عن طريق المصادفة استطاعت المهندسة الزراعية "سوزان خطاب" أن تبدأ مشروعها بتربية دودة القز وإنتاج الحرير في مساحة صغيرة ضمن منزلها في مدينة "اللاذقية"، مستفيدة من خبرتها وحبّها لتلك الحشرة فوظّفت كل إمكاناتها في سبيل الاستمرار بتربيتها والحفاظ عليها وحمايتها من الانقراض.
البذرة الأولى
تتحدث "حطّاب" /54/ عاماً عن بدايات الشغف بتربية دودة القز وتقول: « كان والداي يعملان بالزراعة وملتصقان بالأرض بشدة، ونقلا لي ذلك الارتباط حتى تشرّبت في طفولتي الطبيعة والزراعة من مواسم صيف قرية تتبع لناحية "ربيعة"، وعشت تفاصيل الريف التي لا تزال مغروسة بذاكرتي وشكلت جزءاً أساسياً من تربيتي، وتجلى ذلك في مشروع تربية دودة القز التي لم أكن أعرف عنها شيئاً، وللأسف خلال دراستي في كلية الزراعة لم يكن هناك ما يدعم تربية دودة القز، فقد ذكرت عابراً بمادة "النحل والحرير"». حبّ الاطلاع والبحث ساهم في تنوّع عملها فبعد تخرجها عام 1994 تنقلت بأماكن عمل مختلفة وكانت المحطة الأهم -كما تقول- هي العمل في مركز الأعداء الحيوية في قرية "الهنادي" تربية حشرات مفترسات وطفليات، فضلاً عن انضمامها لدورة تدريبية حول تربية دودة القز بمركز الحرير في "وادي قنديل". وتضيف: «لم يكن الأمر من اختصاصي ولكن شغف معرفتي لتلك الحشرة دفعني لأكون هناك.. عندما رأيتها ذُهلت وعشقتها، وربما كل من يراها سيُذهل ويحبها، وبعد ذلك تعلمت كيفية حلّ خيوط الحرير من خلال دورة أقامتها الأمانة السورية للتنمية عام 2016"
كان والداي يعملان بالزراعة وملتصقان بالأرض بشدة، ونقلا لي ذلك الارتباط حتى تشرّبت في طفولتي الطبيعة والزراعة من مواسم صيف قرية تتبع لناحية "ربيعة"، وعشت تفاصيل الريف التي لا تزال مغروسة بذاكرتي وشكلت جزءاً أساسياً من تربيتي، وتجلى ذلك في مشروع تربية دودة القز التي لم أكن أعرف عنها شيئاً، وللأسف خلال دراستي في كلية الزراعة لم يكن هناك ما يدعم تربية دودة القز، فقد ذكرت عابراً بمادة "النحل والحرير"
شرنقة البداية
كان لا بدّ لذلك الشغف أن يترجم بالعمل، وهنا تتحدث "حطاب" قائلة: «أخذت في نهاية الدورة مجموعة صغيرة من الشرانق إلى منزلي بهدف تعليمي وذلك لتعريف أبنائي عليها وعلى دورة حياة الحشرة، أحببتها وخاصة أنها حشرة آمنة جداً وأليفة، وبعد فترة خرجت الفراشات من الشرانق ووضعت البيوض، احتفظت بها لمدة عام كامل في منزلي، ورغم فشلي عدة مرات في البداية، آثرت الاستمرار، وبعد ذلك انتقلت للعمل بمركز الحرير في "وادي قنديل"، وكان هناك مرحلة جديدة بعد الأزمة التي مرت بها "سورية" عام 2011 حيث كانت آخر سنة لاستيراد البيوض، ولم يكن هناك بيوض إلا في ذلك المركز، شعرت بخطر يهدد تربية الدودة وقد يؤدي لانقراضها وأن هذه الحشرة يجب أن تبقى لضمان استمرار وجودها». وتضيف: «بأدوات بسيطة ومكان صغير في منزلي تمكنت من تأمين التهوية والرطوبة والظروف المناسبة للحفاظ على حياة الدودة، وتطور المشروع بعد توفير مغزل وأدوات تصنيع الخيط ودولاب الحلّ، فأصبح بإمكاني أن أنجز العمل اليدوي بخيوط الحرير، وحاولت أن أخرج الحرير من فكرة المنديل إلى الألبسة، وأقدمها في معظمها كهدايا للأصدقاء والمقربين، كما أعمل على توزيع البيوض مجاناً عبر صفحتي على الفيسبوك، وأجد نفسي دائماً في عملية بحث مستمر في عالم دودة القز وصناعة الحرير، وتوسعت علمياً في هذا المجال.
تضافر جهود
استطاعت "حطاب" بجهود شبه فردية أن تضع خطة تضمن فيها الحفاظ على تربية دودة القز في مراكز التربية، حيث وجدت أن عملية الحفاظ على البيوض الموجودة سهلة، وتم التنسيق بينها وبين أحد عمال المركز المؤقتين "بسيم دروبي" وهو من أبناء المنطقة ومنزله ملاصق للمركز، وهذا يضمن عملية متابعة الدودة على مدار 24 ساعة، وبعد تجارب عدة كانت التجربة تنجح وتتطور كل عام، فقد حققت الشرنقة لديها الوزن القياسي وتفوقت في ذلك بمقدار 50%، وتشير أنها بحثت كثيراً عن دولاب لحلّ الخيوط وذهبت لمتحف "برهان حيدر" التراثي في قرية "عين البيضا"، حيث وجدت لديه كل أدوات صناعة الحرير، فأخذت الدولاب من المتحف وتمّ تصميم دولاب مشابه له بمواصفاته. وتضيف: «بعد أن تسلمت مركز الحرير بــ "وادي قنديل" كان الأمر تحدياً كبيراً كانت عوامل الفشل كلها حاضرة، فاقترحت الذهاب إلى مركز الأعداء الحيوية في "الهنادي" المجهز بالمستلزمات كافة لتربية الدودة وغرف التربية جاهزة، وبعد خمس سنوات تمت الاستجابة، وتمّ تفقيس البيوض وكانت النتيجة جيدة ومرضية، كما قامت رئيسة دائرة الحرير بــ "طرطوس" بزيارتنا والاطلاع على تجربة مربيّ دودة القز في قرية "السرسكية" الذي كان في قمة النجاح.
تراث وتاريخ
رئيسة الجمعية الوطنية لإنماء السياحة خبيرة في تربية دودة القز وصناعة الحرير "سحر مبارك حميشة" تقول: «كانت معرفتي بالمهندسة "سوزان حطاب" من خلال تلاقي اهتماماتنا المشتركة وعشقنا لدودة القز، فهي خبيرة بالتربية ومثلي عاشقة لتلك الدودة وما ينتج عنها من خيرات كثيرة لدرجة أنها في مرحلة من المراحل التاريخية كان لها دور اقتصادي مذهل، ويكفي أن هناك طريقاً سمي باسمها وهو "طريق الحرير"، لذلك جمعنا جهودنا معاً وبدأت دائرتنا تكبر بانضمام عدد من السيدات، وهذا يجعلني أشعر بالفخر والسعادة بأن مجهودنا لم يذهب سدى، ومنذ تأسيسي للجمعية بعام 2012 وأنا أسعى لإحياء الاهتمام بتربية القز وأشجع الشباب والسيدات للعمل به كمشروع مدرٍ للربح». وتتابع القول: «لكن هناك معوقات كثيرة أهمها التسويق، وهذا يفترض أن يكون عملاً مؤسساتياً ومع ذلك استطعت المساهمة ولو بشكل بسيط في عملية التسويق، إضافة لقطع أشجار التوت في أغلب المناطق أو تطعيمها بأنواع ذات ثمر لا يفيد في التربية وله جدوى اقتصادية أخرى، وهناك معوقات أخرى يمكن تذليلها إن تجاوزنا هاتين العقبتين بالنسبة للقز الأصفر ويعرف بالقز البلدي ربما هو أقل جودة من الأبيض كخيط كما أخبروني، لكن له في الساحل السوري صلة وثيقة بتاريخ المنطقة فهو كان المحبب لجداتنا حتى الآن، وحين ألتقي بأي معمرة أول شيء يحضر في ذاكرتها وتتحسر عليه انقراض هذه السلالة فهو بالنسبة لنا عاطفة تربطنا بماضينا
ابتكار وتطوير
أما "روبيل معروف" مربي لدودة القز وخبير بصناعة الحرير، يقول: «التقيت المهندسة "حطّاب" في دورة حلّ خيوط الحرير التي أقامتها الأمانة السورية للتنمية، وتبادلنا الخبرات والتجارب ومهارات التربية لدودة القز وصناعة الحرير، وصممت حينئذ دولاباً مصغراً لحلّ الحرير لقياس طول الخيط مع عداد كما صممت مغزلاً لغزل الحرير وتم التعاون بيننا في هذا المجال وتمّ حلّ مشاكل التصنيع والغزل والحلّ الخاصة بالحرير بالنسبة لها، كما استطاعت أن تخرج الحرير من شكله التقليدي في نسج المناديل إلى أزياء مختلفة يمكن ارتداؤها كملابس، وهي مبدعة تمتلك خبرات ومهارات علمية في تربية القز.