صدر للأديبة والناقدة الدكتورة "شهلا العجيلي" كتاب بعنوان: (مرآة الغريبة، مقالات في نقد الثقافة)، عن المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر في "بيروت"، وبدعم من وزارة الثقافة الأردنيّة، وجاء الغلاف بتصميم الفنّان السوري العالمي "سعد يكن"، بلوحة تحمل معنى المرآة، إذ تظهر فيها صورة "شهرزاد" بتشكيلات متعدّدة لرجال ونساء بحالات مختلفة، تمثّل أكثر من مرآة، إنّها في الحقيقة تمثّل ذاكرة.

وعن هذا الكتاب تحدثت الدكتورة "شهلا العجيلي" لموقع eRaaqa بتاريخ (8/8/2009)، من خلال تواصلنا معها عبر الانترنيت، قائلة: «هذا الكتاب مجموعة من المقالات التي كُتبت بين عامي /2005/ و/2008/، ونُشرت في مجموعة من الصحف العربيّة على شكل مقالات أسبوعيّة في كلّ من "المجلة الثقافيّة"، التي تصدر عن صحيفة "الجزيرة" السعوديّة، و"القدس العربي" اللندنيّة، و"ملحق الشباب"، الذي يصدر عن صحيفة "الرأي" الأردنية، و"أخبار الأدب" المصريّة.

إذن، بالصمت عن الكلام غير المباح، وليس عن الكلام المباح تمكّنت شهرزاد من استبقاء شهريار، فبالصمت عن مشاعرها الشخصيّة، لا عن حكاياتها تمكّنت من الإيقاع به. لقد انتظر منها كلمة حبّ، لا حكاية، وانتظرت هي أن تقول بأنّها تحبّه، لا أن تتحرّر من أسره، وأرادت أن تواجهه بمشاعرها من غير أن تستعير حكايات الآخرين ولغاتهم، لكنّها توقّفت لأنّها أدركت أنّها بالصمت فقط تستبقي رجلها إلى الأبد، لا بالكلام!

إنّ ما يجمع مقالات هذا الكتاب هي فكرة نقد الثقافة، ذلك أنّ كلاًّ منها يقارب ظاهرة أو معنى في الثقافة العربيّة الإسلاميّة قديمها وحديثها، يبسطه عبر إلماحة، أو حدث ما، يقدح زند المقالة، التي تناقش ذلك المعنى أو الظاهرة، أو تتابع تطوّرها التاريخيّ، أو تستشرف أفقاً ما يتعلّق بها.

الدكتورة شهلا في إحدى المحاضرات

تنماز مواد الكتاب في أنّها تندرج في حقل واحد، يتمتّع بأهميّة كبرى في هذه المرحلة من تاريخ الثقافة العالميّة والعربيّة بخاصّة، وهو حقل الدراسات الثقافيّة، الذي فتّح الوعي العربيّ على أفكار من مثل الاستشراق، والذات والآخر، ونقد النصّ، وإعادة قراءة التراث، وتتبّع أصل الظواهر الثقافيّة المعاصرة في كلّ من الثقافتين العالمة وغير العالمة».

تعمل الدكتورة "شهلا العجيلي" في كتابها (مرآة الغريبة – مقالات في نقد الثقافة)، على تفكيك هذا البناء التراكميّ للثقافة العربيّة، والعربيّة الإسلاميّة، والعالميّة، لتضع أجزاءه تحت مجهر، بل في مواجهة مرآة مكبّرة، فتكشف للمتلقّي الكثير من أصول ممارساته اليوميّة الموروثة منذ آلاف السنين، وتضعه أمام ممارسات أجداده وجهاً لوجه، فإذ به مستنسخ ثقافيّاً عن أناس عاشوا في العصر الجاهليّ، والأمويّ، والعباسيّ...

صورة عن بطاقة حفل توقيع الكتاب

وتضيف "العجيلي"، قائلة: «يؤلّف الشعر والحكايات المادّة الأوليّة لهذا الكتاب، وينمّ حضورهما على ثقافة تراثيّة عميقة، وتتمازج هذه المادّة الأوليّة بمظاهر من الواقع العربيّ اليوميّ ليأتي الكتاب مزاوجاً بين التراث والمعاصرة.

التقطت من حياتنا اليوميّة أحداث نعايشها باستمرار، سياسيّة، واجتماعيّة، وثقافيّة، لكنّها وبالمرآة السحريّة التي تحملها، تبدو مختلفة، لامعة، ومبهرة، من ذلك حديثي عن الفروق بين الحريّة والتحرّر، ففي المقال الذي حمل عنوان: (متحرّر أنت في "روما".. حرّة أنا في "بيروت"): "الشعور الذي كان يرافقني هناك في "بيروت" شعور أتعرّف إليه للمرة الأولى في حياتي، قوة غير مسبوقة، وتحدّ، ودهشة، فهي المرّة الأولى التي أصافح فيها الحريّة، هكذا يداً بيد، وبعيداً عن التنظير، أنزلها من عليائها، وأجلسها معي لنتناول القهوة، ونتحدّث، ولم تكن الحريّة أكثر من أن تدير ظهرك لموت محتمل، فتمارس مهمامّك في إغاثة الآخرين بشغف... لكنّ صديقي في روما مازال أسير النظريّات الرجعيّة لما بعد الكولونياليّة، التي لا بدّ يكرّرها الآن وهو يتناول النبيذ الأبيض الذي يحب مع كاتب إيطالي صديق، تواعد معه على العشاء ليحدّثه عن الأزمة في الشرق الأوسط، وعن دور الفنّ أداةً للتحرر"».

تطرح الدكتورة "العجيلي" في كتابها قضايا سياسيّة عديدة، تجد لها سبيلاً لعلائق لغويّة وأدبيّة وفنيّة واقتصاديّة، وتسائل الكثير من المسلّمات، ففي مقالتها (ما لم تقله شهرزاد) تعيدنا إلى مشاعرنا العفويّة التي تلقّينا بها حكايات (ألف ليلة وليلة) للمرّة الأولى، من مثل: ما هو الكلام المباح، وما هو الكلام غير المباح؟ والسؤال الأهمّ هو ماذا قالت "شهرزاد" شخصيّاً لـ"شهريار"، خارج الحكاية، تقول في ذلك: «إذن، بالصمت عن الكلام غير المباح، وليس عن الكلام المباح تمكّنت شهرزاد من استبقاء شهريار، فبالصمت عن مشاعرها الشخصيّة، لا عن حكاياتها تمكّنت من الإيقاع به. لقد انتظر منها كلمة حبّ، لا حكاية، وانتظرت هي أن تقول بأنّها تحبّه، لا أن تتحرّر من أسره، وأرادت أن تواجهه بمشاعرها من غير أن تستعير حكايات الآخرين ولغاتهم، لكنّها توقّفت لأنّها أدركت أنّها بالصمت فقط تستبقي رجلها إلى الأبد، لا بالكلام!».

يقدّم (مرآة الغريبة) خمسين مقالة تتميّز بحضور المعرفة مع الرؤية الواضحة، وبحضور الذاتيّ والموضوعيّ معاً، أمّا عناوين المقالات فتُبدي تماماًَ فكرة المزاوجة بين التراث والمعاصرة من مثل (عروس البحر، والمصباح السحري، وذاكرة الجمل)، وقد جاء عنوان الكتاب (مرآة الغريبة) عنواناً لإحدى المقالات، تقول فيه: «تعارفت الثقافات الإنسانيّة تاريخيّاً على أنّ المرآة هي الصديقة الصدوقة للمرأة، لكنّ المرايا ليست متشابهة، إذ تختلف مرآة عن أخرى باختلاف صاحبتها، وليس ذلك الاختلاف بالمصداقيّة، وإنّما بالحالة، ومن ذلك ما تختصّ به (مرآة الغريبة) عن غيرها من المرايا، حتّى أنّ "ذو الرمّة" شبّه خدّ ناقته بها، لعلاقة الصقل والصفاء بينهما، يقول:

لها ذنبٌ ضافٍ وذِفرى أسيلةٌ/ وخدٌّ كمرآةِ الغريبةِ أسجحُ

وعن ذلك تقول "العجيلي": «لقد فسّر "أبو العباس المبرّد" هذه العلاقة بقوله: إنّ الغريبة لا ناصح لها في وجهها، لبعدها عن أهلها، فمرآتها أبداً مجلوّة، لفرط حاجتها إليها. لعلّ السؤال الذي يراود المرء هنا، هو إذا مازالت مرآة الغريبة تتمتّع بالمواصفات ذاتها، وإذا ما زالت الغريبة تحتاجها مجلوّة، وصديقة، وناصحة... المرأة في هذه المرحلة من تاريخ البشريّة تستطيع أن تحصل على كلّ شيء: الأنوثة، والجمال، والثقافة، والأمومة، والحب، والعمل، والمال، وهي كما يقال ترتدي حلّة رجال الأعمال، وتضع أحمر الشفاه! ولعلّ الغريبة تستطيع أن تفعل ذلك أكثر، لأنها تعمل تحت كلّ من الضغط "النوستالجي"، والرغبة في إثبات الذات في مكان ليس مكانها، بل هي بذاتها مهمّشة فيه، والتهميش مصدر غير مسبوق للطاقة الإبداعيّة. ولو أنّ شاعراً، في عصرنا، أراد أن يأتي بوصف لشيء ما، لاستعار فضلاً عن مرآة الغريبة، كتابة الغريبة، أو قلم الغريبة، أو كومبيوتر الغريبة، وذلك على الحدّ الأدنى من الشعريّة!».

ومن (ذاكرة الجمل) تقول: «تعدّ الذاكرة من أهمّ الأشياء المتبادلة بين الإنسان والجمل، والتي أقرّتها تلك العلاقة الأنثروبولوجيّة- الثقافيّة، فالجمل صبور، وقويّ، وحمول، لكنّه لا ينسى الإساءة أبداً، فضلاً عن أنّه غيور وحميميّ في علاقته بأنثاه، فإذا ما صادفه أحد وهو يقوم بفعل جنسيّ قتله!

الحمار هو الذي ينسى الإساءة، فهو يُزجر، ويُضرب، ثمّ يرضخ، ومن المعروف أنّ العلاقة الأنثروبولوجية_ الثقافية بين العربي والحمار سيئة، بدءاً من النفور من صوته، وانتهاءً بانعدام الثقة بفهمه، وإن حُمّل بالأسفار.

ستون عاماً مرّت على النكبة، ولم ينسَ العربيّ فلسطينه، ولن ينسى، وإنّ الذي راهن على أنّ الجيل الأول سيموت، والثاني سيقاتل، والثالث سينسى، عليه قبل أن يدرس السياسة والتاريخ، أن يطالع في الأنثروبولوجيا- الثقافيّة، وأن يعرف مسلّمة بسيطة هي أنّ الجمل لا يفقد ذاكرته!».

ومن (السجن العربي ومنهج تفكيك الاستعمار) تقول: «لم يقم أيّ نظام عربيّ ببناء معتقل أصيل، وهذه سمة جديدة تضاف إلى سمات الحقبة ما بعد الكولونياليّة، فالمعتقلات العربيّة الشهيرة كلّها بناها الاستعمار، وطوّرتها الأنظمة العربيّة، أضافت إليها الملاحق، والمنفردات، واستبدلت قاطنيها، خرج مقاومو الاستعمار، ودخل مقاومو الأنظمة، أو ما يسمّى بالمعارضة، التي لم تثبت أيّ منها حسن النوايا، بحيث يمكن لشعب أن يفضّلها على أية موالاة، كما تجد في هذه المعتقلات من غير مقاومي الأنظمة أكثر من المقاومين، بطريق الخطأ، أو القدر.

تبدو المفارقة الثقافيّة في كون "أبو غريب" السجن الوحيد الذي بني بإرادة عربيّة أصيلة عام 1960 بعد استقلال العراق، ليستخدمه الأمريكان في هذه الحقبة الكولونيالية الجديدة، وذلك على عكس السجون العربيّة كلها، فهل هي فرضية أخرى تؤكد ديالكتيكية العلاقة بين الفكر الكولونيالي الغربي والفكر العربي حينما يختصر في نظام سياسيّ!».

يذكر بأن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في "بيروت" قد أقامت حفل توقيع كتاب (مرآة الغريبة)، للدكتورة "العجيلي" في جناحها في معرض "دمشق" للكتاب الدولي، وذلك مساء يوم الاثنين (10/8/2009).