لم تكن مسيرة الحكم الدولي السابق شاكر الحميدي في الرياضة مجرد محطة عابرة، بل رحلة طويلة اتسمت بالاجتهاد والتدرج والالتزام، بدأت من ملاعب كرة القدم لاعبًا، مرورًا بساحات التحكيم المحلية والدولية، وصولًا إلى العمل الإداري وتقييم الحكّام في الدوري السوري الممتاز.

البدايات من الملاعب الشعبية

حكم مساعد مميز، ترك بصمة واضحة في المباريات القوية والصعبة محليًا وعربيًا وآسيويًا، ويتمتع بلياقة بدنية عالية وأخلاق رياضية حميدة

ولد شاكر الحميدي عام 1967، وكانت انطلاقته الرياضية من نادي مدينته السفيرة، حيث لعب في مركز قلب الدفاع، وتميز بالصلابة والانضباط. ولم تقتصر تجربته على اللعب فقط، إذ تقلد لاحقًا مهام كابتن الفريق ومدربه لمدة خمس سنوات، وشارك مع النادي في بطولات أندية الدرجة الثالثة للريف بمحافظة حلب.

الكابتن شاكر ضمن طاقم تحكيم دولي لقيادة مباراة اليابان واوزبكستان

ويؤكد الحميدي في حديثه أن علاقته بالنادي تجاوزت حدود الملعب، إذ تسلم رئاسة نادي السفيرة لمدة ستة عشر عامًا، في تجربة إدارية مبكرة صقلت شخصيته القيادية وأسهمت في توسيع رؤيته الرياضية.

التحول إلى التحكيم.. قرار مفصلي

الحكام السابقون اسكندر حمال وقيس العبدالله وخالد دلو

عام 1988 شكّل نقطة تحول في مسيرة الحميدي، حيث اعتزل اللعب واتجه إلى التحكيم، ليبدأ رحلة جديدة سرعان ما أثبت خلالها حضوره في مختلف مسابقات محافظة حلب والدوري العام. وفي عام 1996 تمت ترقيته إلى الدرجة الأولى، قبل أن يصبح أحد الوجوه البارزة في الدوري السوري الممتاز.

وبعد سبعة مواسم متتالية في تحكيم مباريات الدوري الممتاز، نال الحميدي عام 2004 الشارة الدولية كحكم مساعد، إلى جانب كل من أحمد دلو، محمود العويد، مشهور حمدان، وأحمد قزاز، ليصبح ضمن نخبة حكّام سوريا على الساحة الخارجية.

الكابتن شاكر في إحدى مباريات الدوري السوري

حضور محلي ودولي لافت

شارك الحكم الدولي السابق في إدارة عدد كبير من المباريات المحلية، شملت الدوري السوري الممتاز وكأس الجمهورية ودورات كأس الصحفيين، وكان حاضرًا في مباريات مفصلية، أبرزها ديربي العاصمة بين الوحدة والمجد موسم 2004.

أما خارجيًا، فقد سجل حضورًا عربيًا وآسيويًا مميزًا، من خلال نهائي الدورة العربية 2007 بين منتخبي مصر والسعودية، إضافة إلى مشاركته في تصفيات كأس العالم عام 2009، في مباراتي أوزبكستان واليابان والسعودية وكوريا الشمالية، ليبقى ضمن نخبة حكّام آسيا حتى عام 2010، موعد اعتزاله التحكيم.

نجاح إداري وتدرج مؤسسي

لم يغب شاكر الحميدي عن المشهد الرياضي بعد الاعتزال، بل انتقل بسلاسة إلى العمل الإداري، حيث شغل منصب عضو مجلس إدارة نادي السفيرة ثم رئيسًا له، قبل أن ينتقل إلى مدينة حلب ويشغل منصب أمين سر لجنة الحكام الفرعية لمدة خمس سنوات.

وتابع مسيرته الإدارية بتوليه رئاسة مكتب ألعاب الكرات في فرع الاتحاد الرياضي سابقًا لمدة خمس سنوات، وبقي في منصبه حتى عام 2014، وبعد اضطراره لمغادرة البلاد بسبب ظروف الحرب إلى تركيا، عاد إلى مدينة حلب فور التحرير، ليتم تكليفه مباشرة برئاسة مكتب ألعاب الكرات في مديرية الرياضة والشباب.

بعد اعتزاله التحكيم عام2010، خضع الحميدي لعدة دورات صقل وتطوير في مجال تقييم الحكّام، ما أهّله ليُعتمد مقيّمًا رسميًا لدى الاتحاد العربي السوري لكرة القدم، حيث يُكلّف بشكل دائم بمراقبة أداء الحكّام في مباريات الدوري الممتاز، مساهمًا في تطوير جيل جديد من الكوادر التحكيمية.

شهادات من الميدان

ويؤكد الحكم الدولي السابق والمحامي أسكندر جمال، المقيم حاليًا في هولندا، أن الحميدي كان من الحكّام الذين يتمتعون بـ«الشجاعة وصوابية اتخاذ القرار داخل أرض الملعب، ويمتلك معرفة دقيقة بتطبيق قانون اللعبة، ولا يتأثر بضغوط الجماهير، وكان محل ثقة لجنة الحكّام الرئيسية».

من جهته، وصف الحكم الدولي السابق قيس العبدالله الحميدي بأنه «حكم مساعد مميز، ترك بصمة واضحة في المباريات القوية والصعبة محليًا وعربيًا وآسيويًا، ويتمتع بلياقة بدنية عالية وأخلاق رياضية حميدة».

أما الحكم الدولي السابق ورئيس اللجنة الفنية بحلب خالد دلو، فأشار إلى أن الحميدي كان «عنصرًا أساسيًا على خط التماس، يتمتع بدقة متناهية في اتخاذ القرار، وحرص دائم على متابعة كل التعديلات المتعلقة بقانون اللعبة، إلى جانب محبته من الأندية والجماهير، ودوره في دعم الحكّام الصاعدين خلال عمله الإداري».

مسيرة تتواصل بالعطاء

اليوم، يواصل شاكر الحميدي أداء دوره الرياضي بعيدًا عن الأضواء، مكتفيًا ببصمته المهنية في تقييم الحكّام وتطوير التحكيم السوري، مستندًا إلى تجربة غنية تمتد لأكثر من ثلاثة عقود، جمع فيها بين اللعب والتحكيم والإدارة، في نموذج يعكس معنى الالتزام والانتماء الحقيقي للرياضة.