قلما تجد إنساناً يجمع بين هوايتين ويبدع فيهما بنفس الوقت وعلى مدى عقود من الزمن، و"محمد المعراوي" الذي فقدته حماة بتاريخ /6/6/2010/ وشيعته في موكب مهيب يليق برجال قدموا الكثير من إبداعاتهم لمدينتهم ووطنهم سيحفظها تاريخ "حماة" طويلاً.

تجربة "محمد المعراوي" مع الخط العربي تجربة مميزة كما يقول الأستاذ الخطاط "محمد قنا": «فكتابته على جدار المساجد بشكل ارتجالي ودون أسطر بخطوط الثلث والنسخ والديواني ينم عن ذائقة وموهبة فريدة لا يستطيع الكثير من الخطاطين مجاراته فيها، وهذا موجود في أكثر مساجد "حماة" التي رسم فيها خطوطه كمسجد المناخ والتكية وغيرها».

أنا الفقير إليك يارب / وأنت عني عني غني / فالضعف في في أصيل / وأنت رب رب قوي /الكل يفنى ويبلى / وأنت وحدك وحدك حي/

الخطاط "قصي الشمالي" يقول: «تشعر وأنت تتأمل الكلمات التي رسمها "محمد المعراوي" بموسيقا تنبع من بين السطور وكأنك تسمع معزوفة متناغمة بين الخط والألوان الزاهية التي استخدمها في لوحاته، وخصوصاً "الخط الديواني" الذي طوره ليخدم اللوحات التي اشتغل عليها بحرفية عالية».

الخطاط محمد قنا

esyria زار منزل الخطاط "محمد المعراوي" والتقينا نجله الأستاذ "مصطفى المعراوي" الذي حدثنا قائلاً: «لقد عاش أبي يتيماً في كنف أسرة مؤلفة من أب وأم وثلاثة أولاد، وتوفي والده ولم يبلغ والدي الثامنة من العمروأرسلته أمه إلى المدرسة المحمدية في حماة الذي حاول فيها التعلم لكنه لم يستطع ولم يقدم له أي دعم ليكمل تعليمه بسبب ظروف الفقر، والغريب أنه كان يرسم عنوان الدرس دون أن يعرف القراءة بشكل لفت انتباه المدرسين له، واتجه وهو صغير إلى الحياة العملية ليستطيع إعالة أمه وإخوته وعمل في أكثر من مهنة حتى اتجه إلى العمل كمؤذن في أحد الجوامع وهنا تفجرت موهبة أخرى هي التلحين والإنشاد الديني، وترافق ذلك مع اهتمامه بالخط العربي الأصيل في موهبته التي طورها وعمل عليها بتفان، وتعرف على أهم خطاطي "حماة" و"دمشق" الذين رأوا فيه خطاطا موهوباً وأصيلاً وساعدوه على تنمية مواهبه في الخط وأهمهم "البدوي" و"الديراني" والمولوي" و"المنيني" في دمشق إضافة إلى صديقيه وأهم خطاطي حماة "عبد الرحمن فاخوري" و"عبد الرحمن أوغلي" الذين شكلوا أهم ثلاثي من الخطاطين في حماة وكل حسب مدارس الخط التي برع فيها، وأهمها "الخط الديواني والثلث والخط الفارسي" الذي يمتاز به خطاطو حماة دون غيرهم».

ويحدثنا نجله "نصر المعراوي": «لقد ترك أبي إرثاً كبيراً من الألحان الدينية زادت على /300/ لحن موجودة ومسجلة على أشرطة كاسيت وأشرطة فيديو، وكان يدرّس الكثير من المنشدين في حماة حتى إنه أسس أول رابطة للمنشدين بحماة عام /1974/ إضافة إلى ذلك كان يرتجل الشعر والأناشيد دون أن يعرف القراءة والكتابة».

نجله مصطفى معراوي

ومن أناشيده: «أنا الفقير إليك يارب / وأنت عني عني غني / فالضعف في في أصيل / وأنت رب رب قوي /الكل يفنى ويبلى / وأنت وحدك وحدك حي/».

المنشد "حسن هويدي" أحد تلاميذ "محمد معراوي" وصاحب فرقة الإحسان للأناشيد الدينية في "حماة" يقول: «خسارة كبيرة رحيل أحد أعمدة التلحين والأناشيد الدينية في "حماة"، لقد أثرى أستاذنا المرحوم مكتباتنا وذاكرتنا بأجمل الألحان والكلمات والأناشيد، وقلما تجد إنسان يعمل بهذه الحرفية وهو لا يعرف القراءة والكتابة».

نجله نصر معراوي

ويحدثنا المنشد "زعيم تليتي" قائلاً: «أياديه البيضاء ستظل واضحة وحانية على كل المنشدين في المدينة لزمن طويل لقد كان قامة عالية في التلحين وسيظل من أهم الأسماء التي عملت في هذا المجال من الفن في حماة».

حافظ "محمد المعراوي" على اسمه كخطاط وملحن أكثر من خمسين عاماً وخلفه أولاده و أحفاده في عشق الخط العربي منهم الخطاطون" مصطفى"و"عبدا لله"و"فادي"و"أشرف""عبد العزيز".

"محمد المعراوي" من مواليد حماة /1930/ وتوفي ووري الثرى في صباح يوم الأحد /6/6/2010/ في مقبرة الحمراء في مدينة "حماة".