تقع كنيسة "قلب لوزة" شمال غرب "إدلب" على بعد /35/ كم عنها، وتقع جنوب غرب "قورقانيا" وتبعد عنها /5/ كم في القسم الشمالي من الجبل الأعلى، وعلى ارتفاع /683/ متراً عن سطح البحر، فبعد الانطلاق من "قرقبيزة" جنوباً، وعلى طول قمة "جبل الأعلى" نصل إلى "قلب لوزة"، وهي القرية الوحيدة المسكونة بين "بنابل" و"كفركيلا"، ولم يبق من صروحها سوى كنيسة البازيليك الضخمة التي أعطت الموقع شهرته الواسعة، والتي ما زالت إلى الآن لغزاً يشغل علماء الآثار بسبب تفردها المعماري ووجودها المنعزل وسط مرافق أخرى بقربها كمعاصر الزيت والفنادق، مع اختفاء الدلائل على وجود مجتمع سكني متطور.

للحديث عن تاريخ كنسية "قلب لوزة" واللغز الذي تحويه التقى موقع eIdleb الدكتور "أنس حج زيدان" رئيس شعبة التنقيب بدائرة آثار "إدلب" فقال: «كانت "قلب لوزة" في العهد البيزنطي مزرعة صغيرة أكثر منها قرية، ولم تكن بيوتها البسيطة المحيطة بالكنيسة تتجاوز عشرة منازل، فمبانيها لم تكن كثيرة أو ذات أهمية، ولكنها تضم العديد من معاصر الزيتون المحفورة بالصخر، منتشرة حول القرية تفوق حاجات أهالي "قلب لوزة"، يزيد عددها على عشرين معصرة، كما أنها تضم أربع فنادق على الأقل، هذه الأعداد الكبيرة للمعاصر والفنادق تعتبر زيادة لما تحتاجه القرية الصغيرة وسكانها، ما أدى إلى تساؤل العلماء عن الأسباب التي بررت تشييد بازيليك "قلب لوزة" الضخم الذي تجاوزت أبعاده حاجات السكان الروحية، ومما كتبه "تشالنكو" في كتابه "القرى الأثرية في سورية الشمالية": "إن أهمية الكنيسة لا تفسر بأهمية القرية حيث بنيت، فانعزالها في وسط سور، وموقعها على هامش المنازل، وجدة مخططها، وكذلك البناء والزخرفة والعناية الفائقة بالتنفيذ، يحملنا على أن نرى فيها مكان عبادة مخصصاً للمنطقة برمتها، إنه بلا شك مركز للحج، وهذا ما يفسر أن "قلب لوزة" كانت للكنيسة وليس العكس، وأن المعاصر والزيتون كانت للكنيسة أكثر منها للقرية، فهذه البازيليك الضخمة أصبحت مركزا للحج يؤمها سكان المنطقة المجاورة وليس فقط أهالي "قلب لوزة"، ما استدعى تشييد مبنى ضخم جديد التصميم، جميل الزخرف لاجتذاب الحجاج واستقطابهم واستيعابهم، كما أن الهدف من بناء الفنادق كان إيواء الحجاج الوافدين من بعيد، وقد استدعى هذا الوضع الجديد وتقاليد ظاهرة الحج استعمال الزيت للإنارة المسلطة في الكنيسة، وإيفاء نذور الحجاج الكثيرين، فأنشئت المعاصر الكثيرة للحصول على الزيت"».

كانت قلب لوزة مأهولة في القرن العاشر الميلادي وتقام في كنيستها الاحتفالات الدينية بدليل أن الروم البيزنطيين احتلوا هذا الجزء من سورية في القرن العاشر الميلادي، واستولوا على بازيليك القرية فحولوها من استعمال الطقس "السرياني" إلى الطقس الملكي "البيزنطي"

وأضاف "زيدان": «كانت قلب لوزة مأهولة في القرن العاشر الميلادي وتقام في كنيستها الاحتفالات الدينية بدليل أن الروم البيزنطيين احتلوا هذا الجزء من سورية في القرن العاشر الميلادي، واستولوا على بازيليك القرية فحولوها من استعمال الطقس "السرياني" إلى الطقس الملكي "البيزنطي"».

مدير التنقيب بإدلب

وعن الآثار التي تجاور الكنيسة تحدث "مظهر رنة" مشرف المتحف الوطني في "إدلب" فقال: «تتعدد الآثار التي تجاور الكنيسة، فمنها ناووس مكسور، وأربعة فنادق في تقع في الطرف الجنوبي الغربي من البلدة أهمها الواقع على مسافة /150/ مترا جنوب غرب البازيليك، وعدة معاصر في الجنوب الغربي من القرية، وتحتوي الكنيسة والمباني المحيطة على كتابات كثيرة، فتوجد كتابتان يونانيتان على قوس النصر في الكنيسة وعلى الباب المخصص للرجال، وفيها ذكر اسم رئيسي الملائكة "جبريل" و"ميخائيل"، أما الكتابات "السريانية" فعددها ثلاث، إحداها في صحيفة من مرمر تعريبها "المتعبد للآب والابن والروح القدس"، وأخرى مرتكزة في القنطرة الجنوبية المركزية، وفيها ذكر "الشماس رومانوس"، وكتابة أخرى على ساكف الفندق غير واضحة المعالم».

وعن تاريخ بناء الكنيسة ووصف جمالها المعماري يذكر الباحث "عبد الحميد مشلح" في كتابه "الظاهر والمدفون في بلد الزيتون" المجلد الأول ص /272- 273/: «"يعود تاريخ بناء كنيسة البازليك إلى أواخر القرن الخامس على أغلب الظن، كما يرى الباحثون "تشالنكو" في كتابه، وقد قال عنها "بتلر" في كتابه "فن العمارة": "مهما قيل لا يكفي لإيفاء جمال كنيسة "قلب لوزة" حقها، من حيث الزخارف الداخلية، ومما ميز القناطر العظيمة من الأناقة والبراعة في النقش، وما تتحلى به قنطرة "بيت القدس" من الزينة الجذلة والمرنة معا، وما يكلل ركائز الصحن من الرسوم النباتية الفذة، وما هي عليه الأعمدة النحيفة من اللطافة، لقد بذل مهندسو هذا الصرح في تزين داخلها جهدا أكبر مما بذلوه لخارجها، ولكنهم لم يبخلوا على الخارج بالزخارف قط"، وذكرها الأب "ماتيرين" في كتابه "المدن الميتة في سورية العليا" فقال: "لا نبالغ إذا قلنا إن ما لداخل هذه الكنيسة من وقع مهيب وعظيم، وما تتميز به من بديع الزخرف والتزويق يجعلانها قمة في الهندسة والجمال المعماري"».

الكنيسة من الداخل

يشار إلى أن تسمية "قلب لوزة" هو تحريف لاسم قديم يدل على إله المكان "قل"، "بيل"، "عزى" أي مكان مكرس للآلهة "بعل" و"عزى"، وكلمة "عزى" هي نجم الصبح الذي كان من آلهة الحرب عند العرب يقدمون إليه الغنائم، وتشترك "قلب لوزة" في التسمية مع الكثير من الأماكن في الشمال السوري باحتوائها على اسم الإلهين "بعل" و"عزى"، مثل "بنابيل"، و"دارة عزى"، وهذا ما ورد في كتاب "الظاهر والمدفون في بلد الزيتون" للباحث "عبد الحميد مشلح".

الأستاذ مظهر رنة