تعدّ "الشرية" من العادات المميزة والجميلة التي تقوم على تقديم حصة بسيطة من موسم الحصاد للأطفال، فهي عادة تتم ممارستها في محافظة "دير الزور" ولها دلالاتها الاجتماعية في المحبة والألفة والمساعدة.

للتعرف أكثر على "الشرية" وطقوسها في محافظة "دير الزور" مدونة وطن "eSyria" التقت في 30 حزيران 2014، المدرس "إسماعيل العثمان" من ناحية "البصيرة"، الذي حدثنا بالقول: «في أول السبعينيات من القرن الماضي كنا نخرج إلى أول قرية مجاورة على الضفة الأخرى لنهر الفرات، وذلك في موسم الحصاد الذي يبدأ من الشهر الخامس من السنة، ويوم قسمت البيادر في ذلك الحين، وكنا نحظى نحن الأولاد بـ"الشرية" ونتسابق نحو "الحواج" لنحصل على "كمشة" من القضامة الحلوة أو "مسبحة" من السكاكر (الحامض حلو) بدلاً من حصتنا من القمح أو الشعير، و"الحواج" هو البائع المتنقل الذي يحمل على ظهر حماره صندوقين فيهما بضاعته من سكر وشاي ودخان عربي وقداحات... إلخ متنقلاً من قرية إلى أخرى، وكان لكل محصول "شريته" الخاصة به التي نحصل عليها نحن الأولاد».

وكلمة "الشرّية" مأخوذة من كلمة اشترى و"الشروة" أي اشترى الشيء لمرة واحدة، وعند مقايضة القمح من قبل الأطفال بأشياء يحبونها، ويقول الفلاح: "لا تطرح البركة بما أمن الله علينا من رزقه إلا إذا فرحنا الأولاد من هذا الرزق"، فيطرح الله البركة بكل بيدر قام صاحبه بتوزيع ما تيسر من هذا الخير الذي من الله علينا، وكان أطفال القرية ينتظرون مواسم الحصاد بفارغ الصبر لكي يحصلوا على"الشرّية" المباركة وكأنه طقس من طقوس الأفراح والمناسبات والأعياد، فهي فطرة وطيبة أهل الفرات عموماً

تعد "الشرّية" عند البعض نوعاً من أنواع الزكاة، هذا ما أشار إليه الباحث "خالد عبد الجبار الفرج" بالقول: «عند لم البيدر في ريف "دير الزور" وبعد موسم الحصاد، حصاد القمح مثلاً، يقوم أصحاب البيادر بتوزيع حصص من هذا القمح إلى أطفال القرية كنوع من أنواع الزكاة، وهي على الفطرة لدى معظم الفلاحين في الريف وتسمى في دير الزور "الشرّية"، فيقوم الأولاد الذين أخذوا "الشرّية" من بيدر القمح بالذهاب إلى "الحواج" أو "البقالية" من أجل تبديل القمح، ويذهب الأطفال فرحين بما رزقهم الله وممتنين لصاحب البيدر، وبعد البحث وسؤال المعمرين في قريتي "هجين" تبين أن للزراعة طقوساً في الريف أولها تبدأ بزراعة الأرض ونثر القمح، وكلما نثر المزارع حفنة من القمح يردد: "للطير وما قسم الله" وتعني الكثير، أي ارزقنا من رزقك، وكل من قسمت له أن يأكل من هذا الخير، أنت الرحمن الرزاق الكريم، حتى يأتي موسم الحصاد».

ويتابع: «وكلمة "الشرّية" مأخوذة من كلمة اشترى و"الشروة" أي اشترى الشيء لمرة واحدة، وعند مقايضة القمح من قبل الأطفال بأشياء يحبونها، ويقول الفلاح: "لا تطرح البركة بما أمن الله علينا من رزقه إلا إذا فرحنا الأولاد من هذا الرزق"، فيطرح الله البركة بكل بيدر قام صاحبه بتوزيع ما تيسر من هذا الخير الذي من الله علينا، وكان أطفال القرية ينتظرون مواسم الحصاد بفارغ الصبر لكي يحصلوا على"الشرّية" المباركة وكأنه طقس من طقوس الأفراح والمناسبات والأعياد، فهي فطرة وطيبة أهل الفرات عموماً».

إضافة إلى "الشرّية" هناك عادات ديرية أصيلة من صميم الموروث الاجتماعي التي تدل على المحبة والألفة، هذا ما أوضحه المهندس "غسان الشيخ خفاجة" قائلاً: «تعد "الشرّية" من أنواع العطاء التي تدخل ضمن مبدأ "البـُرّة" حيث يدفع بها للغني والفقير وللجار والصديق وللأقارب كعربون محبة وألفة، و"البرة" ليست من الزكاة أو من الصدقات لكنها من أعمال الخير والتآخي وتبادل الود والمحبة وأشبه ما تكون بالهدية، و"البـُرّة" كلمة ديرية صرفة تقابلها في اللغة العربية "البِرُّ"، والبِرُّ أي الخير خيرُ البِرِّ عاجلُه، أفضل أعمال البرّ ما كان سريعاً ومن أشكال "البـُرّة" الديرية إضافة لـ"الشرية"، وهناك "الصبة" التي يدفع بها للجار أو الصديق وخاصة بالطعام والأكلات المميزة، وأيضاً هناك "الطعمة" وهي إهداء الثمار في أول قطافه وخصوصاً من قبل أصحاب البساتين، و"العطية" وهو ما يمنح لمساعدة الفقراء والمحتاجين من أشياء عينية أو نقدية، ومن الجمل التي تقال بهذا المعنى: (تنغصتو لكم بهل أكلة، وما عدت بحلقي، وهاي وصية أبو فلان... إلخ)، وهي من المعاني التي لا تشعر الطرف الآخر بالإحراج، وكأنهم بهذه العادات الطيبة ذات الموروث الاجتماعي يمتثلون لقوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} سورة آل عمران 92».

الباحث خالد الفرج