تأتي محافظة "إدلب" في المرتبة الثانية بين المحافظات السورية من حيث مساحة الغابات الحراجية، وفيها مئات الأنواع من الأشجار النباتية والاقتصادية والطبية والتزينية النادرة، ورغم هذا التنوع فقد شهدت الثروة الحراجية في المحافظة اعتداءات متكررة إما بسبب الحرائق أو بسبب القطع الجائر للتحطيب.

عرض موجز

يقول المهندس "محمد نور طكو" مدير زراعة "إدلب" في حديثه لــ مدونة وطن، إن مساحة الحراج في المحافظة تبلغ 82111 هكتاراً أي تشكل ما نسبته 12% من إجمالي مساحة المحافظة، يتمركز الحراج الطبيعي بالمحافظة في منطقة "جسر الشغور"، حيث تسود غابات الصنوبر البيروتي /الحساسة للحرائق/ مع ما يرافقها من حاشية نباتية غنية جداً بالأنواع النباتية، تتركز بشكل أساسي في بلدات وقرى (الزعينية وبكسريا وصولاً إلى بلدة الملند)، كما تسود الغابات المختلطة من الصنوبر والسنديان في منطقة (معربايا ودريبات والغسانية وحلوز).

ويضيف: "كلما اتجهنا شمالاً وشرقاً تسود غابات السنديان العادي امتداداً حتى بلدة" دركوش"، الغافية على ضفاف نهر العاصي، أما في المناطق الداخلية من المحافظة فتنتشر مواقع التحريج الاصطناعي التي يزيد عددها على 48 موقعاً في منطقة" معرة النعمان ومعرتمصرين وأريحا وحارم"، بالإضافة الى وجود تحريج على جانبي شبكة الطرق المركزية والاتوسترادات ضمن المحافظة حيث يبلغ طول الحراج فيها حوالي 200 كم.

العاصي يخترق الغابات في جسر الشغور

ويشير مدير زراعة "إدلب" إلى أن غابات المحافظة تتميز بكثافة كبيرة جداً في منطقة "جسر الشغور" وخصوصاً الصنوبريات، وتقل هذه الكثافة في المواقع السنديانية، ومما يرفع خطورة الحرائق فيها بشكل كبير لتماسها المباشر مع الغابات نتيجة حرق بقايا المحاصيل الزراعية.

ونوه بأن معظم الغابات الطبيعية في "إدلب" تتميز بتضاريس قاسية ذات انحدارات وميل شديد، بالإضافة إلى تداخلها مع الاراضي الزراعية والقرى المجاورة ونتيجة النشاطات السكنية من نشاط زراعي وغيره مما يعكس احتمالات كبيرة لحدوث الحرائق.

دركوش ونهر العاصي

اعتداءات جائرة

غابات حارم

ازدادت الاعتداءات على الثروة الحراجية في محافظة "إدلب"، سواء بالتقطيع الجائر أو بافتعال الحرائق التي ادت الى إتلاف أعداد كبيرة من الأشجار الحراجية النادرة ذات الأهمية الكبيرة.

يقول مدير الزراعة: " بالرغم من الجهود الكبيرة والإجراءات التي تتخذها الجهات المعنية في محافظة "إدلب" ومديرية الزراعة والشرطة لمواجهة التعديات على الثروة الحراجية، إلا أن نقص وارتفاع أسعار المحروقات ساهم في زيادة ظاهرة الاعتداء على الثروة الحراجية لسد الحاجة والتدفئة من برد الشتاء وكذلك العقوبات غير الرادعة بحق المعتدين".

ويبين "طكو" أن الثروة الحراجية في المحافظة وخاصة خلال العشر سنوات الأخيرة من الحرب على الإرهاب، تعرضت للكثير من الحرائق التي أتت على آلاف الأشجار الحراجية بشكل مفتعل، من قبل مجهولين يمتهنون حرفة قطع الأشجار للمتاجرة بها.

ويلفت إلى أن مناطق الغابات في المحافظة، تتسم بطابع جمالي وسياحي مميز، فهي توفر للمواطنين مواقع للترويح عن النفس بين أحضان الطبيعة وقضاء أوقات أيام العطل الرسمية حيث يؤمها سنوياً مئات الآلاف من الزوار.

ويعزو مواطنون كثرة الحرائق وصعوبة السيطرة عليها مبكرا، إلى ضعف الإمكانات لدى مديرية الزراعة، سواء من حيث الآليات أو الأيدي البشرية حيث خسرت المديرية الكثير بسبب الحرب والظروف الامنية التي تعرضت لها المحافظة وما تبقى من آليات لم تعد تفي بالغرض في محافظة تعد من أكثر محافظات السورية غنى في الثروة الحراجية والزراعية ما يتطلب النظر إلى هذا الامر بجدية وعناية اكثر.

التوعية مطلوبة

بدوره يؤكد المهندس "ياسر بركات" مدير الحراج في مديرية زراعة "إدلب" في تصريح لــ مدونة وطن، أن فصل الصيف بحرارته المرتفعة عامل مساعد لكثير من الحرائق، وفي بعضها تعد العامل الرئيسي لنشوبها، وغالبا ما تؤدي هذه الحرائق إلى وقوع خسائر فادحة، وتتصدر أشهر (أيار– حزيران- تموز – آب ) أعلى نسبة من إجمالي الحرائق وأعمال الإنقاذ في سورية كما تؤكده الإحصائيات السنوية.

ويشدد مدير الحراج على أهمية التوعية الإعلامية، حيث يتم من خلالها الوصول إلى المواطن بمختلف مراحله العمرية في سكنه ومقر عمله مستخدمة كل السبل والوسائل الممكنة والمتاحة لنشر الوعي الوقائي، وغرس السلوكيات الآمنة، من خلال توزيع الكتب والنشرات والملصقات الإرشادية وإلقاء المحاضرات والندوات، ونشرها عبر وسائل الإعلام المختلفة وذلك بالتعاون والتنسيق مع إدارة الإعلام الزراعي.

ويستعرض "بركات" الفوائد الكثيرة للغابات، ومنها الحفاظ على التنوع البيولوجي والنظم البيئية الطبيعية، وحماية التربة من الانجراف، والتحسين من قدرة الأرض على استيعاب مياه الأمطار، وتثبيت العناصر الغذائية في التربة، وتنقية الهواء، إضافة إلى القيمة الترفيهية والسياحة البيئية.

تحمل المسؤولية

المهندسة "جمانة الحسن" مديرة شؤون البيئة في "إدلب" تقول لــ مدونة وطن، إن ما يحترق من أشجار لا يعوض حتى لو تمت زراعة أشجار بديلة في الموسم المقبل، لأن بعض الأشجار معمرة ومضى على زراعتها عقود، وقد كانت تمثل ثروة حقيقية، ورغم تجديد زراعتها بعد احتراقها، الا أنها ما زالت بحاجة إلى سنوات من الرعاية والعناية لتؤتي أكلها.

وأشارت إلى أن دور البلديات مهم في هذا الميدان، حيث يمكن الإشراف على تنظيم الرحلات والزيارات التي يقوم بها المصطافون إلى المناطق المجاورة، واستيفاء أجور رمزية لتقديم خدمات للزوار ونشر الحاويات واكياس القمامة، ومراقبة المواقع بدقة من خلال تشغيل العديد من أبناء المجتمع المحلي، وتنظيم حركة الزوار وتوفير الراحة والنظام لوقوف السيارات وأماكن الاستجمام، مما يجعل حماية الطبيعة والبيئة والأشجار الحراجية مهمة أساسية للبلديات وتحقق دخلاً اضافياً لها.

مقترحات

أحد المهندسين الزراعيين "أحمد وسوف" يقترح حفر آبار لتجميع مياه الأمطار في مواقع الاصطياف لتوفير المياه عند الحاجة للإطفاء، وذلك من خلال مشروع الحصاد المائي والتوسع في زراعة الأشجار في المناطق الجرداء لزيادة رقعة المناطق الخضراء.

ويرى "وسوف" أن المسؤولية ملقاه على الجميع سواء الزوار أو القاطنين أو الجهات الرسمية، من زراعة وبلديات وبيئة وسياحة لتشكيل لجان مشتركة وفرق متنقلة لمراقبة المناطق الحراجية، والحؤول دون نشوب الحرائق فيها، واعتماد طرق ومسارات محددة لضمان الحماية الكافية للغابات.

ويؤكد عدد من المهتمين في الجانب السياحي والبيئي على ضرورة تشديد العقوبات على المخالفين خاصة الذين يشعلون النار لأغراض الشواء، داعين إلى تخصيص اماكن لهذا الغرض ولا سيّما في حمامات الشيخ عيسى في منطقة جسر الشغور والمناطق التي تشهد كثافة في أعداد الزوار.