المساجلات: حواريات شعرية غير مباشرة، وليست متواقتة، وهي أقرب إلى المعارضات، كما أنها إحدى فسيفساء لون "الموليّا"، أبياتها موحدة المطالع، وهي عرض من عروض المبارزة التي مارسها الشعراء الرقيّون في هذا اللون من ألوان الشعر الفراتي.
المساجلات (شكلها): ينظم الشاعر بيت "الموليّا" على أربعة أشطر – كما هو معروف – فيأتي الشاعر المساجل فيأخذ من الشطر الأول كلمة أو كلمتين أو أكثر، شريطة ألا تكون الكلمة الأخيرة من بينها، وأن تكون هذه الكلمات متتالية، حيث لا يجوز للشاعر القفز أثناء انتقاء الكلمات ثم يتمم بيته كيفما يشاء.
أنواع المساجلات: للمساجلة ثلاثة أشكال:
المساجلة المخالفة: وهي المعارضة بمضمونها فكرة البيت، ويبتغي الشاعر من خلالها نفي ما ورد فيه، ومن أشهر المساجلات المخالفة مساجلة (السلسبيل الجرى)، والتي ابتدأها الشاعر بقوله:
السلسبيل الجرى ناسول واسـقاني/ ما ذاق مبسم عفيف النفس بس آني
آني يا أخوك شفت من كودهن ساني/ حالن أوراقي على حكم التهاميّـه
وأجابه آخر بقوله إن السلسبيل لا يوجد إلا في الجنة، وأن هذا المطلع للشاعر نمر بن عدوان:
السلسبيل الجرى مذكور بالجنة/ ابد خطايب خلف للبيت ما جنه
هلو غربي مسكنه وخراب جنننه/ هذي طريدة نمر وضحه خلاويّه
بينما يرى آخر بأن هذا الموضع ليس موضعاً للسلسبيل حيث يقول:
السلسبيل الجرى ما هو بهذا الشأن/ يذكر بجنة الخلد عند حوار الجنان
ما قلت لك يا ولـد عقب المدلل بان/ احذر عن الشين ولا تقرب مناحيّه
ثم يأتي من يريد التقريب بين هذه الآراء المتناقضة ليؤكد بأن المال السلسبيل مذكور في الجنة ويدعو إلى العذرية في الحب:
السلسبيل الجرى مذكور بالخلد/ الرميم و العامري مجنون و الوردي
خاضم ببحر الهوى ما باحم السدّ/ وأنت من بوسة حبيب تسيح داليّه
ويختتم هذه المساجلة الشاعر "محمود الذخيرة" بقوله:
السلسبيل الجرى نبع الوسيلة عيون/ ريج المدلل شفه للبيه مس جنون
إلنا عليهن تبل من دور "ابن زيدون"/ اللي ظلمنو بسجن ما بيه رجاويّه
المساجلة المساعدة: وهي التي يلجأ إليها الشاعر إتماماً لفكرة واردة في بيت ما، ويبتغي فيها الإتمام أو التوضيح والإضافة أحياناً، ويبدو هذا النوع في التجانس كأغصان الشجرة حيث يظهر أكثر تشابهاً وتوافقاً مثل:
لا قنص ريام تنحن وبتلـــن عني/ بعد الجوازي يا سيد الكيف ول عني
وحده خذوها غصب وحدة بتلت عني/ وحدة عليها لا بيع الروح والنيّــه
والذي أردف بقول الشاعر:
لا قنص ريام تنحن وبتلــــن بفروع/ أشوف شرح الادارة وبصدرها مطبوع
"عساف" شمر حبيبي يلوق له بكل طوع/ صد التفت لي كضبت الشاه بيديّــه
وعلى الغالب تتم هذه المساجلة بين الشاعر وذاته.
المساجلة الموافقة: ويختلف هذا النوع عن سابقيه بعدم استخدام كلمات المطلع، حيث يؤيد فيه الشاعر فكرة البيت أو يشير إليه مثل:
أركد يا عود السعف هيمتني بيهم/ أهل الفصال الحلو حلوة معانيهـم
قلبـي على خلتي مكدر وبيه هـم/ حمل الغيوم اللفت من صوب غربيّه
والذي وافقه آخر بقوله:
قلبي بحال السعف الواصفوه "محمد"/ كل هكوتي بالجـدم عليك متعمـد
سـايم عليك النبي يا وليـد لا تعنّد/ اكرب رسن مهرتك هاللي عزمت بيّه
ويبدو أن هذا البيت أنثوي النظم، حيث تشكو فيه الشاعرة من هجر الحبيب وتطلب منه المساعدة، لأنها أمست كمن يمتطي مهراً حديث العهد بالركوب، وأخذ يعدو بها بجنون.
ومن حيث أن المساجلة فنّاً من فنون "الموليّا"، فلقد كان فنّاً رائعا وظف في المساعدة على حفظ البيت في صدور العامة، وتسهيل نقله من شخص إلى آخر، عندما كانت الوسائل الإعلامية ليست كما هي الآن، وتظهر فيه ميزة يختص بها لون "الموليّا" فقط، وهو شعور المستمع أو القارئ له بأن هذا اللون نظم من قبل شاعر واحد، ولهذا نجد شاعر "الموليّا" يبذل قصارى جهده بالبحث عن الكلمة الرزينة التي تتناسب والكلمات التي استخدمت سابقاً في هذا اللون، وإلا فما عليه الا السكوت أو إخفاء ما ينظم.
لا تتقيد المساجلة بسقف محدد أو عدد محدد أو زمن ثابت، فهي مشرعة الأبواب دائماً، ومع أنها ملجأ للشعراء الذين لازالوا في بداية النضج الموهبي، فلم يقتصر السجال عليهم، بل أن الشعراء الكبار يساجلون أيضاً في حال إعجابهم بالمطلع، وإن كانوا قادرين على نظم مطالع جديدة ومن مطالع المساجلة في لون "الموليّا":
(مكتوب منك لفى – أبو شفاف بدن حسن – الريمة – كبيت جود الظما – اكتب واذر بالورق – ظليت اعد النجم – لاضرب البيد عليهم).
هذه تجربة المساجلات في لون "الموليّا", اللون الذي أخذ من الأهمية بين صنوف الشعر الفراتي ما أخذت المعلقات من الشعر الجاهلي، والتي لازالت تجري في عروقنا، وتهمس بين أنفسنا.
المصادر:
شعراء الموليا في القرن العشرين، تأليف "محمد الموسى الحومد"، دار "الغدير"، "سلمية"، عام /2000/
قبسات من الشعر الفراتي، تأليف "محمد الموسى الحومد"، دار "الصفدي"، "دمشق"، /1995/