منذ بداياته البسيطة في حفلات التعارف الجامعية، شقّ الفنان "محمد الشعراني" طريقه بثبات نحو الاحتراف المسرحي، متكئاً على تجربة غنية صقلها في فرقة "كور الزهور" بمدينة "سلمية"، ومسيرة امتدت لأكثر من ثلاثة عقود من العمل والتدريب والعروض والمهرجانات.
ثقة على خشبة المسرح
وُلد الشعراني في "حمص" عام 1971، ويقول إن التمثيل كان بوابته لعبور الخجل واكتساب الثقة:
أتمنى أن تُعرض أعماله في جميع المحافظات السورية، لتأخذ حقها على مستوى المنافسة مع الأعمال الأخرى، ولينال هو بدوره فرصة أوسع تتيح له موقعاً بارزاً في الساحة المسرحية
«التمثيل حررني من الخجل ومنحني الجرأة لأقف أمام الجمهور. خلال دراستي في حمص شاركت في المسرح الجامعي في حفلات التعارف بين عامي 1990 و1994، وهناك تعرفت على ممثلين مثل نوار بلبل، تمام العواني، محمد بري العواني، وفرحان بلبل».
في عام 1998 عاد إلى "سلمية" ليلتحق بفرقة كور الزهور، التي وصفها بأنها "خزّان للمسرح" لما ضمّته من فنانين كُثر. ويشير إلى أن الفرقة، المرخّصة عام 2008، ضمّت أسماء عديدة منها: رائد الجندالي، مولود داؤود، صدر الدين ديب، ندى القطريب، إيناس زريق، وحلا الشيحاوي.
قدّم الشعراني مع الفرقة أعمالاً مسرحية متنوعة، أبرزها:
"النمور في اليوم العاشر" لزكريا تامر، وُقدّم في مهرجان حماة المسرحي وفي سلمية وأريافها و"ثغرة " للكاتب أحمد إسماعيل إسماعيل من القامشلي و"لماذا أصبح جدي شجرة" للكاتب وائل زيدان، إخراج مولود داؤود، وعُرض في مهرجان الطفل بدمشق عامي 2004 و2005و"القاعدة والاستثناء" لمهتدي غالب، وهي كوميديا سوداء عُرضت في سلمية وريفها.
وفي عام 2025 أصبح الشعراني عضواً في نقابة الفنانين، بعد سنوات من العمل المسرحي، والتدريب، وحصد الجوائز مع الموهوبين واليافعين، إلى جانب شغفه بالشطرنج وكرة الطاولة والمطالعة والكتابة.
مهرجان الماغوط
دخل الشعراني تجربة مهرجان محمد الماغوط اعتباراً من عام 2006، حين كان مديراً للعلاقات العامة في دورته الأولى، وشارك حينها في مسرحية خارج السرب بإخراج صدر الدين ديب، ونال عنها جائزة أفضل ممثل في مهرجان الرقة المسرحي الرابع.
تابع مشاركاته في مهرجانات سورية عدة، من بينها تظاهرة صيف دمشق 2007، ومهرجان حماة المسرحي. كما شارك في مهرجان المسرح الحر في الأردن ممثلاً فرقة نقابة فناني حماة.
عام 2008 تولى منصب المدير التنفيذي لمهرجان الماغوط الثاني، برعاية مجموعة ماسة الاقتصادية، وإدارة مولود داؤود، وشهد المهرجان حضور شخصيات مسرحية عربية وسورية مثل غنام غنام من الأردن، والفنانة جيانا عيد، والدكتور عبد القادر المنلا.
استمر المهرجان حتى دورته الرابعة عام 2010، قبل أن يتوقف عدة سنوات ويعود عام 2025 في دورته الخامسة، حيث تسلّم الشعراني إدارته ونال جائزة أفضل ممثل عن دوره في مسرحية قبل السقوط للكاتب البولندي إسلافومير مروجيك.
في التدريب والإخراج
قدّم الشعراني ورشات تدريب في جمعية أصدقاء سلمية، والرواق الثقافي المعرفي، وأقام تدريبات مسرحية للأطفال. كما أنجز مسرحيات من تأليفه وإخراجه مثل حسناء والأقزام والحفرة.
وشارك في أنشطة عديدة، منها:"الليلة التي أمضاها ثورو في السجن"ضمن مهرجان الشباب في حلب، وحازت المسرحية جائزتين.
ومسرح تفاعلي بدعم مؤسسة الآغا خان عُرض في مدارس سلمية كافة عروض يوم المسرح العالمي، ومنها: ماذا بعد (2017) تأليفه ارتقاء (2017) إخراج صدر الدين أخوة مع وقف الحرب (2019).
والتعري (2021) لسلافومير مروجيك بإخراج رائد الجندالي، ولم يُعرض بسبب الجائحة.عام 2022 قدّم عرضاً مسرحياً بالتعاون مع فرقة أوركيديا في مهرجان حماة عام 2025 قدّم عرض بورتريه من إعداده وإخراجه، وفازت عنه الممثلة "حنان عابد" بجائزة أفضل ممثلة.
تجربة ناضجة تجاوزت حدود الهواية
قدّمت الفنانة جيانا عيد قراءة نقدية في تجربة الفنان محمد الشعراني، مؤكدة أنه فنان "طالب معرفة" استطاع أن يصقل موهبته عبر عمله الطويل في فرقة كور الزهور، وما اتبعه من دورات إعداد ممثل، إلى جانب استفادته من تجارب المبدعين من حوله. وتقول عيد إنها شاهدت معظم أعماله، مؤكدة أن تلك التجارب نقلته بوضوح من مرحلة الهواية إلى فضاء الاحتراف.
وتضيف:«يمتلك الشعراني صدقاً وعمقاً وبساطة في الأداء، وتلقائية يفتقدها كثير من الممثلين المحترفين الذين يميلون إلى الصنعة أكثر من الإحساس. يعبر عن الشخصية بمنتهى البساطة صوتاً وجسداً وحركة، ويحافظ على إيقاع أداء طبيعي دون افتعال أو تكلف، لأنه يدخل بعمق في طبيعة الشخصية، فتصل للجمهور بمختلف مستويات ثقافته، حتى للمتخصصين في الفن».
وترى عيد أن تجربة الشعراني "متبلورة"، وأن أعماله تمنحه حضوراً مميزاً على خشبة المسرح، خصوصاً أنه انطلق من فرقة تتسم أعمالها بالجدية والوعي والمعرفة، ما يفسر التفاعل الكبير الذي يلقاه لدى جمهوره وختمت بالقول:
«أتمنى أن تُعرض أعماله في جميع المحافظات السورية، لتأخذ حقها على مستوى المنافسة مع الأعمال الأخرى، ولينال هو بدوره فرصة أوسع تتيح له موقعاً بارزاً في الساحة المسرحية».
شراكة فنية ناجحة
من جهتها، تتحدث الممثلة حنان عابد، المولودة عام 1997، والحاصلة على شهادة إدارة أعمال عام 2017، عن تعاونها مع الشعراني قائلة:
«بدأت موهبتي عندما كنت في الثامنة عشرة، حين اختبرني المخرج سليمان السلوم وتنبأ لي بمستقبل في التمثيل. شاركت معه في ثلاث مسرحيات. وفي 2019 شاهد الفنان الشعراني عرض مينو دراما وأُعجب به. عام 2023 بدأنا العمل على (بورتريه) وقدّمناه في مصياف ثم في سلمية، وفي 2025 قدّمناه في مهرجان الماغوط ونلت جائزة أفضل ممثلة. منحني الشعراني خبرة كبيرة، وكان أخاً وصديقاً وداعماً دائماً، ويُدهشني في عمله ممثلاً ومخرجاً».
