حمل الفنان السوري "بهرم حاجو" ما يقارب 30 لوحة من مخزون تجربته ذات السنوات الطويلة، الممتدة ضمن اتجاه التعبيرية الألمانية الجديدة ليوشي بها في وطنه أسراراً كتمها سنيناً حتى نضجت لونياً، فتروي اليوم سطوح لوحاته القماشية ذات الحجوم الكبيرة والمتوسطة سيرة حياته أو مشاهدات تلقاها بصرياً من حوله كما يقول: «أصور في أعمالي مخزوني الحياتي من خلال حالات وأحداث أثرت بي دون أن أكون أحد أبطالها بالضرورة، وهي تعبر عن منظوري الخاص للأشياء».
تمحورت مضامين لوحات "حاجو" حول علاقة المجتمع مع "المرأة" وارتباطها الزوجي بشكل خاص، وبالرغم من تكراره ملامح رجل واحد وامرأة واحدة إلا أنه تمكن من اظهار خصوصية كل لوحة فخلق بين كائني العمل حوارات مطولة تمازج صداها مع الفراغات الشاسعة حولهما، ويقول عن اختياره لموضوع المعرض: «سلطت الضوء على العلاقة الاجتماعية ضمن العائلة بين الرجل والمرأة، وعملت على مقاربات تخص علاقة الزوجين خبرتها بداية في وطني ومن ثم في غربتي, وربما يتسع محور الأعمال ليمس وضع المرأة في المجتمع فحقوق المرأة لا تقارب حقوق الرجل وهو واقع متعلق بمختلف بلدان العالم».
"بهرم حاجو" من الأسماء السورية المعروفة، وقد وصل بتجربته إلى مراحل متقدمة وحقق حضوراً عالي المستوى على الصعيد العالمي
جذبت صالة "الآرت هاوس" لزيارة معرض "بهرم حاجو" فنانين من أجيال ومناهج فنية مختلفة، ومن الحضور التقينا الفنان التشكيلي د."خالد المز" يقول: «الحداثة التي تقدمها هذه الأعمال ودراستها للعلاقات الإنسانية مهمة للغاية خاصة باعتماد الفنان على التلخيص والتخطيط المدروس, فاستفادته من قماش اللوحة كعنصر؛ أضاف قيمة رائعة للعمل، والفراغ خلف الشخوص زاد من حساسية العمل، أما المساحات اللونية كان من شأنها تقريب لوحاته الواقعية الحديثة التعبيرية إلى التجريد».
كما التقينا التشكيلي السوري المغترب في الإمارات العربية "سهيل بدّور" وحسب قراءته للفنان وأعماله يقول: «"بهرم حاجو" من الأسماء السورية المعروفة، وقد وصل بتجربته إلى مراحل متقدمة وحقق حضوراً عالي المستوى على الصعيد العالمي».
يضيف: «"بهرم" أمين لذاكرته النفسية، الإنسانية والاجتماعية، كما أن لوحاته معاصرة تتحدث عن مرحلتها, ويشتغل أعمالاً تشبهه إلى حد بعيد على الصعيد الإنساني, أعماله صريحة، واضحة ينفذها بتلخيص عالي وبدون "فزلكات" على سطح اللوحة أو حتى بمعنى العمل، فهو يدرك تماماً ما سيقدمه وبالتالي يمتلك حلوله لذلك, فيتجه في لوحاته إلى ما يريد باختصار شديد, أما كونه يعمل على الجانب النفسي العميق نجده يمزج التراب مع اللون, انطلاقاً من رغبته بتقديم الكائن البشري المتعلق بتراب الأرض وهذه هي تقنية "بهرم" التي تخصه بفرادة مميزة».
من "ألمانيا" حضر الفنان المغترب "جكو الحاج يوسف"، صديق ومتابع لتجربة "بهرم" مذ ما يزيد عن الثلاثة عقود كما حدثنا، ويقول عن المعرض: «أعتقد أن الموضوع الذي يعمل على تجسيده جديد تماماً من حيث الفكرة والاشتغال عليها تشكيلياً, فهو يتحدث عن علاقة إنسانية وحميمية ذات مخزون حياتي وفني عميق من خلال ألوانه وأفكاره المستمدة من بيئة وتجربة معينة بعد أن رسخت في مخيلته، ليحاول الآن بطرق عديدة إسقاط تلك العلاقات على سطح اللوحة بطريقة تعبيرية وتجريدية مميزة، وأعتقد أن هذه الأعمال تمثل قيمة مضافة هامة ضمن حركة فننا السوري وسيهم الكثير من فنانينا الشباب اكتشاف "بهرم" الذي امتلك تقنياته وأسلوبه الفريد الغير قابل للتقليد إلا من قبله».
لم يلجئ "بهرم" إلى الرموز في لوحاته بل اعتمد التعبير الصريح من خلال شخوص تبدو واقعية رغم تجردها من تفاصيل كثيرة، وكأنها توجه المشاهد إلى نقاط ارتكاز الفكرة وتحميه من التشتت.
التقينا "محمد الجالوس" تشكيلي أردني ويحدثنا: «هذه الأعمال تشبه روح "بهرم" بشفافيته، فهو يقدم السهل الممتنع من خلال الاختزالات التي أغنت سطح اللوحة، ليتحدث من خلالها بطرق بسيطة لا تتعب القارئ، وتظهر قدرته التشخيصية العالية عبر قدرته على صياغة تشريح الجسد، إضافة إلى إمكانياته الهائلة في تطويع الطاقة التعبيرية لخدمة موضوعه "الرجل والمرأة"، فتصنف بذلك أعماله تحت المدرسة التعبيرية ذات الشحنة العاطفية والشعرية العالية».
ألبس "حاجو" شخوصه أزياء بسيطة ذات ألوان لافتة غلب عليها البرتقالي وخصص لها مساحات في الخلفية واسعة ذات ألوان حيادية كالرماديات لا تجذب قارئ اللوحة وتصرفه عن العنصر العمل الأساسي، يوضح لنا التشكيلي "بهرم حاجو" دراسته اللونية لأعماله ويقول: «حاولت إظهار قماش اللوحة كمفردة بصرية خاصة، ومنحها تأثيرات خاصة بإدخال بعض المواد العضوية عليها، وباعتبار أن التكوين هو العنصر الأهم لدي فلم أعتمد على اللون كعنصر أساسي بدليل استخدامي للون الرمادي, أما الألوان القوية أردت منها شدّ عين المتلقي إلى بؤر معينة تحمل تعبيراً خاصاً، وبشكل عام الألوان في اللوحة تأتي عشوائية وتنطبق على نفسيتي عند العمل، فأدرس موضوعي في اللوحة وأغطي الألوان التي لا تروقني بعد وضعها فتتغير ألواني وأخبئ القديم منها ومعها أخبئ مشاعري التي اختلفت أثناء رسم اللوحة, ومن جهة أخرى عمدت إلى تصوير الجسد العاري لأني لا أريد أن أجمل اللوحة فالإنسان العاري هو شخص من غير حماية، أما الفراغ الكبير الذي استندت إليه شخوصي فهو مرآة لبعدي عن الوطن».
بنهاية حديثه معنا يقول التشكيلي "بهرم حاجو" ملخصاً رسالته الفنية: «أعبر في لوحاتي عن قضية اجتماعية، فالفن عبارة عن رسالة يوصلها الفنان للمتلقي ليؤثر عليه, وغاية رسالتي كانت أن يدرك متلقي هذه الأعمال أنها تشبهه إلى حد ما، ويبحث عن نفسه ضمن مواضيعها».