تمتازُ الأعراس التراثية الشعبية في محافظة "السويداء" بخصوصيةٍ تعريفيّةٍ بسمات أهل المنطقة، فهي تجمع بين الفروسية التي امتاز بها أهالي المحافظة والأصالة وإكرام الضيوف.

ولئن شهدت السنوات الأخيرة ابتعاداً عن إحياء الأعراس التراثية بهدف مواكبة الحداثة والتطور، إلا أنّ الأمر ظلّ نسبياً يختلف بين منطقة وأخرى، وأيضاً بين الريف والمدينة.

أنا مهتم بالتراث وعاشق له، أحببت إعادة إحياء العرس التراثي في قريتي "الغارية" وشجعني على ذلك وجود كل المقومات، فلم تزل القرية تحافظ على عاداتها الأصيلة، اتفقت مع ابني "جاد الله" بأن يقيم عرساً كما أقرانه في اليوم الأول في صالة خاصة، وارتدت عروسه الإكليل وأقمت له عرساً تراثياً في اليوم الثاني

عرسٌ شعبيّ

في قرية "الغارية" /45/ كم إلى الجنوب من مدينة "السويداء"، أقيم عرس تراثي شعبي بتفاصيله كاملة، شهد ترحيباً واسعاً ومتابعة حتى من المغتربين، كانت المبادرة التي أطلقها والد العريس "فايد فرج" فريدة من نوعها، فقد أعاد "فرج" إحياء العرس الشعبي بتفاصيله كافة، وقد تحدث عنه لموقع مدوّنة وطن eSyria بتاريخ 14 تشرين الثاني 2021 بقوله: «أنا مهتم بالتراث وعاشق له، أحببت إعادة إحياء العرس التراثي في قريتي "الغارية" وشجعني على ذلك وجود كل المقومات، فلم تزل القرية تحافظ على عاداتها الأصيلة، اتفقت مع ابني "جاد الله" بأن يقيم عرساً كما أقرانه في اليوم الأول في صالة خاصة، وارتدت عروسه الإكليل وأقمت له عرساً تراثياً في اليوم الثاني».

تحضير الكبة من العرس التراثي الذي أقيم في قرية الغارية

وعن التحضير للعرس أضاف: «في البداية درّبنا العروس على ركوب الخيل، وتم تحضير الطعام الشعبي المتعارف عليه في الجبل وهو "المنسف"، وقامت النسوة بتحضير "الكبة" كما كانت أمهاتنا وجداتنا تحضرها بواسطة "جرن الكبة" وهو جرن خاص مصنوع من حجر البازلت، حتى لباس العروسين كان لباساً تراثياً، وتم زفاف العروسين كما هي العادة مع الأغاني الشعبية والدفوف والأهازيج، بالمجمل كان العرس متميزاً بمشاركة جميع أهالي القرية».

ولدى سؤالنا عن التكلفة المادية إذا ما تمت المقارنة بين الأعراس المعاصرة التي تقام في الصالات والأعراس الشعبية التراثية يبين "فرج": «أنا أشجع إعادة إحياء الأعراس التراثية، فالأعراس التي تقام حالياً في صالات خاصة تحتاج لمنظومة خاصة للصوت والإيقاع والإضاءة، وتكاليفها بالملايين، بينما أعراسنا التراثية تقام في مضافة والد العريس وفي حال كان المكان ضيقاً، تقام في الساحات العامة، وفي كل قرية توجد خيول واللباس العربي موجود في كل بيت من بيوت الجبل، وفي محافظة "السويداء" الجميع يشارك بالأفراح مادياً ومعنوياً».

الباحث والصحفي "حسين خويص"

ذكرياتٌ وأمنيات

زفاف العروس

"حميدة سعيد" سيدة تسعينية من قرية "عريقة" عادت بذاكرتها لأيام زفافها حيث قالت: «في القديم كانت الأعراس جميلة للغاية، فالجميع يفرح لفرح العروسين، طقوس الزفاف أجمل مما هي عليه في الوقت الحالي، لدي تسعة أولاد (خمسة شباب وثلاث بنات) كنت حريصة على إحياء العادات التراثية في أعراسهم، ارتدت الفتيات "الطربوش" والزي الجبلي في يوم زفافهن، وكن جميلات جداً، أتمنى أن تعود تلك الأيام بصفائها ونقائها، ونحن إن أعدنا إحياء التراث عادت البركة لأيامنا وعاد الخير للنفوس، فعاداتنا جميلة وتاريخنا مشرّف وأجمل ما في عاداتنا طقوس الزفاف والفرح».

طقوسُ الزفافِ

وللحديث أكثر عن خصوصية الأعراس في محافظة "السويداء" يحدثنا الباحث في التراث والصحفي "حسين خويص" بالقول: «عادات الزفاف في "السويداء" تتسم بخصوصية فريدة فللزواج قدسية فهو عماد تأسيس الأسرة وهي اللبنة الأولى في بناء المجتمع.. تبدأ طقوس الزفاف بما يسمى "الكدة" وفيها يجتمع وجهاء القرية أو المنطقة لطلب يد العروس وفقاً للعادات والتقاليد، وبعد الموافقة يتم الاتفاق على المهر والذهب وبشكل خاص "الطربوش"، فقديماً قلّما زفت عروس ولم يكن في جهازها "الطربوش" الذي ترتديه يوم زفافها، في الوقت الحالي وبسبب ارتفاع أسعار الذهب والغلاء أصبح "الطربوش" مكلفاً، ولكن يمكن للعروس أن ترتدي "طربوش" إحدى صديقاتها أو "طربوش" والدتها أو جدتها، وهناك أماكن عديدة تعمل في هذا المجال في وقتنا الحالي وتقوم بتأجير "طربوش" الزفاف أو الزي التراثي الجبلي».

في الزفاف الجبلي التراثي تنقل العروس من بيت والدها إلى بيت زوجها راكبة على الخيل، ترافقها أغانٍ عديدة يستذكر بعضاً منها "خويص" بقوله: «من الأغاني التراثية التي تغنى في الأعراس وترافق الدبكة الخاصة والمسماة "الهولية" هناك أغنية تقول:

"لأكتب ورق وأرسلك

يلي مفارق خلك

بديرتي بعد وجفا

وبديرتي أحسنلك".

وهناك أغنية أخرى تقول:

"يا أم التنورة الصفرا

صباغ الليمون

حاجة غنجة ودلاعة

وتذبيل عيون".

وتستقبل العروس في بيت زوجها بالأهازيج نذكر منها:

"أهلا وسهلا يلي عابرة عالدار

يا نجمة الصبح تسبق نجمة الغرار

سألت رب السما الواحد القهار

تكوني كنتنا على طول الأدهار"

وأهزوجة أخرى تقول:

"أهلا وسهلا يلي لابسة الصاية

يا أديبة يا حشيمة يا مرباية

عريسك شهم وأهلك للشرف راية

ردي المسا يا عروس ريتك مهناية"».

ويبقى عبق التراث فواحاً عالقاً في أذهان أبناء الجبل، يتوارثونه جيلاً بعد جيلٍ إرثاً لا يقدر بثمن، يحافظون عليه ويعيدون إحياءه ويعلمونه لأبنائهم فهو مصدر فخرهم وكنزهم الثمين.