الكوميديا الساخرة كانت ولاتزال عشقاً أبدياً لكل رواد المسرح صغاراً وكباراً.. شباباً وشيباً، فهي التي تصنع تلك الابتسامة المجبولة بالألم الكامن في النفوس التي تخفيه خشية أن يؤدي إلى خدش المشاعر الإنسانية، الألم الذي يتجاهله الناس أملاً بنسيان منغصات الحياة وآلامها وصعوباتها، لكنَ الكوميديا الساخرة التي قدمتها فرقة المسرح الجامعي في "إدلب" لم تجسد ألم الأحياء بقدر ما جسّدت ألم الأموات الذي ولّده الأحياء في مسرحية كوميدية كانت صرخة البداية لمهرجان الكوميديا المسرحي الذي تحتضنه محافظة "اللاذقية" ويرعاه السيد وزير الثقافة.
موقع eSyria كان حاضراً لأول عروض مهرجان الكوميديا المسرحي والتقى مخرجه الفنان "إبراهيم سرميني" الذي تحدث قائلاً: «نحن جزء من فرقة المسرح الجامعي فرع "إدلب" نسعى إلى التطرق للشوائب الموجودة في المجتمع من خلال المسرح الكوميدي فهذا الخط هو الطريق الذي اخترناها جميعاً لكي نكون شباباً فعالاً بعيداً عن المجتمع التقليدي أو المجتمع الفارغ الذي لا يهتم إلا بالمظاهر المستوردة، العرض يحكي عن رجل كره الحياة لذا اختار الموت علّه يكون خلاصاً من نحس الحياة وظلمها فتفاجأ بأن كوارث ما بعد الموت أقسى من مصائب الحياة فهي تحمل الألم الجامد في طياتها وهي كوارث حقيقية لا ترتبط بالميت فقط بل بمن أساؤوا معاملته في مرحلة الانتقال من الشارع الذي توفي فيه إلى المقبرة».
كل أعضاء الفرقة آمنوا بفكرة العرض وبالمسرح الذي قدمناه مما سهل إيصال الأهداف والأفكار المرجوة منه وعلى رأسها فكرة أن يكون الموت خلاصاً بحق
ويضيف "سرميني": «كل أعضاء الفرقة آمنوا بفكرة العرض وبالمسرح الذي قدمناه مما سهل إيصال الأهداف والأفكار المرجوة منه وعلى رأسها فكرة أن يكون الموت خلاصاً بحق».
مسرحية "الحمار الميت" مأخوذة عن رواية تركية للكاتب "عزيز نيسين" وقامت بإعدادها "ريم العبو" وهي تتحدث عنها بالقول: «حاولت خلال إعداد الرواية ألا أفقدها روح كاتبها الأصلي لكن حاولت الانتقال بالرواية من الورق إلى خشبة المسرح بسيناريو جيد يترجم بالطريقة المطلوبة ويعالج القضايا الاجتماعية الموجودة في مجتمعنا لكي يكون تفاعل الجمهور مع المسرحية حقيقياً ومتفهماً لدورها الذي لا يهدف إلى الضحك فقط بل يهدف لعكس آلامهم ومشاكلهم بطريقة كوميدية ساخرة».
كما كان لنا وقفة مع الفنان الشاب "مهدي خيزران" الذي تحدث عن مشاركته بالقول: «قدّمت المسرحية مجموعة من اللوحات الساخرة تراتبت خلف بعضها البعض لكي توصل المشاهد إلى المشهد الأخير الذي شكل بالنسبة لي خلاصة المسرحية فظهرت فيه الرغبة بتحقيق المساواة في عالم ما بعد الموت ولو كانت هذه المساواة بأبسط الحقوق عبارة عن مساواة في نوع القبر ونوع سيارة الإسعاف وحضور الناس لتقديم واجب العزاء فالناس سواسية ولا يختلف أحدهم عن الآخر، كما اختلفت المسرحية عن باقي المسرحيات بأنها كوميديا من الواقع وليست كوميديا تهريجية تسعى للإضحاك بدون هدف أبعد من العرض».
الفنان "محمد بيطار" الذي لعب دور الميت في المسرحية تحدث لنا قائلاً: «دور الميت كان صعباً جداً ففي ظل هذا الكم الكبير من السخرية والمواقف المضحكة من الصعب أن تستطيع تمالك نفسك ومنعها من الضحك فكان الجمود صعباً جداً لذا حاولت الشعور بالموت الحقيقي أكثر من إحساسي بالكوميديا، الموت والكوميديا في مسرحية يعني التناقض على مسرح يستوعب كل شيء مسرحي يمكنه تحويل الدموع إلى ضحكات تزين وجوه الجماهير وتأخذهم إلى الحقيقة بسخرية مضحكة مبكية، لذا فأنا أجزم أن هذه المسرحية هي من أجمل الأعمال التي قدمناها وكانت متكاملة في كل شيء بدءاً من العنوان المميز الذي حملته حتى المشهد الأخير».
فيما يقول الفنان "مهند صوان": «المسرح هو الذي يستحضر الفرح والأمل وهو الحياة الحقيقية بوجهها الآخر وهذا ما سعينا لتقديمه، الوجه الآخر للموت الذي لا يعرفه أحداً، فكان العمل ممتعاً بالنسبة لنا كمجموعة هواة تسعى لإخراج الابتسامة من قلوب الناس».
المسرحي العتيق "حسام تحسين بك" كان أحد مشاهدي المسرحية لذا استوقفناه مع نهاية العرض وسألناه عن رأيه فأجاب: «المسرح أبو الفنون والشباب اليوم قدموا جهداً مقبولاً حاكوا فيه وجعنا بطريقة تختلف عن المسرح الذي قدمناه نحن سابقاً فهي أقل جرأة وحرية وأقل ملامسة للأمور المصيرية نظراً لاختلاف القدرة التمثيلية لدى الجيلين، هؤلاء الشباب مازالوا في بداية المشوار وهم بأمس الحاجة لتطوير أنفسهم وهذا ليس معيباً بالنسبة لهم فلا أحد يخلق محترفاً، بل العمل هو الذي يوجد الاحتراف لذا أنا أدعوهم للاستمرارية لأنها السبيل الأمضى لتطوير أدائهم وأفكارهم».
وختم "تحسين": «الكوميديا تعني كل شيء بشرط أن يكون مضمونها نابعاً من هموم الناس الحقيقية فهي سيف ذو حدين، يبكي ويضحك الجمهور من أجل معالجة القضايا المهمة بالنسبة للناس، وللأسف لم يعد لدينا مسرح كوميدي وأغلب الممثلين اهتموا بالتلفزيون على حساب المسرح بحثاً عن المردود المادي».