قبل حوالي ربع قرن كانت تنتشر في "دير الزور" مجموعة ليست بالقليلة من الألعاب التراثية، والتي تتسم بتنمية الروح الجماعية لدى الأطفال للنشاط والحماس الذي يتدفق فيهم أثناء اللعب، ومن أشهر هذه الألعاب لعبة تسمى "قينة قينة".

eSyria التقى السيد "سليمان العبد" وهو من أهالي "ديرالزور"، فحدثنا عن خصوصية تتميز بها هذه اللعبة بقوله: «تمتاز هذه اللعبة بأنها ذكورية أكثر منها أنثوية، لأنها تتطلب نوعاً من الخشونة مقارنة ببقية ألعاب الصبية الأخرى التي عرفتها منطقتنا بالماضي».

لعبة ليلية للأولاد بين العاشرة والخامسة عشرة ويكون عددهم بين ثمانية إلى عشرين، وكلما كان العدد كثيرا كلما كانت اللعبة أحلى

بينما شرح لنا السيد "صبحي رمضان" الطقس الذي تمارس به هذه اللعبة فيما مضى: «لأن هذه اللعبة ليلية فإنها تمارس في جميع فصول السنة ما عدا أيام الشتاء شديدة البرد لكون ليله بارد والناس تخاف على أبنائها من الأمراض، فإذا كان في الجو برد قليل فإن ذلك لا يؤثر بحكم أن "القينة قينة" تعتمد على الرشاقة والسرعة بالحركة مما يعطي اللاعبين شعوراً بالدفء».

الباحث عباس طبال

ولمعرفة تفاصيل هذه اللعبة التقينا الباحث التراثي "عباس طبال" صاحب كتاب "الألعاب الشعبية في "دير الزور"، فحدثنا حول هذه اللعبة قائلاً: «لعبة ليلية للأولاد بين العاشرة والخامسة عشرة ويكون عددهم بين ثمانية إلى عشرين، وكلما كان العدد كثيرا كلما كانت اللعبة أحلى».

ثم يتابع "الطبال" شارحاً الكيفية التي تلعب بها هذه اللعبة بالقول: «ينقسم اللاعبون إلى فريقين ويعرف كل واحد منهم فريقه ويقوم كل فريق باختيار رئيس له ممن عرفوا بالحذق والمهارة، وتجري القرعة بين رئيسي الفريقين وذلك ليكون أحد الفريقين راكبا على الفريق الثاني الذي يكون مركوباً وعلى رئيسه أن يحزر من لمسه أو طق الحجر عند أذنه.

فرحة الأطفال أثناء لعب لعبة القينة قينة

بعد معرفة الفريقين لدور كل منهما يقوم رئيس الفريق الأول (وهو الذي سيركب على ظهر رئيس الفريق الثاني) بتسمية أفراد فريقه بأسماء غريبة مثل: قنديل الذهب، سوار الفضة، بلبل، طير السعد، عصفور الجنة، وغيرها وهي أسماء اصطلاحية. وتكون هذه الأسماء سرية لا يعرفها إلا أفراد الفريق نفسه وخاصة بكل فرد فيه.

أما الفريق الثاني فينتظر الفريق الأول من الانتهاء من تسمية أفراده، وربما يحاولون الاتفاق على إشارة تعين رئيس الفريق على معرفة الشخص الذي لمسه، عند انتهاء الفريق الأول من التسمية يعود إلى الفريق الثاني، فيقف الفريق الثاني مستندا بمؤخرته إلى جدار حانيا جسمه على شكل زاوية قائمة كالراكع أو أعلى قليلا، يمتطي أفراد الفريق الأول ظهور أفراد الفريق الثاني، ثم يقوم كل واحد من الفريق الأول الراكب على ظهر الفريق الثاني بعصب عيون من ركب عليه بأصابعه وبلطف، حتى لا يرى من سيؤدي اللعب ويركب رئيس الفريق الأول على ظهر رئيس الفريق الثاني، ويعصب عينيه بأصابعه، فإذا تأكد من ركوب جميع فريقه بدأ اللعب بقوله بصوت مرتفع: "قينة قينة، طقاقة الحجرينة، باسمٍ سميته وبطن إمه حطيته"، ثم ينادي أحد أفراد فريقه باسمه المستعار: وهِييْ يا قنديل الذهب، أو غير ذلك الاسم من الأسماء المستعارة لفريقه، فينزل صاحب الاسم عن ظهر مركوبه ويأتي إلى رئيس الفريق المعصوب العينين بخفة وصمت وهدوء ويقرع حجرين أو حصوتين بيديه أو يلمس يدي رئيس الفريق الثاني بإصبعه، ويبقى يردد اسم المنادى صاحبه إلى مكانه، ثم يعود بخفة وصمت فيركب على صاحبه كالأول معصبا عينيه وعندما يتأكد رئيس الفريق الراكب من ركوب صاحبه واستوائه في مكانه يقول: "دارت عصا عيص الخيل وافتـَنـَّتْ لا - إلى - ورا" فينزل الراكبون عن ظهور الفريق الثاني ويقتربون من رئيس الفريق الثاني ويصطفون أمامه أما الفريق الثاني "المركوب" فيبتعد قليلا حتى لا يؤشر إلى رئيس فريقه يقوم رئيس الفريق الثاني بتفحص وجوه اللاعبين من الفريق الأول ويجس بيده صدورهم أو يستمع إلى دقات قلوبهم بإذنه لأن دقات قلب من لمسه أسرع من دقات قلب غيره.

وهذا ما يعرفونه بالخبرة "ثم يعلن من قام بلمسه أو بقرع الحجرين فإن عرفه كان رابحا، وكان لفريقه الحق في ركب ظهور الفريق الأول فيكرر نفس العمل، وإن لم يعرفه أصبح خاسرا وعاد مع فريقه ليكون مركوبا لا راكبا، فإذا أشار أحد أفراد الفريق المركوب أو غمز أو كحّ لم يطق الحجر أو لمس رئيسه ألغيت النتيجة».

كما التقينا الباحث "غسان رمضان" فوضح الجو الاجتماعي الذي يرافق هذه اللعبة بالقول: «كان يربط سكان "دير الزور" فيما مضى روابط اجتماعية قوية، فترى الجيران في الحارات يجلسون مساءً على أبواب المنازل ليتبادلوا أطراف الحديث، فيلعب أبناؤهم مع بعضهم بعضاً، ولعبة "قينة قينة" من هذه الألعاب التي كانت تمارس بالماضي وهي تنمي الحماسة ودقة الملاحظة لدى الأطفال، عدا تعزيز روح الجماعة لديهم».