(تؤكل بالعشرات لا بالملاعق ولا بالسكاكين) مثل شعبي لطالما ردده أصحاب المطاعم الشعبية المشهورة بأكلات "القشة" أو "الكرشة" وبالتحديد أكلة "القبوات" أو "الأبوات"/ كما تقال باللهجة الشامية/ تؤكل بــ "الوحدة"، مثل الأقدام "المقادم" والرأس، والنخاع، وهي بذلك عكس السجقات التي يطلبها الزبون بالوزن لا بالعدد، ولعل أشهر المطاعم التي ما زالت تقدم هذه الأكلة الشامية تقع في سوق "باب السريجة" و"الميدان".

أكلة القبوات قديمة تناقلت طريقة صناعتها الامهات عن الجدات منذ مئات السنوات، وعن هذه الاكلة تتحدث السيدة "فايزة الهمن" (أم الخير)- سيدة منزل فتقول: «القبوات أكلة ثقيلة، لكنها مرغوب بها وطيبة في أيام البرد، ولاسيما في "فصل الشتاء"، وقليلة هي العائلات التي تقوم بإعدادها في المنازل هذه الأيام لما تحتاجها من جهد وتعب، ولاسيما عمليات التنظيف، وبصراحة من لم يأكلها لا يعرف طعم الأكل المميز».

قبوات منظفة جيداً، أرز، لحم مفروم ناعم، حمص مستوي منزوع القشر، سمن، بهار يتضمنه كمية واضحة من الكمون، قرفة، هال مطحون، أوراق غار، صنوبر، ملح، قليل من الفلفل حسب الرغبة

وأضافت السيدة "الهمن": «تحتاج هذه الأكلة إلى عناية خاصة وتأن في طبخها حيث تحتاج إلى تنظيف جيد جداً، وقش (الزفرة) أي المادة الدسمة التي تخرج أثناء طبخها، خاصة أنها سميكة في هذه الأكلة، وهنا لابد من التركيز على ضرورة تناول هذه الوجبة ساخنة».

يقول السيد "يوسف فضو"، يعمل في أحد المحلات المتخصصة بالأكلات الشامية القديمة في "الميدان" في "دمشق": «منذ الصغر وأنا أسمع عن أكلة (القبوات) وهي كما سمعت وقرأت عن المطبخ السوري معروفة في معظم المحافظات السورية، وكذلك في بعض البلدان العربية، وإن بتسميات أخرى، إلا أن أسواق "دمشق" اشتهرت بها أكثر من غيرها، ويمكنني القول: إنها أكلة "شامية" قديمة جداً».

ويضيف السيد "فضو": «هي إحدى أكلات "القشة" التي تضم أكلات (الرأس، النخاع، المقدم "المقادم"، القباوة "الأباوة"، السجقات "السجئات"، الكرشة)، وتسمى عند البعض الحفاتي (جمع حفتاية)، وعند البعض "غمّات"».

صورة تظهر فيها بعض أكلات القشة

ويفصل لنا السيد "أحمد مريري" صاحب ملحمة خاروف بمخيم اليرموك مصدر بعض أكلات "القشة" فيقول: «"القباوة" هي جزء من معدة الخاروف وجزء من الكولون، أما "السجقات" فهي عبارة عن الأمعاء الغليظة للخاروف، و"الكرشة" هي ما تبقى من معدة الخاروف، أما "المقدم" فهي (كراعين) الخاروف أي أرجله، و"النخاع" هو مخ الخاروف، والرأس هو رأس الخاروف».

وعن مقادير وطريقة طبخ أو تجهيز "الأبوات" يحدثنا السيد "يوسف فضو": «بداية ونظراً لمصدر لحمة "الأبوات" ( المعدة وجزء من الكولون) لابد من تنظيفها جيداً بالماء، من الداخل والخارج، ويمكن استعمال الصابون والمزيد من الماء، ثم يجري كشطها بالسكين من الداخل والخارج، وتغسل من جديد بالماء، دون أن ننقعها بالخل مثلاً كما يظن البعض لان الخل يهريها، ومن ثم تقطيعها قطعا مربعة ليسهل تشكيلها فيما بعد، مع مراعاة التخلص من العروق التي لا يمكن أن تستوي، وعادة يوجد في كل معدة حسب كبرها عرقان أو ثلاثة عروق والعرق هو "الشريان" في اللغة التشريحية».

الابوات ضمن السفرة كما تقدم للزبون

ولتجهيز وجبة لابد من تحضير المكونات التالية يتابع "فضو": «قبوات منظفة جيداً، أرز، لحم مفروم ناعم، حمص مستوي منزوع القشر، سمن، بهار يتضمنه كمية واضحة من الكمون، قرفة، هال مطحون، أوراق غار، صنوبر، ملح، قليل من الفلفل حسب الرغبة».

وبعد تحضير الحشوة يتم وضع مقادير متساوية في كل قطعة من القبوات التي جرى تنظيفها وتقطيعها على شكل مربعات، بعد التنظيف الجيد ثم لابد من القيام بجملة من المراحل والخطوات: «حيث نضع كل ضلع من قطع الأبوات على المقابل له ونبدأ بالخياطة على أن نترك طرف مفتوح لحشي القطعة بالرز واللحم والصنوبر والحمص والتوابل والسمن بعد خلطه جيداً، ولكن دون أن نملأها بشكل كامل بحيث نترك ربعها على الأقل فارغاً حتى نضمن الاستواء الحقيقي للأرز ومن ثم نخيط الجزء المفتوح، ونقوم بتوزيع الحشوة داخلها بشكل متساو، ونكرر العملية مع بقية القطع، وفي هذه الأثناء نكون قد وضعنا في قدر الطبخ ماء وملحاً وورق الغار، وتركناه على النار حتى يغلي، ومن ثم نضع القبوات فيه، وكلما شاهدنا الزفرة "الدهنة على وجه الطبخة" نزيلها– نقشها-، ثم نغطي القدر لكن على نار هادئة ولمدة ساعتين تقريباً حتى تنضج الطبخة ثم تصفى من المرقة وتقلى بالسمن حتى تحمر، وتقدم مع المخلل واللبن الرائب».