الكرم, والجود, والسخاء مفردات يستخدمها العامة كمرادفة لكلمة طيب ويلتقي الطيب الجود مع الطيب العطر في سبل متعددة أولها إنهما مستحبان.

يذكر أن "النعمان بن المنذر" قال يوماً لجلسائه: «من أفضل الناس عيشاً, وأنعمهم بالاً, وأكرمهم طباعاً, وأجبلهم في النفوس قدراً؟ فسكت القوم. فقام فتىً فقال: أبيت اللعن أفضل الناس من عاش الناس بفضله».

من أفضل الناس عيشاً, وأنعمهم بالاً, وأكرمهم طباعاً, وأجبلهم في النفوس قدراً؟ فسكت القوم. فقام فتىً فقال: أبيت اللعن أفضل الناس من عاش الناس بفضله

ويحكى أن "حاتم الطائي" عندما مات عظم على طيء موته، فأراد أخوه أن يخلفه، فقالت له أمه: «هيهات شتان والله ما بين خليقتيكما, وضعته فبقي والله سبعة أيام لا يرضع حتى أطعمت إحدى ثديي طفلاً من الجيران, وكنت أنت ترضع ثدياً ويدك على الآخر فأنّى لك ذلك».

المومي حوري العساف

ويقول المثل الشعبي: «من خليت بليت» أي الدنيا.

و"المومي"، "حوري العساف الهزبر"، يرجع نسبه إلى "مدلج الظاهر"، من عشيرة العفادلة الشعبانية الزبيدية، التي تقطن وادي "الفرات"، ولد في "الرقة الحمراء"، في العقد الثامن من القرن التاسع عشر، وتوفي في العام /1983/، عن عمر يناهز المائة عام، لكنني لم التقِ به قط مع أني عاصرته طفلاً وكنا نعيش في حيين متقاربين. عُرف "المومي" بهذا الاسم لأنه كان يومئ للمارة. يدعوهم إلى الطعام وكان لا يسمح لأحد بالمرور قرب بيته إلاّ واجبره على المرور عليه أو تزويده بزادٍ يكفيه مؤونة الطريق.

وكان يقدم القرى لحماً خالياً من العظام وعندما لا يجد من يجود عليه فإنه يحمل أرغفة الخبز ويدوج بها على المارة والسقاءين في الحقول.

ويذكر إنه ذهب ذات مرة إلى مدينة "دير الزور" عندما كانت "الرقة" قضاءً تابعاً لها ومرّ على الحلاق ليحلق شعره, وبينما هو يحلق إذ قدم إلى المحل الحلاقة رجل أنيق، فطلب الحلاق إلى "المومي" أن ينهض عن الكرسي حتى يحلق الأفندي. وفق توصيف الحلاق ففعل الرجل ما طلب إليه فنهض وذهب إلى حلاقٍ مجاورٍ، فطلب إليه أن يتمم حلاقته ففعل، وعندما انتهى الحلاق من الحلاقة طلب منه "المومي" أن يمد ثوبه، ففتح "المومي" كيس الليرات الذهبية التي كان يحملها وصب ما فيه للحلاق، وغادر بعد أن همس إلى الحلاق الأول قائلاً: دع الأفندي ينفعك.

تناقل الناس جود "المومي" وذاع صيته الذي وصل إلى العراق، من خلال العشائر والأقوام المهاجرة، حتى وصلت الحكاية للأسطورة، التي تقول بأنه فتح ساقية تحمل المرق واللحم والسمن من المطبخ حتى المضافة، وهناك لازمه لأغنية شعبية عراقية تقول:

قومي يا يمه قومي/ قومي نسيّر عالمومي

حاول بعض أقاربه تقليده ولم يتمكنوا من ذلك.

يحكى أن أحدهم ذهب إلى مدينة "الموصل" العراقية، وجلس في أحد المقاهي، وعندما انتهى من ارتشاف القهوة نادى إلى عامل المقهى، فقال له تعال وهاك حساب الزبائن كلهم, فقام إليه أحد زبائن المقهى.

وسأله: من أين أنت؟ يبدو عليك غريباً.

فاخبره انه من مدينة الرقة السورية .

فقال له الموصللي: "المومي" من عندكم؟

فقال: نعم.

فقال له: اذهب واكرم في بلادك وسيصل صيتك إلينا.

هذه بعض حكايات المومي وليس كلها

ذلك الجواد الطيب الذي بقي ذكره وأمسى مضرباً للأمثال والذي اتخذ من الجود نهجاً وانفق مما أحب.

يقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (ولن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون))

وقال (ص) عليه وسلم: ( تجاوزوا عن ذنب السخيّ فان الله آخذ بيده كلما عثر, ومانح له كلما افتقر).

وكان بذلك "المومي" صورة من صور الخلق العربي النبيل الجواد الذي يتحلى به كل من أحب العربية والعروبة زكيّاً بذكراه العذبة. ورائعاً بصورته الجميلة المترسخة في ذهن كل من عاصره وسمع به وربما عرفه وجهاً لوجه.

المراجع :

  • القرآن الكريم سورة آل عمران (92)
  • - المستطرف – الأبشيهي