افتتح الفنان السوري الأصل الألماني الجنسية "رابي جرجس" معرضه الفني "حدائق باردة" وذلك يوم الثلاثاء 1/2/2011م في المعهد الألماني "غوته" في "حلب".

وقدم الفنان "جرجس" من خلال أعماله وتساؤلاته الذاتية حول الهوية الفردية لكلا الجنسين المرأة والرجل بين الشرق والغرب، كما طرح تساؤلات تكرر نفسها دائماً عند لقاء ثقافتين مختلفتين تماماً، قام الفنان شخصياً بتقديمها من خلال عرض فني أدائي أدهش الحضور.

المعرض هو محاولة من محاولات الالتفاف من التواطؤ بين الأنا والآخر، بين الرجل والمرأة على وجه الخصوص وعلى صلب قيم الإله وحالة التسامح التي هي من المفترض أن يكون المجتمع ككل قد تحلى بها، لذلك نفاجأ بأننا نقوم بصلب هذه الرحمة التي منحتنا إياها السماء بأيدينا، كما استطاع أن يصور لنا هذا الحزن الثائر الموجود داخل كل إنسان وبالأخص داخل الأنثى، واللافت للنظر أنه استخدم الأدوات الحادة "كالسكين" واستطاع تطويعها لغايات سامية ونبيلة لنشاهد بشاعة هذه الحياة وحلاوتها في آن معاً

إضافة إلى عرضه عددا من الصور الضوئية المعبرة عن قسوة ما تعانيه بعض نساء الشرق من خلال السواد الملتف حول أجسادهن والحدود التي رسمها الآخر لطريقة رؤيتهن للعالم، ليكرس في عمله الفراغي هذه المقولة بإنجازه لتجهيز فراغي اعتمد فيه على السكين كدلالة رمزية على عنف مرتقب يسير جنباً إلى جنب مع خطوات أنثوية مرتبكة ما بين حد السكين وأنصالها المشرعة في وجهها أينما حلت.

الفنان "رابي جرجس" مع نيافة المطران "يوحنا إبراهيم"

eAleppo حضر افتتاح المعرض والتقى الفنان "رابي جرجس" وسأله عما قدمه في معرضه "حدائق باردة" ومامدى تشابهه مع معرضه السابق الذي أقامه في "دمشق" حدائق ساخنة" فأجاب: «لكل معرض بينهما أدواته الخاصة، وعندما تتوافر في مكان ما يمكنني حينها أن أقدمها، ففي دمشق توافرت لدي الأدوات المناسبة، وهنا في "حلب" توافرت حديقة الورود وأشياء أخرى التي خلقت نوعاً من التوازن، وعملي الأدائي "حدائق باردة" بدأت به بتهليلة نسائية شعبية "الزغروته" التي تطلقها النساء في الأفراح وبعض المناسبات الحزينة، كما استعنت بشعر نسائي طويل عملت على قصه بشكل عشوائي أثناء رقصي الشرقي الذي قمت به، وأردت من هذا الأداء التعبر عن العنف الذي يطول المرأة في مجتمعاتنا الشرقية، وفي الأداء الثاني قمت بالاستعانة بزي الميلوية والذي كُتبت عليه بعض كلمات الحب بالحبر الأسود، وأثناء عملية الدوران التي قمت بها عملت على سكب حبر أسود من جرة محمولة، وهذا ما أدى إلى صبغ زي الميلوية باللون الأسود، لتضيع كلمات الحب في سواد متطاير على الجمهور، وكل شخص يمكنه أن يقرأ بعضاً من هذه الكلمات كما استوعبها وفهمها هو فقط».

  • تظهر السكين بشكل بارز في لوحاتك، فما دلالة ذلك؟
  • أدوات العرض المستخدمة في "حدائق باردة"

    ** استخدمت في صوري بعضا من صور الفن الأدائي الذي أتميز به حيث قعدت في غرفة التجهيز وهي عبارة عن غرفة ضيقة لا تتجاوز مساحتها الـ/2/ متر مربع ويسبقها سرداب صغير ضيق يقف عليه حارس، حيث قعدت لمدة طويلة على كرسي محاط بالسكاكين من كل جوانبه ولا يمكني الحركة فيه أبداً، إضافة إلى أنه تم عصب عيني أيضاً، وكان هذا العرض بمثابة المرآة التي تعكس داخل كل شخص موجود ويشاهد العرض فكانت ردات فعلهم مختلفة فمنهم من تحرك ليتصل بالشرطة، وآخر من حاول تقديم المساعدة دون أن يعلم أني الفنان ذاته وأن هذا هو العرض الذي أقدمه له لأن عينيّ كانتا معصوبتين.

    وفي المقابل كان هناك من المشاهدين أيضاً من أراد أن يغز السكين أكثر في جسمي ومنعهم الحارس من فعل ذلك، فظهرت ردات فعل مختلفة عكست ما بداخلهم ومشاعرهم تجاه هذا كله، فكان الفن فعلاً مرآة للذات وهو ما أردت الوصول إليه».

    مهندس الديكور "حسام سودة"

    نيافة المطران "يوحنا إبراهيم " مطران الروم الأرثوذكس في "حلب" كان من بين الحضور، فحدثنا عن رأيه فيما شاهده بالمعرض فقال: «لا يمكن لمشاهد العرض أن يستوعب كل ما يحدث من البداية، لأن عليه أن ينتظر حتى نهاية العرض، وأراد الفنان "جرجس" أن يبرز فكرة مهمة جداً وهي أن لا شيء في الحياة مستحيل أو غير ممكن، فالإنسان لديه القدرة والطاقة والموهبة وكثير من الأشياء التي لا يستخدمها في كثير من الأحيان.

    وحاول أيضاً عبر فكرة الفن الإيحائي أن يسخّر كل شيء للصلاح والخير ولا يوجد شيء من وجهة نظره اسمه "شر" أبداً، لذلك أراد أن يظهر المتقابلات كاللون الأبيض واللون الأسود فهما متضادان وبين لنا أن اللون الأسود هو لون مقبول ويدل على الطهارة وكذلك الحال في اللون الأبيض؟ فلا شيء يتعارض من تمازجهما معا، ويمكن لهذا النوع من الفن أن ينتشر عندما يجد له من يحمل رسالته ويوصلها للناس بشكلها الصحيح.

    وتجربة "رابي جرجس" يجب أن تتكرر في عالمنا العربي حتى نتخلص من النظرة التشاؤمية السوداوية التي نملكها في حياتنا، لأن كل شيء في الحياة هو مفيد وفيه خير ويجب استغلال هذا المنحى».

    كما التقينا الآنسة "نوار إسماعيل" والتي تحمل إجازة في اللغة العربية جامعة "حلب" لتحدثنا عن قراءتها للمعرض وما الرسالة التي وصلتها من معرض "حدائق باردة" فتقول: «المعرض هو محاولة من محاولات الالتفاف من التواطؤ بين الأنا والآخر، بين الرجل والمرأة على وجه الخصوص وعلى صلب قيم الإله وحالة التسامح التي هي من المفترض أن يكون المجتمع ككل قد تحلى بها، لذلك نفاجأ بأننا نقوم بصلب هذه الرحمة التي منحتنا إياها السماء بأيدينا، كما استطاع أن يصور لنا هذا الحزن الثائر الموجود داخل كل إنسان وبالأخص داخل الأنثى، واللافت للنظر أنه استخدم الأدوات الحادة "كالسكين" واستطاع تطويعها لغايات سامية ونبيلة لنشاهد بشاعة هذه الحياة وحلاوتها في آن معاً».

    أما مهندس الديكور "حسام سودة" فحدثنا عن تجربة الفن الأدائي ومدى تقبله في عالمنا العربي فقال: «الفن الأدائي هو فن جديد على عالمنا العربي وغير متداول، لذا فمن الممكن أن نجد القبول الغريب له وغير المبرر، ومن الممكن أن نجد الرفض التام غير المبرر أيضاً، وما قدمه في "سورية" إلى الآن مال للاحتمال الأول وذلك من خلال التساؤلات الكثيرة التي طرحت على الفنان ذاته حول غايته من الحركة واستخدام الأدوات والموسيقا وغيرها، وهذه التساؤلات تؤكد نجاح عمله، وعمل اليوم قدم بطريقة فنية وبلغة فلسفية، فطرح فكرة الذكورة والأنوثة في المجتمعين العربي والغربي ككل، وطرح تخبطات الإنسان بين المشاعر الأنثوية والذكورية حيث إنه يمكن للأنثى أن تتصرف بلحظات ما بتصرفات ذكورية قوية ومهيمنة، والعكس صحيح وينطبق على الرجل أيضاً، المعرض يقدم المحاكاة الفلسفية للواقع حيث إننا نشاهد الأشياء ببصرنا دون أن نراها ببصيرتنا وهو ما أكده الفنان "جرجس" وأوضح أن هناك اختلافاً كبيراً بين المشاهدتين، يمكن انتشار فكرة الفن الأدائي بسرعة كبيرة لكنها تحتاج إلى شباب مقتنعين بالفكرة ومؤمنين بها، وليس أن يعملوا بها لإرضاء الغير، وتحتاج بالوقت ذاته إلى مجتمع متقبل لهذه الفكرة وأعتقد أن هذا مضمون لدينا».

    الجدير ذكره أن الفنان "رابي جرجس" من مواليد /1981/م، وأنهى دراسته في جامعة "برلين" الألمانية عام /2009/م كطالب متميز لدى فنانة تعتبر من أهم الفنانات الألمانيات المعاصرات وهي "ربيكاهورن" وأهله عرضه هذا ليحصل على منحة من جامعته ليتابع دراسته في هذا المجال، ويستمر معرض "حدائق باردة" حتى الثامن والعشرين من شهر شباط 2011.