"عثمان موسى" فنان تشكيلي سوري، يتميز بمهارة التصوير الواقعي، حيث يتخذ من عناصر الطبيعة الصامتة وبعض الأدوات التراثية محوراً للتشكيل، يتأملها.. يتعايش معها.. ثم يعيد بنائها بصياغة واقعية أخرى خارجة من الجمود وقادرة على الحوار الحسي، وقد تسمى بتشريحها وظلالها وضوئها إلى ما فوق الواقعية بإدخاله عنصر الوهم البصري مع لمسات تجريدية خفيفة تتوزع بصفائها اللوني على مسطح العمل.

esyria ورغبة في التعمق ببوح الرؤية الحداثية في التشكيل الواقعي للفنان "موسى"، زاره بتاريخ 14/3/2009 في معرضه المشترك مع الفنان التشكيلي السوري "أسعد عرابي" في غاليري "أيام ـ دمشق"، وكان الحوار التالي:

أنا أعتبر الظرف الذي أعيشه مهما بلغت صعوبته أفضل الظروف، والأجدر بي أن أستغله بأفضل السبل و الإمكانيات

  • ما هو أساس مشروعك البصري، وبالأخص مسألة الخداع البصري؟
  • الفنان التشكيلي "عثمان موسى"

    ** في البداية خضع مشروعي البصري إلى تجربة إنطلقت من الواقعية، وهي أقرب الأشياء للتعبير بالنسبة إليّ كونها تحمل أبعاداً ورموزاً، فالرمزية مهمة جداً لعناصر الطبيعة الصامتة . أنا أرى أن الأدوات من الممكن أن تمثلنا من خلال تعاملنا معها لذلك تكون محاولتي لإبراز الجمال المكنون داخلها، لأني أرى أن أي عنصر في حياتنا يحمل الجمال حتى الناس.

    أما موضوع الخداع البصري، فهو فسحة حوارية للمتلقي حتى لا يقع في مشكلة الجمود مع التكوين وأقصد إشكالية الثقل الزائد فيه، وغايتي من ذلك إحداث متنفس للمتلقي في اللوحة حتى يشعر بحيويتها وحركتها، وما عنصر الخداع البصري فيها إلا دعابة لمخيلته، وأنا أحتاجها كونها عنصر أساسي في الخلفية وتحرك الهواء والضوء والظل، كما أنها ربط للعين عليها بحيث أتجاوز سطحها إلى داخلها. بمعنى أدق نستطيع رؤية البعد الثالث في موضوعها بشكل أدق.

    من لوحات معرض"حوار بصري"

  • من يتعمق في معرفة شخصيتك يرى أنك تتمسك بجوهر الأمور أي أنك تفضل العمق على الظاهر؟
  • ** نعم، فبقدر ما يحوي هذا الواقع من آلام وقهر إلا أنني أسعى إلى كشف مواطن الجمال فيه، ومن هنا تبدأ عملية التغيير بشرط أن لا تدفعنا أحلامنا للخروج عنه بعيداً في فضاءات الوهم.

    من لوحات المعرض 2009

    الحلم أساسي ومحرك للعمل، إنه دافع للحياة ولكنه يتحقق بالواقع مع الجد والتجربة وليس بمجرد الحلم، وفي هذا الصدد تحضرني مقولة لأحد الكتاب: «أنا أعتبر الظرف الذي أعيشه مهما بلغت صعوبته أفضل الظروف، والأجدر بي أن أستغله بأفضل السبل و الإمكانيات»، وهذا ما يدفعني للبحث في جوهر الأمور لا ظاهرها.

  • يبدو لمن يرى أعمالك أنك تحب رسم التراثيات الشرقية القديمة فماتعليقك على ذلك؟
  • ** بعض الأشياء التي أرسمها شرقية تراثية، لكني لا أحاول تسجيلها كتراث بل أبرز جمالها المكنون، لأني أعمل على إظهار بعدها التأثيري على البصر، فهذه العناصر ببساطتها الجميلة جذبتني إليها عبر رسمها في لوحة.

  • يرى البعض أن الواقعية الدقيقة في التشكيل هي عبارة عن نقل للواقع المرئي فقط ولا يحمل مضموناً فنياً أو رسالة بصرية إبداعية، هل توافق على هذا الرأي؟
  • ** من يرى لوحتي يعرف أني لا أحاول أن أكون كاميرا فأسلوبي بعيد عنها، وظرف إنتاج اللوحة بكامل مراحلها مبني على الواقع الذي وجد فيه، ومثال على ذلك: العنصر الذي أرسمه يبقى أمامي منذ يوم رسم اللوحة حتى نهايتها، فإن كان الموضوع فاكهة فإنها ستنتهي حتماً حتى نهاية اللوحة، إذاً عناصر التشكيل أعايشها كل فترت الرسم، والفرق بيني وبين الكاميرا أنني أرسم بعينين وليس بعين واحدة، وهذا تبرهنه رؤية اللوحة، وإن قمنا بتصويرها فوتوغرافياً بالكاميرا من عدة زوايا سنجد فيها فرقاً وتغييراً، ولن نرى أو نلمس أو ندرك بعدها الثالث، وبالتالي العمل سوف يموت.

  • كيف تتشكل اللوحة لديك وماهي مراحل نضوجها؟
  • ** أنا في الأساس أتعب كثيراً كي أرى الشكل النهائي للوحة لأني واحد من هؤلاء الذين يستغرق إنجاز لوحته شهراً متواصلاًَ أو أكثر، ومرحلة النضوج تبدأ عندما يستفزني أحد العناصر بشكله ولونه وتكوينه فأتخيله كشخصية للرسم لتبدأ المجادلة بيني وبينه عن طريق رسم الكروكي، وبعد ذلك يبدأ بناء العنصر على اللوحة فتحدث بيني وبينه علاقة حوار، وبالتدريج تأخذ الألوان مساحة أكبر. قد أبالغ بلون أو بظل أو أغيّر في قياسات التكوين، إلا أن ذلك يعود إلى معايشتي للعنصر وما يوحيه إلي.

  • ماذا عن الصفاء اللوني البادي في لوحتك؟
  • ** إنه عائد إلى الشعور بالهواء والضوء وأنسنة الأشياء التي أرسمها، إضافة إلى حذري من إحداث تشويش بين عناصر اللوحة. ففي مرحلة سابقة استخدمت الكثير من العناصر مما انعكس سلباً على لوني وطريقتي في الرسم، لذلك صار التركيز لدي على عنصر واحد أو اثنين كي يظهر العمق الذي أتوخاه فيها فأعمالي هي مزيج من ألوان الطبيعة التي عشت فيها، لذلك فإن اللون يظهر فيها باللاشعور.

  • الطبيعة الصامتة موضوع معرضك للعام /2009/ في غاليري "أيام"، كيف وجدتها كجوهر وعمق لعملك التشكيلي؟
  • ** الطبيعة الصامتة في تصوري ليست صامتة إنها لوحة قائمة بحد ذاتها فيها البعد الإنساني الكامل، وإيجاد هذه الشعورية في اللوحة يعود إلى ثقافة الفنان وخبرته في استخدام اللون والعناصر الطبيعية لإظهار الإنسان خلالها كقيمة أدائية وجمالية، عندها يمكن للوحة أن تتحدث كأي لوحة عالمية بقوة وجرأة، فهي ليست مجرد لوحة لتزين صالون أو جدار بل إنها تمثل ثقافة كاملة في كتاب مفتوح يقرأ بالحس والبصر.

    حول أعمال الفنان، قال الناقد والفنان السوري "أسعد عرابي": «تبدأ رغبة "موسى عثمان" الملحة في تعرية الواقع من خلال ترتيبه لعناصرها في الواقع ثم إعادة لحمتها الفنية في تكوينات تصويرية يختارها من عناصر مثيرة قادرة على الإدهاش، مرسخاً هذه الإثارة في اعتماده على (الوهم البصري) مثل وضع سكين في إناء كريستالي متماوج.

    ببلوغرافيا الفنان

    -مواليد "الزبداني ـ ريف دمشق" عام /1974/

    -درس في مركز "أدهم إسماعيل" للفنون التشكيلية في "دمشق" عام /1999/

  • درس في معهد "وليد عزت" للنحت في "دمشق" عام /2000/

  • له أكثر من مشاركة في معارض محلية.

  • -عضو اتحاد نقابة الفنانين التشكيليين.