"طوفان فلسطين" جداريةٌ شارك في تنفيذها مجموعة فنانين، تضامناً مع الفلسطينيين وتحيةً لأبناء قطاع غزة، بناءً على اقتراحٍ للفنان محمد الركوعي، المعروف بأعماله المُلتزمة بالقضية الفلسطينية، منذ اعتُقِل شاباً بتهمة المشاركة في عملياتٍ عسكريةٍ فدائية ضد إسرائيل، والتي أصدرت بموجبها أحكاماً بسجنه مدى الحياة، أمضى منها 13عاماً في مُعتقلاتها، ورسم خلالها 400 لوحة على وجوه المَخَدات، هرّب الكثير منها إلى عائلته وأصدقائه في الضفة الغربية وغزة، قبل أن يُطلق سراحه في عملية تبادل الأسرى عام 1985م (عملية الجليل).

عمل تطوعي

يقول الركوعي في حديثٍ إلى "مدوّنة وطن": "عندما كنت في المُعتقل الإسرائيلي، كان الحديث عن أي مظاهرةٍ أو إضرابٍ أو فعاليةٍ بسيطةٍ، هدفها التضامن معنا نحن الأسرى، يُسعدنا جداً ويُشعرنا بأن الآخرين يقفون إلى جانبنا، من هنا ظهرت فكرة الجدارية التي نُفِّذت خلال أسبوع في المركز الثقافي في أبو رمانة، حتى إن الفنانين المُشاركين تجاوبوا سريعاً مع الدعوة للعمل التطوعي، لصالح أهلنا في فلسطين، وتم تقسيم العمل الفني المرسوم بألوان الإكريليك إلى ثلاث لوحات، قمنا بتجميعها في المرحلة الأخيرة، بحيث وصلت أبعادها إلى متر ونصف × متر ونصف، وستُعلّق قريباً في سفارة فلسطين في سورية".

اختار كلٌّ من المُشاركين جزءاً من الجدارية، عبّر من خلاله عن مشاعره تجاه الأحداث في فلسطين عامة، وغزة خاصة، مُحاولاً التوليف بين أسلوبه والموضوع المطروح، ومن هؤلاء الفنان غسان عكل، الذي رسم السنونو كرمزٍ لحق العودة، ورأى في مشاركته تعبيراً عن كل فنان سوري، يقف بفنه وريشته ضد الكيان الإسرائيلي الظالم، يقول للمدوّنة: "هذا أقل ما يُمكن أن يفعله كل فنانٍ صادقٍ، أن يُقاوم بفنه وريشته وثقافته، ويقف بوجه هذا العدوان الغاشم على غزة، الفن سلاحٌ قادرٌ على الوقوف بوجه العدو، وفي هذه المرحلة يجب على كل فنان العمل على تفاصيل تتعلق بأطفال غزة وآثارها ومعالمها".

اثناء تنفيذ العمل

دلالة نضالية

الفنان محمد الركوعي

الفنان أحمد الخطيب، وهو مدير مركز "الفنان محمد الوهيبي" التربوي للفنون، رسم مسجد قبة الصخرة، يقول: "لطالما كان الرسم عملاً فردياً، ونادراً ما يتشارك أكثر من فنان في إنتاج لوحة، لكن تجربة العمل على جدارية من هذا النوع لها دلالة وطنية ونضالية، إضافة لكونها عملاً فنياً، حيث تضافرت الجهود بين الفنانين كما المقاتلين في ساحة المعركة يتقاسمون المهام"، يُضيف للمدوّنة: "تجربة العمل المشترك أضفت للفريق روح التشاركية التي ألهمتنا حالة من التآلف والانسجام والمتعة، كذلك حققت نتائج بديعة، تفوقت إخراجاً وتقنيةً ولوناً وموضوعاً على أعمالنا الفردية كلٌّ على حدة، لِما فيها من طاقة إيجابية، جمعتنا فيها محبة فلسطين ونضالنا كفنانين بالريشة واللون".

التقينا أيضاً، الفنانة زويا قرموقة، المهتمة بالخزف والمنمنمات الحجرية إضافة إلى الرسم، تحدثت للمدوّنة: "قضية فلسطين حاضرة دائماً في وجدان الفنانين السوريين، ومع أن المشاركة رمزية ووجدانية لكنها تعني لي الكثير، وفي الجزء المُخصص لي في الجدارية، استعدتُ الشرارة الأولى للأحداث الأخيرة في غزة، مع الإنزال المظلي للمقاومين، ورسمت فدائياً مع مظلته"، مُشيرةً إلى إن الملتقيات والمشاركات والمعارض الجماعية، تُتيح للفنان تطوير أدواته وطريقة تفكيره، عبر الحوار مع الزملاء والاطلاع على أساليبهم وطريقة عملهم. وهو ما أكّدته أيضاً الفنانة سوزان غرير، التي رسمت بوابة فلسطينية قديمة مع الخريطة الفلسطينية.

الفنانون المشاركون في الجدارية

الى زهرة المدائنِ

من المشاركين أيضاً، الفنان علي جروان، المعروف بالتزامه فنيّاً بالقضية الفلسطينية، إلى جانب محاولاته التنويع والإضافة بشكلٍ مدروس، كونه يُؤمن أن التمترس في مكان واحدٍ ومُحددٍ فنياً من دون أي جهدٍ أو تطوير، خطأ يجب عدم الوقوع فيه، يقول جروان "الفن الفلسطيني المُعاصر يختلف عما كان عليه مع انطلاق الثورة الفلسطينية، تزور معرضاً فتشعر بأن الثورة نابضة فيه، بكل ما فيها من رموز صارخة (حصان، مقاتل، بندقية، كوفية، إشارة النصر)، اليوم لم نتخلَ عنها لكن حاولنا الاشتغال عليها، بما يُحقق مواكبة المسيرة الفنية للعالم والحدث المتواصل في فلسطين".

الفنان معتز العمري، وصف الجدارية بالعمل الفني البانورامي، لأنها تتخذ في المحصلة روحاً واحدة، وموضوعاً واحداً، تتنوع مضامينه وطرائقه وإشاراته، وقال للمدوّنة: "ما يحدث يؤلمنا جداً، وأنا كفنان لطالما كنت معنياً بإيصال صوت فلسطين ومأساتها ونضالها، بحيث تبقى الهوية الفلسطينية حاضرة بيننا، عدا عن أن الأحداث الحاصلة منذ ثلاثة أشهر يجب أن تدفع الجميع لمواكبتها فنياً وأدبياً". وذهب العمري إلى أن الاشتغال على اللوحة المعنية بالقضية الفلسطينية، جعلها حاضرة في كل المحافل الدولية، عبر مشاهد بصرية جميلة، غنية ثقافياً وفنياً، تدفع المُشاهد للبحث والحوار.

بدورها الفنانة ريم قبطان، عدّت مشاركتها مُساهمةً بما تمتلك من فن، فكتبت عبارة مأخوذة من قصيدة "زهرة المدائن" لفيروز والرحابنة، إلى جانب رسمٍ لنصف قبة، كذلك عبّرت الفنانة سوسن البواب عن حزنها وتضامنها، برسم القدس يلفها العلم الفلسطيني، على أمل أن يحل السلام في قلوب الحزانى.

شارك في رسم الجدارية أيضاً، الفنانون: "عبد المجيد نوفل، محي الدين الحمصي، آلاء الكيلاني، ربا اللحام، أمل جدوع، سماح زرزور، نجوى الشريف، قتادة الزبيدي، جمعة النزهان، سامر الصعيدي، إيمان الحسن، أحمد كمال، محمود عبد الله".