المسك ذلك العطر الأكثر زكاءً والأكثر تردداً على السنة العامة من بين أصناف الطيب. قال عنه اللغويون: المسك معروف إلا أنه ليس بعربي محض والمسك ضرب من الطيب مذكر أنثه بعضهم على أنه جمع واحدته مسكه، والمسك من الطيب فارسيٌّ معرّب، وكانت العرب تسميه المشموم، ومسك البرّ نبت أطيب من الخزامى، ونباتها نبات "القفعاء"، ولها زهرة مثل زهرة "المرو".

ورد ذكره في القرآن الكريم بقوله تعالى (ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)، "المطففين" آية /26/. كما ورد ذكره في الحديث الشريف في مواقع عدة، يقول (ص): دخلت الجنة، فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ، فضربت بيدي إلى ما يجري فإذا مسك أذفر، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله.

وقال امرؤ القيس في معلقته:

نبات المسك

وتضحي فتيت المسك فوق فراشها/ نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل

وقال آخر:

ولا أعجب العجبين أن كلامه/ لخلاله مسك يروح ورامكُ

والمسك ذلك الطيب الشذي لم يكن بخافٍِ عن الشاعر الشعبي الفراتي، سيما وأنه عطر تقليدي في منطقة وادي الفرات، وليس على الشاعر الشعبي فحسب، بل على الذاكرة الشعبية الفراتية بأسرها، حيث يقال في المثل الشعبي (أطيب من المسك)، ولا يكاد يذكر الحب والجمال إلا ويقترن بهما المسك. وكانت صورته الأبهى في عيني الشاعر الفراتي كونه المصور الأبرع والرسام الأدق. فنجده في العتابا يترامى خلف الغبار التي أثارتها حوافر الخيل وخفاف الإبل، حاملا رائحة الأحبة.

ثريا تنوح والدنيـا مســكبه/ مطر وجعود خلاني مسكبه

عجاج الضعن عنبر والمسك به/ أخير من القرايـا المطعنى

أما شاعر "الموليّا"، فإنه يفقد صوابه حين يجد الحبيب قريباً منه، ورائحة المسك الممزوجة مع الهال تفوح منه:

يختال عقلي وأشوف الزين بالحوشي/ أمدهنٍ بالمسك بالهيل مرشوشِ

ما شفتها يا قلب الصدر ..... منقوشِ/ كتبة وزير العجم بطراف طلحيّة

ولم يتعطر الحبيب بالمسك فقط بل أضاف إليه (الخضيرة) والعنبر، وبحث عن شبيه له بين الغزلان ولم يجد ولازال ينتظر كالصياد على مورد الماء:

جتني تلملم زمانـي لايحه الشنبر/ ريح الخضيرة ومسك بصدرها وعنبر

دورت شبهك يا حلوة وبغزال البرّ/ آني هتيم الغلا قانوص عالميّـــه

أما شاعر "النايل"، فإنه يسأل النهر، ويؤكد عليه، ويطلب منه أن يصدقه القول إن كانت الغزلان التي يبحث عنها قد وردت إليه، أم لا؟ وهو متأكد أنه وردها، فلقد شم رائحة المسك في الماء:

اصدق يا جاري النهر اليوم ماجنك/ بميك شمينا المسك و الريام وردنك

أما في "التشاطيف"، فإن الحسناوات يحملن رائحة المسك بين ضفائرهن:

كل الهلا بالحدث لو جن كلهن/ ريحة مسك وخضيرة بطي قذلهن

ماقلت لك يا يمّه اخذيلي منهن/ بلكي ربك يغفرلك صومة رمضان

هذا بعض ما قاله الشاعر الفراتي عن المسك وليس كل ما قاله، ولا ختام للمسك إلا المسك، تلك الشذرات التي تترامى وتفوح عطراً أينما حلت ورست، نتغنى بها، ونشدو بكلمات شاعر فراتي مزجها والفرات أغنية، عشعشت في ذاكرتنا منذ الطفولة والصبا فبدت لنا كشقائق النعمان التي أمالتها نسمة صباحية عندما كللها الندى وأيقظتها شمس الصبح على عجل.

المراجع

1. القرآن الكريم

2. الحديث النبوي الشريف

3. لسان العرب لابن منظور

  • قبسات من الشعر الفراتي، تأليف "محمد الموسى الحومد"، دار "الصفدي"، "دمشق"، /1995/