فكرة الاحتراف وتبلورت الصورة لدى الموسيقيين في المحافظة الذين أسسوا في العام /1946/ من القرن الماضي النادي الموسيقي الذي عني بالإضافة إلى الموسيقا والغناء بالمسرح والفنون التشكيلية والرقص الشعبي والتعبيري والثقافة والآثار والرحلات والتصوير الضوئي، وقد نشط الغناء في اللاذقية عن طريق الهواة اذ قدم "محمد عارف الحوري أبو نديم" مجموعة من الأدوار واشتهر أيضاً في تلك الفترة "هاني شرشر، الياس عويكة، عبد الله حلبي" وكلهم من الهواة، وأصبحت الحفلات تقدم عندئذٍ على مسرح المركز الثقافي القديم "المسرح القومي" حالياً، ومن أشهر العازفين في تلك الفترة "خليل كدة، محمد ريس علي "ناي"، محمود عجان "كمان وعود" عبد القادر عجان "عود"، أنطون حلبي (عود)».

الفنان "خليل صفتلي" يعتبر تلك المرحلة ركيزة أساسية استند عليها كل الفنانين الذي ظهروا لاحقاً، ويقول "صفتلي": «بالاعتماد عليها وعلى ما خلفته من موروث أصبح لدينا فكر موسيقي تأسس عليه جيل من الفنانين والملحنين الذي ظهروا في مرحلة الأربعينيات وما بعد، فخلالها تعرفنا على تسجيل الاسطوانات وعلى الفرق المحترفة التي زارت اللاذقية وأمدتنا بالخبرة والمعرفة التي كنا نجهلها».