«الموت على الرغم من قساوة هذه الكلمة، إلا أن الموت في اغلب الأحيان يحفظ كرامة الإنسان ويرفع من قيمته»، بحسب كلام السيد "حمد صالح" في حديث لموقع eQunaytra يوم الأحد 22/2/2009.
مضيفاً: «تعددت الأسباب والموت واحد، والإنسان مهما عاش على وجه هذه البسيطة، لا بد من يوم يأتي تكتب فيه نهايته. فالحياة مهما طالت تبقى قصيرة، وعلينا أن نزينها بالأعمال الصالحة. وعلينا اغتنام وجودنا في هذه الحياة في التفكر بهذا الكون الواسع والغامض، في التقرب الى الله، قبل أن يداهمنا الموت، فنخرج من هذه الدنيا لا لنا ولا علينا.
إذا كنا نحزن على موت الشباب، إنما نحزن على فراقهم. في حين يكون الموت للشيخ والكبار في السن، بمثابة الرحمة والخلاص من المرض والتقدم في العمر، لان الموت في مثل هذه الحالات يحفظ كرامة الإنسان وقيمته. الموت دفاعا عن الأوطان، موت مشرف لان الشهادة مطلب كل مؤمن، وغاية لا يدركها إلا من قدر الله، أن ينال هذه المرتبة الرفيعة
وللموت في الموروث الشعبي قصص وحكايا تختزنها الذاكرة الشعبية،فالموت قدر لا مفر منه ولا مهرب، وقد قيل الكثير من الأمثال الشعبية التي تتحدث عنه، "الموت في شرعنا سنّه"، "نيال اللي بيموت على فراشه"».
الشيخ "إبراهيم كبول" من قرية "عرنة" يصف الموت بالخلاص للإنسان من عذاباته في هذه الدنيا الفانية. ويضيف: «إذا كنا نحزن على موت الشباب، إنما نحزن على فراقهم. في حين يكون الموت للشيخ والكبار في السن، بمثابة الرحمة والخلاص من المرض والتقدم في العمر، لان الموت في مثل هذه الحالات يحفظ كرامة الإنسان وقيمته. الموت دفاعا عن الأوطان، موت مشرف لان الشهادة مطلب كل مؤمن، وغاية لا يدركها إلا من قدر الله، أن ينال هذه المرتبة الرفيعة».
الشيخ "عبد الله مسعود" يشّبه الحياة بقطار والناس ركاب لكل واحد منهم محطة ينزل فيها. ويضيف: «تجد الكثير من البيوت لا يدخلها الفرح، في حين لا يوجد منزل إلا والموت زائره. وفي حياتنا الاجتماعية نتشارك في السراء والضراء، ففي حال وفاة احد الناس، يجتمع الناس في بيت المتوفى، فور سماع الخبر، مرتدين اللباس الشعبي التقليدي للشيوخ والشباب، الذي يغلب عليه طابع اللون الأسود، تعبيرا عن الحزن. ويقام بيت للعزاء، يقدم الناس فيه التعزي لبعضهم البعض. وتختلف طرق تقديم التعزية بحسب عادات أهل المنطقة. ففي منطقة "جبل الشيخ" يتم تقديم العزاء في مكان يخصص لذلك يسمى "الموقف"، يتم بناؤه من قبل تبرعات أهل القرية. ومن طقوس تقديم العزاء، في البداية يذهب أهل الشخص الميت الى الموقف، بصحبة المقربين والأصدقاء والجيران، ويتم توافد الوفود الى الموقف للأخذ بالخاطر. حيث يصطف المعزون على نسق افي واحد، ويبدأ اكبر الأشخاص سنا بالتحدث والتعزية، بكلمات تعبر عن المواساة والمشاركة بالمصاب والحزن. ومن الأقوال التي يتبادلها المعزين، "البقية بحياتكم"، فيرد أهل الميت "بحياتكم الباقي"، "نشارككم في مصابكم والهم مشترك والعزاء واحد، فيرد أهل العزاء، "الله لا يصيبكم بمكروه، وان شاء الله مقطوع عنكم السوء"، "عظم الله أجركم، شكر الله سعيكم". الى أخر ما هنالك من عبارات وكلمات، تدل على المواساة وضرورة تقّبل حكم الله وقدره الذي لا راد له. وفي حال أراد احد المعزين مغادرة موقف العزاء للذهاب الى عمله، يتقدم ويقف أمام أهل الميت ويستأذن منهم، فيقول: "منروح وبيظل خاطرنا عندكم"، فيرد أهل العزاء، "الله يسلم خاطرك، وعظّم الله أجرك". بعد تلاوة صلاة الميت، يتقدم احد أهل الشخص المتوفى، ويقوم بتوزيع أموال الزكاة والحسنات، على روح المرحوم. حيث يتم وضعها في مظروف ورقي، يتم تسليمها الى الأشخاص من الوفود المشاركة بالعزاء، ليقوم بدوره بتسليمها الى دور العبادة والأماكن المراد إيصالها إليها. هنا يتقدم احد المشايخ الكبار بالسن، لإلقاء كلمة أهل المتوفى ويشكر الوفود مشاركتهم العزاء، اضافة الى تحديد ثلاثة أيام هي موعد تقديم العزاء، لمن لم يستطع القدوم في يوم الوفاة، تسمى "التمساية" تكون لمدة ساعة بعد العصر على مدار ثلاثة أيام. بعد الانتهاء من واجب العزاء، يعود الناس كل الى منزله، ويتقدم احد أهل القرية بدعوة أهل المتوفى الى بيته، لتناول الطعام. في حين يتم اخذ الطعام الى بيت المتوفى من اجل إطعام النساء. ويتم تناوب أهل القرية بدعوة أهل المتوفى لعدة أيام، اضافة الى تقديم طعام الغداء والعشاء للنساء في منزلهم. هذه المواساة والمشاركة العزاء، تخفف من الم المصاب وحرقة الفراق، اضافة الى أنها من تقاليدنا وقيمنا الاجتماعية، التي ما زلنا نتمسك بها ونحرص على توريثها الى الأجيال القادمة. زيادة في الأجر والثواب يمنع تقديم اية مشروبات او حلويات خلال موقف العزاء، كما لا يجوز دعوة الوفود القادمة للتعزية لتناول الطعام وسواه، وهذا نوع من زيادة الأجر والثواب».
بدوره يشير السيد "عدنان صالح" من أهالي قرية "حرفا"، الى جملة من العادات والتقاليد، التي ترافق موت احد الأشخاص في القرية، يلتزم بها كافة أهل القرية وعلى وجه الخصوص الجيران والأقارب، ويضيف: «من العادات التي ترافق موت احد الأشخاص في القرية، تأجيل الأفراح والمناسبات السعيدة الى وقت أخر، مشاركة لأهل المتوفى وتقدير لمشاعرهم، اضافة الى ذلك يتم اخذ الأذن منهم في حال تم إقامة العرس في وقت لاحق، وهذا نوع من احترام الناس بعضها لبعض. اضافة الى ذلك لا يجوز نشر الغسيل على السطوح او في واجهة المنزل أثناء الوفاة، خصوصا من الجيران والأقارب. كما يتم تأجيل وتعطيل كافة الأعمال الزراعية يوم الوفاة. وفي حال كانت الوفاة في أيام الأعمال الزراعية والمواسم التي لا تقبل التأجيل، يجتمع الناس في القرية، ويتم التنسيق فيما بينهم على الذهاب الى الحقل او البستان، من اجل انجاز الأعمال الزراعية، مثل جني محصول الزيتون والعنب والتين او حصاد القمح والتفاح والمشمش وحراثة الأرض. وكثيراً ما شاركت في مثل هذه الأعمال التي تسمى عندنا في القرية "بالفزعة". ومن باب مشاركة أهل المتوفى بمصابهم، يتم إغلاق المحلات والدكاكين، طيلة يوم الوفاة، ولا تفتح المحلات أبوابها إلا بعد انتهاء مواسم الدفن والعزاء، وكأن القرية في حال من الإضراب العام».