العتابا من أعرق وأهم الفنون الغنائية الشعبية استخدمته بعض القبائل العربية حتى نسب إليها، وغالباً ما ترسم العتابا قصة أو خبر أو صورة عن حدث ما، وكل هذا مقيد ضمن مساحة محدودة، وهي أربعة أشطر ثلاثة منها محكومة بجناس ويأتي الشطر الرابع والقفلة الأخيرة منتهية بياء أو ألف، يغنى على آلة موسيقية وحيدة وهي الربابة.
وللتعرف على "العتابا" التقى الموقع بتاريخ 4/5/2011 الحاج "خالد خميس" ليحدثنا عن ليالي"العتابا" في "دير الزور" فقال:
ما تزال العتابا تملأ مرابعنا وليالينا ولا يكاد يوم يمر إلا ونجتمع في أحد منازل أصدقائنا في جلسة سمر ونردد الكثير منها، فالعتابا تنقل الصورة الحقيقة لمشاعر وقيم الإنسان في بلدنا، فهي شعر ارتجالي يتدفق صدقاً بما يخالج النفس من مشاعر إنسانية
«ما تزال العتابا تملأ مرابعنا وليالينا ولا يكاد يوم يمر إلا ونجتمع في أحد منازل أصدقائنا في جلسة سمر ونردد الكثير منها، فالعتابا تنقل الصورة الحقيقة لمشاعر وقيم الإنسان في بلدنا، فهي شعر ارتجالي يتدفق صدقاً بما يخالج النفس من مشاعر إنسانية».
وعن تعريف العتابا التقينا الباحث "غسان رمضان" ليحدثنا عنها فقال:
«تعرف "العتابا" اصطلاحا على أنها ضرب من الغناء منظوم من أربعة أشطر متحدة في القافية والجناس اللفظي، والقفلة الرابعة تنتهي بألف وباء (أحباب) أو ألف ممدودة (الصَّخا) أو مقصورة (جرى)، أما "العتابا" لغة فاشتقاقها من العتاب أي عتب - يعتب - عتاباً».
وعن أشكال "العتابا"قال "رمضان":
«تنظم "العتابا" على بحر الوافر مفاعلتن مفاعلتن مرتين، أما أشكالها فتقسم إلى قسمين الأول (الفراقيات) من الفراق واللوعة والحزن الشديد، ويعبرون عن هذا النوع من الغناء بمفردة (عَليْهُم) أي الذين يضرب بهم المثل وبكرمهم، وكانت تغنى سابقاً بالدواوين وهناك مقولة يرددونها (هات ليل وخذ عتابا) لغزارةِ ما يحفظون من أبيات العتابا، والثاني (الهواويات) أي الغزليات ولا تختلف عن الأول إلا بالمضمون ويعبرون عنه بمصطلح (عَليهِنْ) أي على الفتيات والنساء».
وضرب "رمضان" مثالاً عن العتابا فقال:
أَمِسْ وِرْدَنْ عَلى الْخابُورِ وَالْعيْنْ
وَمِعْجِبْنيْ سِوادْ الْهَدَبْ وِالْعيْنْ
وِجَعْ ما بِيْج بَسْ الْرُمَدْ يا عيْنْ
مِكَدْرَه عَلَى فْراكَ الحبابْ
وللتعرف على نشأت "العتابا" التقينا الباحث في التراث الموسيقي "سعيد حمزة"فقال:
«هناك من يقول إنها انطلقت من البادية وانتشرت واستوطنت بالأرياف وتفننوا بها واستمروا في تداول وغناء هذا الفن، بينما هجره أهل البادية، وأخرون يقولون: أن لا علاقة لأهل البادية بموضوع "العتابا" فهم يعرفون (الهجيني والدحة الحداء والقصيد)، ومنهم يقول: إنه فن نشأ في الأرياف والمدن الصغيرة التي كبرت مع التطور العمراني وصار الناس يخصصون الجلسات لهذا الغرض وأصبح لها شعراؤها ومطربوها ومحبوها».
وعن سبب تسميتها "بالعتابا" قال "الحمزة":
«هناك أراء كثيرة في سبب تسميتها "بالعتابا" منها بأن رجل تزوج من امرأة اسمها عتابا وكان له طفلاً من امرأة أخرى ويحبه كثيرا تحركت الغيرة بصدر امرأته عتابا العاقر وقتلت الطفل وراحت عتابا تبكي وتنوح معهم واتضح للأب بالأخير أن قاتلة ابنه هيَ زوجته (عتابا) لتتقرب بهذه الجريمة من قلب زوجها وتحرق قلب ذرتها التي تشاركها في زوجها وحين قرر الانتقام منها قال :
أَني لَذبحْ عَتـابا بْسيفْ مَسنونْ وقلبي بِيرٍ عَليه الْبدو يِسنونْ
مِحَرَّمْ عَليچ الفرحْ والضحك يا سنونْ مـازال الْشَندِلو حالي غِيابْ».
وتابع "الحمزة" بالقول:
«والرأي الثاني يتحدث بتعلق شابٌ من جبل سنجار بفتاة اسمها عتابا وتزوجها وكانت له عوناً في الحياة وذات يوم خرج سيد القرية يراقب جني المحصول، فرأى عتابا فأعجب بجمالها الفتان فأرسل زوجها في مهمة طويلة وراح يتقرب إلى عتابا يغريها بالمال والثياب ويغدق عليها الهدايا حتى رضيت أن تنتقل إلى قصره، عاد الزوج وطرق باب داره فلم يجبه أحد ثم عرفَ بأنها تعيش في القصر وتأكد بأنه فقدها إلى الأبد فأمسك ربابته وراح يغني:
َتابا بينْ بَرمة وبينْ لَفتي عَتابا لِيشْ لِلغيري وَلَفتي
أَنا ما روحْ لِلقاضي ولا افتي عَتابا بالثلاثة مْطلقا
أما الرأي الثالث فيقول: من العتاب واللوم أي يعاتب بكلامه الدهر أو الأحبة أو الأهل ومع الزمن أصبح هذا النوع يسمى عتابا، وآخر يقول: كان النَّور يجلسون على عتبة الدار ويغنون هذا اللون من الغناء وصاروا يسمون قائلها أو منشدها (الْعَتَّابْ)، نسبة لعتبة الدار ومع الزمن تحورت الكلمة وصار هذا اللون الغنائي يسمى بالعتابا،
يذكر أن هناك عدة أشخاص كتبوا وجمعوا العتابا في "دير الزور" كالباحث "صالح السيد" الملقب "أبوجناة"والذي جمعها بكتاب أسماه (ديوان العتابا) وأصدره على نفقته الخاصة، والديوان الآخر للباحث "أحمد شوحان" ومجلة صوت الفرات للباحث "عبد القادر عياش" بعنوان غزليات من الفرات والتي خصصهما للحديث عن الغناء "الفراتي" ومن ضمنها العتابا».