قضى البروفسور حسين خلف سبعةً وخمسين عاماً خارج وطنه، متنقلاً بين يوغسلافيا والجزائر، حاملاً شغفاً راسخاً لا يهدأ نحو العلم والتحصيل والبحث. وُلد عام 1948 في مدينة سلمية ، وفي عام 1968 غادر بلده نحو يوغسلافيا ليدرس الهندسة الكيميائية، حيث قضى سنوات دراسته الأولى بين المختبرات والبحث العلمي، وليتخرج عام 1974 متفوّقاً، ويحصل على تكريم خاص من الرئيس اليوغسلافي جوزيف بروز تيتو بوصفه أول طالب أجنبي متفوّق.
تابع بعدها دراسة الماجستير في جامعة زغرب ، ثم شدّ رحاله إلى الجزائر عام 1976 ليبدأ مرحلة جديدة من حياته، جمع خلالها بين العمل في الصناعات الصيدلانية ودراسة الدكتوراه، قبل أن يعود إلى سورية زائراً عام 2025.
في الثانوية كنت رئيس اتحاد الطلبة في سلمية، وهذا أتاح لي ممارسة العمل السياسي والوطني، كما كنت عضواً في المكتب الإداري لمحافظة حماه، وشهدت المدينة مظاهرات ضد الانفصال عام 1962 حين كان ناظم القدسي رئيساً للجمهورية، كما شهدت حرب 1967 ونكستها فكانت صدمة كبيرة أصابتني بالحمى، عندها قررت ترك العمل الحزبي الضيق والتوجه إلى التحصيل العلمي لأنه السلاح الوحيد لبناء الوطن
طفولة محفورة في الذاكرة
يستعيد الدكتور حسين ذكريات بداياته كما لو أنها حدثت بالأمس، ويقول: «لأنّي المدلّل في عائلتي لأحد عشر عاماً قبل مولد أخي الثاني، حرص والدي على تعليمي في مدرسة “أبوحبيلات” الابتدائية التي كانت مسجداً للصلاة ثم تحوّلت عام 1953 للتعليم فقد هجر جدي “سلمية” لمناهضته العثمانيين عام 1916، وسكن مع البدو الرحّل ليعمل في الزراعة.
وأضاف.. أذكر معلّمي “ماهر الشقفة” حتى الصف الرابع، وفي عام 1959 أكملت الصف الخامس في مدرسة “تلتوت” لعامين لصغر سني، ثم الصف السادس عام 1960 في مدرسة خالد بن الوليد في سلمية، بعدها درست الإعدادية في مدرسة التجهيز حتى عام 1963، ثم الثانوية في مدرسة علي بن أبي طالب حتى عام 1967».
بعد 57 عاماً من الغياب، عاد الدكتور حسين إلى وطنه، ولم تكن العودة عادية بالنسبة لأصدقائه كما تحدث صديقه القديم إسماعيل حسين القدموسي، المولود عام 1944لمدونة وطن قائلا:
«لم يغب حسين لحظة من ذاكرتي؛ كان حاضراً في كل خطوة أمشيها على دروبنا معاً درسنا الابتدائية وترافقنا في هواية الصيد. عدنا إلى سلمية عام 1957 لإكمال الإعدادية، وتشبعنا بالفكر القومي العربي.
وتابع حديثه: صديقي حسين إنسان مهذب ومجدّ، وبسبب موقفه الوطني قضى 57 عاماً خارج البلاد لقد أكلت السنون شبابه، لكن لم تنل من إصراره ولما التقينا ضمّنا الحنين وروينا الذكريات بدموعنا».
الصدمة التي غيّرت المسار
يتحدث الدكتور حسين عن منعطفٍ مهم في حياته، فيقول:
«في الثانوية كنت رئيس اتحاد الطلبة في سلمية، وهذا أتاح لي ممارسة العمل السياسي والوطني، كما كنت عضواً في المكتب الإداري لمحافظة حماه، وشهدت المدينة مظاهرات ضد الانفصال عام 1962 حين كان ناظم القدسي رئيساً للجمهورية، كما شهدت حرب 1967 ونكستها فكانت صدمة كبيرة أصابتني بالحمى، عندها قررت ترك العمل الحزبي الضيق والتوجه إلى التحصيل العلمي لأنه السلاح الوحيد لبناء الوطن».
هذه الصدمة كانت نقطة التحوّل التي دفعت الشاب حسين خلف إلى مغادرة السياسة الضيقة والتوجّه بكل طاقته نحو التعليم والبحث العلمي.
بعد حرب 1967، حصل الدكتور حسين على منحة دراسية عن طريق اتحاد الطلبة في سورية إلى يوغسلافيا، حيث درس الهندسة الكيميائية خمس سنوات، وتخرّج عام 1974 وأوضح "لأني كنت من المتفوقين وكرّمني الرئيس تيتو عام 1972 رفضت الحكومة تسفيري إلى سورية، وأكملت الماجستير في جامعة زغرب"..
مشاركات علمية عربية ودولية
عام 1976، كانت الجزائر بوابة جديدة في حياة الدكتور حسين العلمية والعملية فمنحته الحكومة الجزائرية جواز سفر، وأتاحت له متابعة الدكتوراه بالتوازي مع عمله في الصناعات الصيدلانية.
وعن ذلك يقول:«عملت هناك في أكبر مشروع لإنتاج المضادات الحيوية في أفريقيا والبلاد العربية لمدة 10 سنوات، وأتقنت اللغة الفرنسية بجهد ذاتي وبعد حصولي على الدكتوراه انتقلت للعمل في جامعة البليدة أستاذاً وباحثاً ومديراً لمخبر علمي لمدة 20 سنة.
وأضاف: نشرت أبحاثي في استخلاص المعادن النادرة والمشعة من الفوسفات حفاظاً على البيئة والصحة، ثم استخدمت النانو تكنولوجيا في تطوير المحفزات لتنقية مياه الصرف الصحي واستعمالها في الري».
شارك الدكتور حسين في عدد كبير من المؤتمرات العلمية، أبرزها: المؤتمر العلمي في الظهران – السعودية عام 2010، بمشاركة مصر وتونس والجزائر والمغرب وخبراء فلسطينيين وعرب من الولايات المتحدة، وحصل فيه على شهادة تقدير المؤتمر العربي حول الآثار التنموية والاقتصادية لتقنيات النانو في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في 29 آذار 2010 وقد بلغ عدد مقالاته المنشورة في المجلات العلمية المتخصصة سبعين بحثاً.
وفاء وتفانٍ علمي
كما تحدث شقيقه الدكتور كريم خلف، اختصاصي الجراحة العامة، قائلاً:
«كنت قريباً من حياة شقيقي حسين خلال دراستي الطب في الجزائر بين 1980 و1993 كان متفانياً في عمله ووفياً لعلمه ورغم المغريات الأمريكية للعمل خارج الجزائر، رفض أن يترك البلد التي منحته جواز سفرها.
كان يجري أبحاثه بعد الدوام في شركة الصناعات الكيميائية وفي مخابر الجامعات الجزائرية، وإن لم تتوفر يكملها في مخابر يوغسلافيا أخي رمز الإنسان المعطاء، وعمله في المعادن النادرة وفي معالجة المياه الكبريتية كان من أهم أبحاثه».
عاد البروفسور حسين خلف إلى سورية حاملاً معه خمسة عقود من المعرفة والخبرة، وحنيناً لم تهزمه السنون،عاد ليجمع الماضي بالحاضر، وليضع علمه وخبرته في خدمة وطنه الذي ظلّ يسكنه رغم الغياب.
