تشكل عشيرة "البياطرة" ثقلاً عشائرياً كبيراً في مدينة "الرقة"، وهي من كبرى العشائر التي استقرت المدينة منذ نهايات القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين، بعد أن كان معظم بيوتاتها تتوزع في محيط "الرقة"، وهم أولاد رجل واحد هو "عبد الرزاق المحمد الحمد الحمد الدعيجل" من فخذ "البوجامل" من عشائر "العكيدات"...
الذي مازالت مشيخة "العكيدات" فيه إلى حينه، وقد جاء إلى منطقة "الرقة" قادماً من "دير الزور" في الربع الأول من القرن الثامن عشر، وسكن قرية "المشلب"، حالياً حي "المأمون"، الملاصق لمدينة "الرقة" من جهة الشرق. ويعود نسبهم إلى الصحابي المشهور "عمر بن معد يكرب الزبيدي".
برزت عشيرة "البياطرة" كعشيرة لها مكانتها الفاعلة عندما أصبح الشيخ "فيضي الفواز" شيخاً لها، وكان "الفواز"، ومجموعة من أقاربه قد استقروا بمدينة "الرقة" منذ بداية تكوّنها، وهناك لوحة حجرية تبين تاريخ إشادة بيته، الذي يعود إلى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، ويقع في وسط المدينة، منطقة "السبع دربات" بين حي "العجيلي"، وحي "البليبل"، مما يدل على أن آل "الفواز"، وبعض أفراد "البياطرة"، كعائلة "الحاج" وغيرهم من أوائل من سكن مدينة "الرقة"
موقع eRaqqa التقى الباحث "حمصي فرحان الحمادة"، وهو أحد أبناء عشيرة "البياطرة"، ليحدثنا عن عشيرته، وحسبها ونسبها، وتاريخ وصولهم إلى "الرقة"، قائلاً: «بحدود عام /1735/ قدم جدنا "عبد الرزاق المحمد الحمد الحمد الدعيجل" إلى منطقة "الرقة"، وكان يتقن القراءة والكتابة، كما يتقن عمل الحدادة، التي تعلمها من أخواله "البراغلة" في مدينة "دير الزور"، وكان ينوي الذهاب إلى "الرها"، مدينة "شانلي أورفة" التركية حالياً، التي كانت مقصد كل شاب طامح، يطلب الرزق آنذاك، فمرّ بمدينة "الرقة"، وجلس بمضافة الشيخ "محمد الذياب"، شيخ "العفادلة"، وعندما عرف أنه ينتسب إلى شيوخ "العكيدات"، ويتقن القراءة والكتابة، ويعرف الحدادة ويتقنها، طلب منه البقاء في ديرته، ليعينه في ضبط حسابات الأراضي، التي كان يعمل بها لقاء مال مقطوع للحكومة العثمانية.
وافق جدنا على المكوث في ديرة "العفادلة"، وكان إضافة لعمله في ضبط حسابات الأراضي، يرتزق من عمل الحدادة، والتي كانت تسمى قديماً "البيطرة"، لذلك سميت عشيرتنا بـ"البياطرة"، كناية عن عمل جدنا "عبد الرزاق" بـ"البيطرة"، وأراد الشيخ "محمد الذياب" أن يوفر له ظروف الاستقرار، فعرض عليه الزواج من إحدى فتيات المنطقة، فطلب منه جدنا أن يزوجه أخت زوجته، وكانت من عشيرة "الغانم الظاهر"، إحدى عشائر "العفادلة"، وليصبح بذلك عديله، فقال له الشيخ: إن أخت زوجتي امرأة عضباء، فرد عليه: لا يهم ذلك ما دمت سأصبح عديلاً لك، وكان اسم المرأة "حربة"، ولذلك لقب أفراد عشيرة "البياطرة" بـ"أخوة العضبا"، وصارت نخوتهم "أخوة حربة"».
ويتابع "الحمادة" في السياق ذاته، قائلاً: «برزت عشيرة "البياطرة" كعشيرة لها مكانتها الفاعلة عندما أصبح الشيخ "فيضي الفواز" شيخاً لها، وكان "الفواز"، ومجموعة من أقاربه قد استقروا بمدينة "الرقة" منذ بداية تكوّنها، وهناك لوحة حجرية تبين تاريخ إشادة بيته، الذي يعود إلى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، ويقع في وسط المدينة، منطقة "السبع دربات" بين حي "العجيلي"، وحي "البليبل"، مما يدل على أن آل "الفواز"، وبعض أفراد "البياطرة"، كعائلة "الحاج" وغيرهم من أوائل من سكن مدينة "الرقة"».
ويتابع "الحمادة" سرد حكاية استقرار عشيرة "البياطرة"، وبناء مضافتهم في مدينة "الرقة" قائلاً: «بعد هجرة "الشراكسة" من مدينة "الرقة" إلى بعض المدن السورية الأخرى، بدؤوا ببيع منازلهم ، فوجدها الشيخ "فيضي الفواز" مناسبة لجمع أفراد عشيرته المتفرقين في أنحاء المنطقة، فحلّوا محل "الشراكسة" بعد أن اشتروا منازلهم بدءاً من عام /1920/م، حيث بدأ عدد "الشراكسة" يتناقص، وعدد أفراد عشيرة "البياطرة" يزداد، حتى أصبح الحي الذي يقطنوه بحي "البياطرة".
ومن المعروف أن العشائر تعتز بوجود مضافة لها، حيث يجتمع أبناء العشيرة للسمر ليلاً، واستقبال الضيوف وإيوائهم، وتدارس أمور العشيرة، وحل النزاعات والخلافات بينهم، أو بينهم وبين العشائر الأخرى، لذلك بنى الشيخ "فيضي الفواز" مضافته الكبيرة في منزله، الكائن بالقرب من منزل الدكتور "عبد السلام العجيلي"، وكانت عبارة عن صالون كبير، يصل طوله إلى أكثر من /15/ متراً، وبجواره من جهة الجنوب فسحة سماوية، جعل لها "دجّّة"، وهي عبارة عن مصطبة بارتفاع متر تقريباً على شكل صندوق مفتوح، تستخدم صيفاً، والصالون شتاءً، وظلّت قائمة إلى حين وفاته، حيث هُدمت، وبنى ولده "محمد أمين" منزلاً حديثاً عوضاً عنها.
انتقلت مشيخة "البياطرة" ومضافتها إلى الشيخ "محمد صادق الفواز" /1910 ـ 1985/، ابن الشيخ "فيضي الفواز"، حيث كانت له مضافة في حي "البياطرة"، مقابل جامع "الشراكسة" من جهة الشرق، وبقيت عامرة إلى بعد وفاته بعدة سنين، إلى أن هُدمت وبني في موضعها بناية طابقية لأولاده. وبشكل عام، فكل عشائر مدينة "الرقة" حالياً لا يوجد لها شيخ واحد معروف بعد وفاة شيوخها السابقين، وينسحب هذا الأمر على عشيرة "البياطرة"، التي لم يعد لها شيخ بعد وفاة شيخها الشيخ "صادق الفواز"، وذلك بسبب تغير البنية السكانية والعادات الاجتماعية، من خلال تطور المدينة المتسارع، حيث لم يعد الجيل الحالي في المدينة يقبل بفكرة وجود شيخ يتحكم بأمور العشيرة، وبقيت الرابطة القوية التي تجمع أفراد عشيرة "البياطرة"، هي التجمع أثناء الانتخابات، أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، والأعياد الدينية، وفي حال دفع الدية، أو توزيعها على أبناء العشيرة، كما أن لهم أرضاً زراعية واسعة تجمعهم في مكان واحد، يقع شمال مدينة "الرقة"».
وحول أهم الشخصيات البارزة في عشيرة "البياطرة"، يتحدث "الحمادة"، قائلاً: «من أهم الشخصيات، الشيخ "فيضي الفواز" /1889 ـ 1973/، الذي يعتبر من أوائل المتعلمين في المنطقة، حيث درس في المدرسة "الرشدية"، ثم أكمل تعليمه في مدينة "استانبول"، وتسلم مناصب إدارية كثيرة، من أبرزها وأهمها، مدير المخابرات في منطقة "الرقة"، وقد أرسل الملك "فيصل"، ملك سورية في عام /1919/م كتباً إلى شيوخ العشائر الوطنية، ومن جملتهم الشيخ "فيضي الفواز"، يحث فيها العشائر على التعاون مع "قائمقام" "الرقة" آنذاك "رمضان باشا الشلاش" بتوطيد الحكم العربي، وكان "الشلاش" من أقاربه، إذ ينتمي لعشيرة "البوسرايا"، وهي إحدى بطون "العكيدات"، فأصبح اليد اليمنى لقريبه أمير اللواء، وساهم بحكمته وحنكته مع رؤساء العشائر الوطنية الأخرى بتوطيد الحكم العربي في "الرقة". وكان قبل ذلك قد تمتع بدور كبير في احتضان واستقبال الأرمن، خلال السوقيات التي حدثت عام /1915/، وكان مسؤولاً عنها في المنطقة، لكنه قدّم الحماية والأمان للأرمن، ونتيجة لذلك انزعجت منه الحكومة العثمانية، وأحيل إلى المحكمة العسكرية في حلب، التي حكمت عليه بالإعدام، ولم ينفذ الإعدام بسبب تدخل بعض الشخصيات المتنفذة هناك، ومنهم محاميه "لطيف غنيم"، وعند دخول فرنسا إلى سورية، استقال من وظيفته، لأنه لم يرغب بالعمل مع حكومة كافرة، إذ كان رجلاً متديناً إلى أقصى حدود التدين، ويشهد على ذلك المسجد الذي بناه في عام /1962/ في وسط شارع "القنيطرة"، المعروف بشارع "تل أبيض"، والذي يضم مرقده.
ومن الشخصيات الهامة، ولده "حسين فهمي الفواز"، الذي يعتبر أول محام من أبناء "الرقة"، وأول قاض، وأول محافظ، إذ أصبح محافظاً لمحافظة "الحسكة" عام /1961/م، ومن شخصياتهم أيضاً، الشيخ "صادق الفواز"، الذي أصبح شيخاً لعشيرة "البياطرة"، أثناء وبعد حياة والده "فيضي الفواز"، وهو أول حامل لشهادة الدبلوم الزراعي من مدرسة "السلمية الزراعية، عام /1930/م، وهي بمثابة "البكالوريس" في الزراعة في وقتنا الحالي، ومنهم أيضاً والدي "فرحان الحمادة" /1918 ـ 2003/م، وكان يعمل في حقلي الزراعة والتجارة، وعرف بورعه وتدينه، وهو أول نائب لرئيس غرفة التجارة، التي تأسست في "الرقة" عام /1962، كما كان عارفة، يلجأ إليه أهل "الرقة" لحلِّ نزاعاتهم وخلافاتهم، وكان الناس يقبلون أحكامه دون تردد، لثقتهم بإنصافه وحسن خُلقه ودينه، كما عمل في الحقل السياسي بنشاط كبير، وله مواقف وطنية مشرفة.
ومن وجهائهم المختار "عبد اليوسف النجم"، الذي أنتخب عضواً في الاتحاد القومي، عن مدينة "الرقة"، عام /1958/، أيام الوحدة بين مصر وسورية، وكذلك "عبد المصارع. و"عبد الله غالب"، الذي أصبح مديراً للأوقاف، وبرز منهم في حقل الثقافة والأدب، الباحث "محمد عبد الحميد الحمد، و"حمصي فرحان الحمادة"، والشاعر "نجم الدرويش"، و"حبيب البشير"، كما كان أول مدير لمتحف "الرقة" من أبناء العشيرة، وهو الأستاذ "أحمد الحاج"، وفيهم الكثير من الأطباء والمهندسين والمحامين، وأصحاب الشهادات العليا، وأشهرهم: الدكتور "مروان الفواز"، وهو مدير عام التجارة الخارجية، والدكتور "أحمد فائز الفواز"، والدكتور "أسعد الفواز"، ويحمل شهادة الدكتوراه في الاقتصاد، ويعمل أيضاً أستاذاً في كلية الاقتصاد، جامعة "دمشق"، والدكتور "إسماعيل العبد اليوسف النجم"، والدكتور "عبد الله المصارع"، وهو من كبار أطباء القلب في فرنسا، والدكتور "حازم حمصي الحمادة، الأخصائي بالقلب، والمقيم في إنكلترا، والدكتور "وائل فرحان الحمادة" المقيم في النمسا، والدكتور "زين العابدين محمد الحمادة"، المقيم في السعودية.
ومن المحامين، الأستاذ "خلف الدرويش"، الذي انتخب عضواً في مجلس الشعب لدورتين، و"فواز الفواز"، الذي يعمل قنصلاً لسورية في قبرص، ومحمد فرحان الحمادة، و"ضرار عبد اليوسف النجم"، وغيرهم، ومن المهندسين، المهندس "محمد ياسر الحمد"، مدير الخدمات الفنية في "الرقة" حالياً، والمهندس "عبد الحميد العبد اليوسف النجم"، وهو من الفنانين الضوئيين، وأحد الباحثين في مجال العمارة، والمهندس "سعد الدين الحمادة"، والمهندس الزراعي "عبد اللطيف الحاج"، وغيرهم ممن لا يتسع المجال لذكرهم من الأطباء والمحامين والمهندسين والمدرسين، وأصحاب الشهادات الأخرى، حيث عُرف عن أبناء العشيرة حبهم للعلم والتفوق.
وأشتهر قسم كبير من أفراد العشيرة بحبهم للخيول العربية، حيث كان لهم مربطاً للخيول العربية، يربونها ويرعون شؤونها، ويقيمون سباقات لها في المناسبات والأعياد، وكان من أشهر فرسانها "حمولة المطر"، وشقيقه "خطاب المطر"».
وعن مواقف العشيرة، يختتم "الحمادة" حديثه، قائلاً: «ساهمت العشيرة، ممثلة بشيخها "فيضي الفواز" بمقاومة الاحتلال الفرنسي من خلال انضمامه إلى حكومة الحركة الوطنية، التي ترأسها أمير اللواء الشيخ "حاجم بن مهيد" في عام /1921/، كما ساهمت العشيرة بانتفاضات أهل الرقة ضد الفرنسيين، وخاصة في عامي /1941/ و/1945/م، حيث فرَّ أبناء العشيرة العسكريين من الخدمة الفرنسية، وانضموا إلى ثوار "الرقة"، بقيادة أحد أفرادها، وهو السرجنت "إبراهيم المطر"، وكان حيهم من أكثر الأحياء تضرراً، حينما قُصفت مدينة "الرقة" في عام /1945/ بالمدفعية والطائرات، وسُميت هذه الضربة بضربة "جرمانوس"، وهو ضابط فرنسي من أصول سورية، ومن الطريف أن زعماء الأحزاب السياسية في "الرقة" عند بداية تشكلها كانوا من عشيرة "البياطرة" على اختلاف توجهاتهم السياسية».