قارب عمره السبعين عاماً، له عشرات الألحان، ومثلها من الكلمات، لكن أحداً لم يسمع به، إن كان في مدينته "سلمية" أو على نطاق أوسع.. اسمه "علي بدر محفوض" الذي رأى في أولاده الخلف الصالح لحمل هذه المهمة، لكنه بقي يحن دوماً لتلك الأيام التي كانت مناسبَة لقول ما يمكن أن يقال.
موقع eSyria التقى به ليتعرف منه أكثر على تجربة ملأى بالنغمات والكلمات الشجية التي ما زالت تقبع تحت الرماد.
رغم وصولي سن الشيخوخة فإنني على أمل أن تجد أغنياتي رغبة في الوصول إلى الناس، فالشاعر والفنان لا يصابان أبداً بالشيخوخة
يقول عن بداية تعلقه بالغناء: «ربما يكون للإذاعة دور كبير في ارتباطي بعالم النغمة والأغنية، وربما كان للمطرب السوري الكبير "رفيق شكري" الدور الأكبر والمحفز لي كي أخرج ما في داخلي من فن شعرت أن عليّ إخراجه، هذا عدا عن الأصوات الكثيرة التي أسست للون غنائي سوري عريق بتنا نترحم عليها في أيامنا هذه».
ويضيف: «حبي للموسيقا كان في وقت مبكر من حياتي، فتعلمت العزف على آلة "العود"، وفي وقت لاحق درستها بشكل أكاديمي في مدارس الفنون الدولية في "القاهرة"، وكانت بعض الدراسات والكتب المرجعية التي استندت عليها في تقوية المنظومة الفكرية الموسيقية لدي، وأذكر من الكتب "تعليم العود" لـ"فؤاد محفوظ"، وكتاب لأمير الكمنجة السورية "توفيق الصباغ" وآخر للفنان "عبد الرحمن الجبقجي"».
بعد حديثه عن العوامل التي أثّرت في تجربته الغنائية واللحنية يتحدث إلينا عن مناحي جديدة في هذه التجربة فيقول: «كان لي أن أقمت في الجماهيرية الليبية لسنتين وهناك قمت بتدريس مادة الموسيقا، وقدمت بعض الألحان لمطربين ليبيين، كما عملت في المسرح المدرسي هناك».
وعن الفارق الذي لمسه بين موسيقا بلاد الشام، والشمال الإفريقي، قال: «الموسيقا واحدة أينما وجدت فقط تختلف الإيقاعات وكذلك اللهجة المنطوقة في الغناء، هناك يعتمدون كثيراً على الآلات الإيقاعية أكثر منها عندنا، ومع هذا فلكل لون ما يميزه عن الآخر بكل تأكيد ويستطيع متذوق الموسيقا أن يميز بين كلا اللونين بسهولة».
كثيراً ما نتحدث عن تراث الأغنية، والأغنية الفلكلورية، ماذا عمل "محفوض" في هذا الاتجاه، يقول: «لنتحدث أولاً عن واقع الأغنية السورية الحالي والذي تراجع كثيراً عما كانت عليه في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين والتي تعتبر الفترة الذهبية للأغنية السورية، اليوم تراجعت والسبب عائد لعدم تعبئة اللحن بشكل صحيح، والأزمة على ما يبدو باتت عامة تعاني منها كل دول المنطقة».
ويتابع: «مما تقدم فإنني لم أكترث كثيراً للأغنيات الفلكلورية القديمة فلم تكن لتغريني، في ذهنيتي الموسيقية ألحان مختلفة يجب أن ترى النور، فهناك من المطربين من حمل على عاتقه إحياء الأغنية الفلكلورية وإن كانت النية نبيلة لكن الوسائل المستخدمة من آلات لم تكن عند المستوى المرجو منها، وبالتالي بتنا نرقص و(ندبك) على أنغام الأورغ غير المنضبطة والتي تصدر عن الحالة النفسية التي يعيشها العازف حينها، فالجو العام يمكن أن يجعل من اللحن رائعاً أو عكس ذلك، وهذا يتبع للمزاجية، والموسيقا ليست كذلك فهي علم مدروس مرتكز على سلم موسيقي هو الأساس».
أما طريقته في الجملة الموسيقية فيقول: «يقال: (في البدء كانت الكلمة)، لكنني مع الأغنية أبدأ باللحن ومن ثم أبحث عن كلمة تتطابق وتتلاءم معه، ومع هذا لم أعلن عن نفسي أنني شاعر غنائي، لا أجد صعوبة في صياغة اللحن فهو يظهر من ساحة اللا شعور إلى ساحة الشعور خلال زمن قصير، وأحياناً تهجرني الرغبة في ذلك».
تجربة كهذه لماذا بقيت طي الكتمان، لماذا لم تجد الطريق إلى مسامع الناس، لماذا بقي "علي محفوض" نزيل الأقبية الفنية المظلمة، يقول: «لم يسمح لي عملي الوظيفي أن أتفرغ للموسيقا بشكل كامل، فالمعيشة أقوى من أي طموح، وعندما وجدت هذه الفرصة كنت قد تجاوزت السن القانونية للانتساب إلى نقابة الفنانين، ومع هذا منحتني النقابة إذن العمل وإقامة النشاط الفني».
أما طموحه من عالم اللحن والكلمة بعد هذا الانقطاع فيجد أنه ما زال مشروعاً، فقال: «رغم وصولي سن الشيخوخة فإنني على أمل أن تجد أغنياتي رغبة في الوصول إلى الناس، فالشاعر والفنان لا يصابان أبداً بالشيخوخة».
والجدير ذكره أن الفنان "علي بدر محفوض" من مواليد مدينة "سلمية" في العام 1942، متقاعد، يدرس الصولفيج الغنائي في "دار أورنينا" للموسيقا، له العديد من الألحان والكلمات وصلت إلى ستة عشر لحناً.
ــ لحن للشاعر "فيصل الشيحاوي"، والشاعر الغنائي "مصطفى الحاج"، و"عبد الله الزرزوري"، و"خالد القنواتي".