على الرصيف البحري لجزيرة "أرواد" رافقنا الحاجّ "محمّد عبد الله حمّود" باتجاه رصيف إصلاح "الزوارق" البحريّة حيث يوجد مشغله لإصلاح "الزوارق" الذي استلمه أولاده من بعده، وخبرته أصبحت عملاً في حد ذاته بعد أن ناهز الثمانين من عمره وأصبحت مهمته إعطاء النصيحة وتحديد الأعطال المستعصية.
يقول الحاج "محمّد عبد لله حمّود": «مهنة صناعة الزوارق بالنسبة لعائلة "حمّود" "كالصاري" بالنسبة للسفينة فأنا ورثت المهنة عن والدي الحاج "عبد الله حمّود" الذي ورثها عن والده، وذلك على مدى ثلاثمائة سنة من توارث عائلتنا لهذه المهنة العريقة في أرواد».
مهنة صناعة الزوارق بالنسبة لعائلة "حمّود" "كالصاري" بالنسبة للسفينة فأنا ورثت المهنة عن والدي الحاج "عبد الله حمّود" الذي ورثها عن والده، وذلك على مدى ثلاثمائة سنة من توارث عائلتنا لهذه المهنة العريقة في أرواد
في ميناء صناعة الزوارق و اليخوت وإصلاحها في "جزيرة أرواد" التقت كاميرا "esyria" بالحاج "محمّد حمّود" الذي يُشرف على ورشته حيث كان العمّال يصلحون أحد القوارب الحديدية المخصص لنقل الحمولات الكبيرة، فحدّثنا الحاج "محمّد" عن تاريخه الطويل في صناعة الزوارق البحرية، فعن بداياته يقول الحاج "محمّد": « تعلّمت المهنة عن والدي الحاج "عبد الله حمّود"، حيث كنّا نصنع زوارق الصيد الصغيرة بأساليب وطرق مختلفة عن الوقت الحاضر وبصعوبة أكبر، لأترك العمل وقتها وكان ذلك في أربعينيات القرن الماضي، وسافرت إلى "ميناء العقبة" في"الأردن" لأعمل في بناء الزوارق الكبيرة التي تنقل الحمولات من السفن إلى الميناء حيث أنّ بعض السفن كانت أكبر حجماً من أن تدخل إلى ميناء العقبة، بقيت في "الأردن" 15 سنة ساعدتني روح المهنة التي عشقتها في أرواد على بناء ثقة كبيرة بعملي وحصولي على شهرة واسعة في هذه المهنة ، والتي كانت عامل مهم في عودتي "لأرواد" وبناء رصيف خاص لإصلاح "الزوارق البحريّة" وذلك بعد عودتي من السعوديّة التي بقيت فيها ثمانية أشهر فقط».
سألنا الحاج "محمّد" عن الفرق بين صناعة الزوارق قديما وحديثاً من حيث المواد الأولية والتقنية المستخدمة في الصناعة، فأجاب:« اختلفت صناعة السفن بين القديم والحديث، فقديماً كانت الزوارق تُصنع من أخشاب محلّية المنشأ "كالتوت والصنوبر" للأضلاع الداخلية و"الصنوبر" للألواح الخارجية، نربطها ببعضها "بمسامير 14سم" بالإضافة "للقطن والقنّب" بين الألواح لمنع التسرّب، ثمّ يُدهن "بالزفت" وبعده مادّة "القلفونة" لمنع نشوء الطحالب على أخشاب القارب، أمّا الآن فقد أصبحت الطرق أسهل والأدوات أكثر فعالية مع وجود مواد جاهزة للعزل ومواد للطلاء أكثر سرعة وجودة، ولم نعد نستخدم الأخشاب السابقة حيث استُبدلت بخشب "سوّاد" مستورد».
أورث الحاجّ "محمّد حمّود" صناعة الزوارق لأولاده ليبقى هو مشرفاً على العمل فقط، فتخرّج من تحت يديه صنّاع كُثُر بينهم أولاده ونذكر منهم "عماد وخالد حمّود"، - ونذكّر بأن خالد هو من صنع سفينة "فينيقيا" لصالح "بريطانيا" عبر "جمعيّة الصداقة السورية البريطانية"-، اللذين كانا شاهدين على خبرة والدهما ومهارته بقولهما: «كان الوالد الحاجّ "محمّد" يصنع الزورق على اختلاف حجمه من أوّل قطعة توضع في هيكله حتّى وضع المحرّك في الزورق، ولمن يعرف المهمّة الأخيرة سيعلم مدى خبرة الحاج "محمّد" فتركيب المحرّك يحتاج لدقّة بالغة وإلّا لن يسير الزورق، كما أنّ الوالد صنع وأصلح مايزيد عن "500 قارب" خلال حياته، كما أنّ عمله 15 سنة في "الأردن" دليل على تمسّك أهل الصنعة هناك به وبعمله».
أمّا عن استقراره في أرواد وإنشائه لورشة صناعة وإصلاح السفن يقول الحاج "محمّد حمّود" «عدّت إلى "أرواد" عام 1970 لأبني هذه الورشة التي ترونها واستمرّيت بالعمل فيها والآن أولادي يشرفون على سير العمل، بينما أتردد إلى المكان باستمرار لأن بين جنباته ذكريات لاتُنسى وأجمل من أي مكان سافرت إليه في "فرنسا أو إيطاليا أو مصر ..»
بالقرب من الرصيف الشاطئي "لأرواد" التقينا مع البحّار وصانع شِباك الصيد الحاج "محمّد رقيّة" ليحدّثنا عن الحاج "محمّد عبد الله حمّود" «منذ صغري وأنا أعرف الحاج "محمّد" وقوارب صيدنا من صنعه فهو أفضل من يصنع زوارق الصيد ويُصلحها وأساس القصد الدقّة والمهارة في التصميم، فلا مجال للخطأ في صناعة الزورق، وأكثر مايهمّني صناعة "كبين الزورق" وتركيب المحرّك والحاج "محمّد" خير من يفعل ذلك».
في الختام يقول "الحاج محمّد": « كما يُقال الحاجة أمّ الاختراع، فكان لابدّ لأهل أرواد من إتقان صناعة الزوارق للتواصل مع العالم، من هنا أتت شهرة أهل "أرواد" عموماً في هذه الصنعة، ولو سُمح لنا بالحصول على الرخص بسهولة كنّا سنصنع زوارق لخارج سورية حيث تأتيني عروض من دول كثيرة، لكن هناك محددات وعراقيل كثيرة في هذا السبيل نتمنّى لو أنّها تُحل، وأنا الآن بعد هذا العمر الطويل أصبحت مشرفاً فقط بينما العمل لأولادي والورشة العاملة معهم وأنا سعيد جدّا بتوريث مهنة أجدادي لأولادي فنحن كما ذكرت مع أقربائنا من "عائلة بهلوان" نشكّل أقدم صنّاع للزوارق وحديثاً "اليخوت" الفاخرة في "أرواد وساحل المتوسط"».