كاتبة وإعلامية متميزة ومخلصة لعملها تحدت كل الصعوبات واستمرت فحجزت ابنة حمص والمقيمة بطرطوس رشا النقري مكاناً في قلوب متابعيها عبر الإعلام الذي شغفت به وعاشت الألم والخوف، وحولته إلى إبداع أدبي وسرها في النجاح المرونة والقبول، ثم التكيف والجرأة في الحياة وأخيراً الإرادة والمثابرة.

بيئة عائلية محبة للعلم والتعلم

ما زلت طفلة تحب الفرح وكل ما هو جميل؛ طفلة ترفض الخبث هكذا بدأت رشا النقري الإعلامية والشاعرة حديثها لمدونة وطن قائلة:

الكاتبة رشا النقري خلال توقيع أحد مؤلفاتها

كنت أحب كل ما يتعلق بالفن أتسمر أمام شاشة التلفاز لساعات أحب وجوه الفنانين، وأقلد عارضات الأزياء وأضع أحمر الشفاه خلسة ككل الفتيات، ولدت في دمشق عام 1986 ووجدت نفسي في بيئة وعائلة تحب العلم والتعلم.

وأضافت: تابعت مراحل الدراسة كما يحب الأهل وتخرجت في جامعة حمص عام ٢٠١١ ترجمة لغة إنجليزية، ولكني كنت على قناعة بأن لي طريقاً آخر غير ما هو مفترض كالتدريس أو الترجمة مع احترامي الشديد لهذه المهنة التي ليس من السهل امتهانها، لكنها ليست طريقي فعند انتقالي للسكن بدمشق عام ٢٠٠٣، وتعرفي على المدينة أكثر كان الحلم يكبر فحالفني الحظ بدخولي الأكاديمية السورية للتدريب والتطوير وخضوعي لتدريبات بما يخص الإعلام لمدة سنتين كان ذلك عام ٢٠٠٩.

الاستاذ منذر يحيى عيسى رئيس اتحاد الكتاب العرب بطرطوس والكاتبة والاعلامية هويدا مصطفى

وتتابع حديثها: ومع تخرجي من الجامعة عام ٢٠١١ "دبلوم إعلام" شعرت أنني اقتربت مما كنت أشعر، ولكن في العام نفسه عام ٢٠١١ بدأت الازمة في سوريا وعانينا منها ككل بيت سوري، ولكن وجدت دعماً وتشجيعاً كبيراً من والدتي ووالدي، كذلك كان الزوج من خلال تفهمه للعمل الإعلامي فهو حاصل على شهادة إعلام جامعة دمشق وبنفس مكاني عملي.

وفي الوقت الحالي أحاول أن أكون مع وإلى جانب ابني، فهو ببداية حياته وخطواته الأولى دراسياً، فما زال هناك متسع في المستقبل لتحقيق ما أشعر، فأذكر مرة إحدى الأدبيات قالت: مع تخرج أبنائي من الجامعة أطلقت ديواني الأول.

الاعلامية النقري وبرنامجها الجديد وجوه وأماكن

مسيرة تحد في بلاط صاحبة الجلالة

أنا من حارات حمص، ولكن كان يشدني البعيد أرى نفسي دائماً في مكان أبعد وإلى اليوم أعيش هذا الشعور حسب رشا، وأضافت قائلة: دخلت عالم الصحافة خلال وجودي في دمشق عام ٢٠٠٣ بدأت أرى نفسي أقرب إلى ما أحب شغفي، كان التمثيل لكن الأهل لم يوافقوا الخطوة

وفي عام ٢٠٠٩ سمعت بوجود أكاديمية إعلامية في المزة سجلت بها، وحصلت على دبلوم إعلام منها عام ٢٠١١ تزامنا مع تخرجي من الترجمة اللغة الإنكليزية من جامعة البعث.

وأضافت: وجدت فرصة عمل بالمركز الإذاعي والتلفزيوني بطرطوس كمحررة عام ٢٠١٣، ثم معدة ومقدمة برامج عام ٣٠١٥ ومراسلة أيضاً، ثم عام ٢٠٢١ عملت معدة ومقدمة برامج إذاعية، إضافة لعملي بالتلفزيون، كذلك كان لي تجربة مع كتابة المقالات في عدة مواقع محلية وعربية.

وحالياً لدي برنامج على قناة فضائية بعنوان "وجوه وأماكن" وأجد به الفرصة التي انتظرتها، فالفكرة غير مقيدة بمجال معين كما أنا أحب الحياة من كل جوانبها.

وكان لي برنامج عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعنوان الحياة حلوة كطرح في فترة كان اليأس قد تملكنا من واقع اقتصادي صعب أثر في كل جوانب الحياة، فجاءت فكرة البرنامج من اشتراكي بمسابقة تحمل عنوان الحياة حلوة عبرت عن رأي أني أراها جميلة من خلال خلق الدافع والنظر للإيجابي، فالأحزان لا تتوقف، وكما قال الراحل الماغوط: علينا أن نكون أقوى من كل مرحلة من خلال السعي والاستمرار رغم التحديات.

وأوضحت رشا أن العمل الإعلامي في هذه المرحلة هو الأصعب بالنسبة لي ولمست هذا الشيء من خلال تصوير برنامج وجوه وأماكن،لقناة تلفزيونية "خاصة" فالأحداث التي تعيشها بلدنا أحداث لا يمكن توقع وموعد حدوثها هذا ينعكس على نفسية الناس ورغبتي بالعمل، ولكن أحاول أن أتجاوز كل المشاعر السلبية وأمضي من جديد لأوثق الجمال الموجود في الإنسان والأمكنة التي تملأ هذه البقعة الجغرافية "سوريا"، وأجد أن العمل بهذه المرحلة ليس مجرد عمل لكنه تحدي أقرأ مع بدايته بسم الله وحين العودة أقول الحمد لله.

كتابات تحمل وجع الحياة وألم الفراق والخوف

كنت بين دمشق وحمص حينها بدأت الحرب في سوريا عام ٢٠١١ ومع فقداني أخي وخالي بدأ شغف الكتابة، وبين كل هذه المشاعر خُلق الحرف، حيث لم أعد أقوى على البكاء، فكتبت مجموعة قصص عن واقعنا في الحرب بين الماضي والحاضر وما نحن في المستقبل.

وكانت أولى القصص ليلى تبحث عن الذئب في الغابة وتتالت بعدها القصص وبتشجيع من المتابعين كتبت الكثير من القصص رصدت الواقع ونظرتي للحياة وصدمتي ببعض أحداثها ثم توقفت مع بداية عملي الإعلامي في 2013، ومع عودتي كتبت اليوميات عن تلك المرحلة عبر موقع إلكتروني (الياقوت السوري) للزميل حاتم موسى الذي شجعني و نصحني أن يكون لي ديوان خاص كفكرة بعيدة جداً، لكنها أصبحت قريبة لأهمية توثيق المرحلة باعتبار الكتابات واقعية، ووجدت تشجيعاً لإصدار دواوين تحمل طياتها حروفي، حيث عدت للكتابة عام ٢٠٢٠ مع اجتياح فيروس كورونا عالمنا، فكان عنوان الديوان الأول "البكاء دفعة واحدة"، ثم الثاني "رصاص وقيصر"، ثم "عتمة روح" قيد الطباعة، وكل الإصدارات تتناول الواقع من كل جوانبه، فأنا لا أكتب إلا من واقع والألم هو محبرتي اكتب النثر والمقالة والقصة والرواية والومضة.

وتختم حديثها بالقول: كلما قررت أن اتوقف لا أجد نفسي في اليوم التالي إلا أقف من جديد.

وتتابع رشا كلامها بالقول: نعم الحياة قدرية مهما حاولنا أن تكون من تخطيطنا، وأشعر أني أعود للأدب مع كل خطب يحدث إن كان على المستوى العام أو الخاص حيث كتبت مرة

عندما تضيق بنا الأماكن

وتذهب منا الأزمان

وحدها الورقة تتسع لنا وبنا

وتختم: طموحي كبير وهو كتابة سيناريو مسلسل يعكس حقيقة الحياة من زاويتي فالحياة حلوة ما زلت أراها حلوة كلما أشرق الصباح ووجدت نفسي ومن حولي بصحة جيدة علينا أن نؤمن بالله ونعيش الحياة بإيجابية، فبعد الصيف الحار شتاء ينذر به خريف تتساقط أوراقه اليابسة

أيا يكن

وأنت تمضي في سلم حياتك

إن تعثرت قف أيا يكن

إن واجهتك الوجوه الصفراء ابتسم أيا يكن

إن أزعجتك الوشوشات أنصت أيا يكن

إن ابتعد عنك الأصدقاء اقترب أيا يكن

ومع كل هذا للحياة كن أنت ليس غير أنت أيا يكن وكن وكن وكن

حالة إبداعية وبصمة خاصة

وحول مسيرة رشا النقري الشعرية ترى الكاتبة والإعلامية هويدا مصطفى أن رشا قدمت عبر مجموعاتها القصصية /البكاء دفعة واحدة/ و/ رصاص وقيصر / مجموعة عناوين لحالات عاشتها، حيث استطاعت أن تقدم قصصها بين الخاطرة والقصة بأسلوب سلس ومفردات سهلة بعيدة عن التكلف وصور نسجتها بين الواقع والخيال، فتناولت عدة قضايا منها اجتماعية وإنسانية ووجدانية، حتى الحب تميز بحروفها التي تعكس عمق اللغة والإحساس الأنثوي الذي تميزت به الكاتبة ومن خلال حواري معها وجدت أنها تمتلك ناصية الحرف وأفقاً في صياغة الأحداث وترتيب الحروف بطريقتها التي تعكس من جمال روحها وقدرتها الإبداعية بنقل الواقع بدلالات ورموز تدل على قربها من الحياة بكل أشكالها وصورها.

وأضافت مصطفى..خلقت رشا لنفسها حالة إبداعية وبصمة خاصة بعالم الأدب حيث تمتزج حروفها بنور الحياة ورغم براعتها في كتابة القصة القصيرة جداً، والقصة القصيرة والمقالة، إلا أنها استطاعت أن تصل بعمق مفرداتها للمتلقي من خلال تصوير الواقع بمخيلة كاتبة مبدعة تميزت بشفافية الطرح وسلاسة المفردات وعذوبتها.

بدوره الأديب منذر يحيى عيسى رئيس اتحاد الكتاب العرب بطرطوس تحدث عن رشا النقري الكاتبة قائلا:

" رشا النّقري" إعلاميّة تتقن عملها في التلفزيون العربي السّوري، وقد أحبّت أن تنهل من منابع الفكر والثّقافة لتطوّر عملها، وهي تمتلكُ موهبة الكتابة، وبشعورٍ مرهفٍ حاولت نقل معاناة الوطن والمواطن وخصوصاً في ظروف الحرب السورية فكان الهمّ الوطنيّ والاجتماعي المحرّك الأساس لما كتبت في نصوصها التي تضمنها إصدارها الأول " البكاء دفعة واحدة" عنواناً لحالة القهر والمعاناة التي امتدّت عقداً من الزّمن، كما رصدت بشعورٍ مرهف بعض الحالات الانسانيّة المرتبطة بتفاصيل الحياة اليومية، وغياب مظاهر الحياة الاجتماعيّة بسبب الحرب والضائقة الماديّة ووباء "كورونا" والكوارث المختلفة التي رصدتها بحس الصّحفي المرتبط بوطنه وبالعالم.

وأضاف عيسى..بحكمةٍ تناولت رشا بعض المفاهيم الفلسفيّة وبعض التساؤلات عن الموت الذي أصبح حدثاً يومياً، وانحسار مراسم العلاقات الاجتماعية، ولم تغفل الكاتبة مناسبات مضيئة في حياتنا، وعيد الصّحافة والأقلام المضيئة، وشهداء الكلمة الذين وثّقوا الواقع المظلم وكانوا ضحيّته، والملاحظة الجديرة بالاهتمام هي تلك التّفاصيل الصّغيرة التي تترافق مع الحياة اليومية ومفرداتها والتي تطرقت إليها واستمر لديها فعل الكتابة كمحاولة للإسهام بإيجاد منافذ للضّوء في المجرّة المظلمة، ولا ننسى حنينها إلى الأمكنة " حمص" مدينتها، "دمشق" مكان دراستها، " طرطوس" وبحرها مكان عملها، كلّ ذلك بلغةِ الحياة اليوميّة، وبدون تكلّف ولا زخرفة ولا مبالغة.

وختم عيسى ..أتمنى لها في إصدارٍ قادمٍ أن تنعم في هذا البلد الواحد الموحد بالسّلام والأمان، لتجيء نصوصها أكثر فرحاً مزيّنةً بألوان قوس قزح.