رغم عمرها القصير قياساً بشقيقاتها من الفرق، فقد استطاعت فرقة "آشتي" حجز مكانٍ بارزٍ لها في المشهد الثقافي السوري، وقدمت عروضها على أغلب مسارح "دمشق" وعدد من المحافظات، وذلك بهدف تعرّيف الجمهور بالثقافة الكُردية كجزء لايتجزأ من الثقافة السورية.

خارج العاصمة

في أول ظهور لها خارج "دمشق" بدا الأمر صعباً على أعضاء الفرقة، ولكن سرعان ما تبددت المخاوف، بعد الترحيب الذي لاقته العروض.

قمت بتغطية بعض الحفلات للفرقة ولفتني التفاعل الكبير من الجمهور والأداء المتميز في تقديم الفلكلور والتراث، ما يسهم في إبراز الثقافة الفنية السورية الأصيلة وتقديمها للجيل الحالي والتي تعبر عن كل أطياف ومكونات المجتمع

يقول "عبدالله مراد" الراقص في الفرقة عن شعوره بعرض "طرطوس": «في طريقنا إلى "طرطوس" كنت خائفاً جداً، رغم أني شاركت الفرقة على أضخم مسارح "سورية"، لا أعرف لماذا انتابني هذا الشعور، ربما لأنها كانت أول رحلة لنا خارج "دمشق" ولقاءنا بجمهور يرانا لأول مرة، هناك وفي مسرح "المركز الثقافي" امتلأت الصالة بجمهور بدت عليه الحماسة لرؤية الرقصات والأغاني الكُردية العريقة، بدأنا العرض ومع كل فقرة كانت أصوات الحضور تعلو بكلمات يعبرون بها عن تشجيعهم لنا ومعها تصفيق حار، ولم أستطع السيطرة على دموعي في مشهد الختام عندما رأيت كل الحضور واقفاً احتراماً وتقديراً لفرقتنا ولعروضها».

الفرقة ورقصة شيخاني

ويستذكر "جهاد خليل" أحد أعضاء الفرقة أمسية "حلب" قائلاً: «"حلب" هذه المدينة العريقة بموسيقاها وغنائها، استقبلتنا بحفاوة لا توصف، لم يبقَ مكانٌ في دار "الكتب الوطنية" إلا وتم حجزه، الجميع جاء ليشاهد الرقصات الكُردية ويسمع أغانينا، وفي نهاية الحفل سارع الكثيرون لالتقاط الصور التذكارية معنا ونحن بزيّنا الفلكلوري».

الزّي والغناء

من جانبه يقول "علوان قاسم" من الفرقة: «في عروضنا نركز على عدة أشياء مهمة كالزّي التراثي ولدينا عدة أشكال منها، وأيضاً الغناء الذي ينتمي إلى التراث، نختارها بشكل صحيح لنقدم أجملها والبعيدة عن التشويه، كما نحاول الحفاظ على الجملة الأساسية في الدبكات الكُردية بعد العمل عليها وتقديمها بشكل يصلح لخشبة المسرح، كون كل رقصاتنا حلقية ومن الصعب تقديمها كما هي على الخشبة، لذلك نلعب على رسم اللوحة الراقصة من خلال تشكيلات جديدة ولكن مع الحفاظ الأكيد على أساسياتها».

لوحة بعنوان "نازي"

وتعبر "روهلات إبراهيم" وهي من إحدى راقصات الفرقة عن سعادتها كونها تعمل معها منذ خمسة أعوام وتقول: «الجميل في مسار الفرقة بأننا لا تقدم عروضنا إلا على خشبة المسرح وتحت رعاية وزارة الثقافة حصراً، ونرفض عروض الأعراس وما شابهها، عكس ما تفعله أغلب الفرق، كما أعطت فرقتنا فرصاً للعديد من المغنيين الشباب والمخضرمين لظهورهم على مسارح "دمشق" لاسيما مسرح "الأوبرا"».

ومن جهتها تتحدث "فردوس مراد" عن الدبكات التي تقدمها الفرقة قائلة: «نختار الأغنية أولاً، آخذين بعين الاعتبار بأن تكون من التراث ولها إيقاع راقص، نبتعد عن الآلات الدخيلة قدر المستطاع كآلة "الأورغ" مثلاً، عموماً الأغاني التراثية الكردية نسجت كي ترافق الدبكة، ومن ثم نتدرب على الرقصة، ومن اللوحات التي نقدمها "هورزة" و"الحنة" و"شيخاني" و"كوجري" و"كوفند" و"بازو" و"باكية"...، إضافة إلى بعض الرقصات التي تخص مواسم كالحصاد وغيرها، وفي مكتبة فرقة "آشتي" اليوم الكثير من اللوحات».

مزج بين الرقصات التراثية

العمل اللائق

المشرف على الفرقة الإعلامي "إدريس مراد" يبين أن الهدف هو إحياء التراث الكردي الذي يعد جزءاً لا يتجزأ من التراث في "سورية"، مشيراً إلى أن عمر الفرقة ثماني سنوات وقدمت العديد من الحفلات في مختلف المحافظات، وهي تضم 30 شاباً وشابة وتعد من نسيج المجتمع السوري، وتهدف الفرقة إلى الحفاظ على التراث الكُردي الغنائي والراقص، حيث تقدم التراث كما هو بدون زيادة أو نقصان، وذلك لإيصال هذا التراث العريق إلى المسارح السورية بشكل لائق وكجزء لا يتجزأ من الثقافة السورية بشكل عام، وتوثيقه والحفاظ عليه، كما تحاول الفرقة أن تنقل هذه الرقصات والأغاني من الحالة العفوية إلى الحالة الثقافية والمسرحية.

ويضيف "مراد": تأسست الفرقة عام 2015، في البداية كانت الغاية هي دعم فكرة مهرجان "قوس قزح سورية"، بعدها طلبت مني إدارة دار الأسد للثقافة والفنون أن تقدم الفرقة عرضاً بمناسبة عيد النوروز، وهكذا استمرت الفرقة ليومنا هذا وقدمت عروضاً كثيرة في دمشق وبعض المدن السورية، وأصبح للفرقة أهداف أخرى أهمها الحفاظ على التراث الكردي في سورية كجزء من الثقافة السورية بشكل عام، وكانت محطة هامة للأعلام الوطني الذي أعد عنها أفلاماً تسجيلية، وشاركت في العديد من البرامج، وحالياً تقوم بتدريبات دورية وورشات عمل مع مدربين مخضرمين، ونحاول دائماً أن تقدم هذا التراث العريق على المسارح بشكل لائق

الإحساس بالتراث

قدمت الفرقة العديد من الحفلات، وكلها كانت متميزة وشهدت حضوراً لافتاً كما يبين الصحفي "هادي عمران" من وكالة الأنباء السورية "سانا"والذي أضاف:

«قمت بتغطية بعض الحفلات للفرقة ولفتني التفاعل الكبير من الجمهور والأداء المتميز في تقديم الفلكلور والتراث، ما يسهم في إبراز الثقافة الفنية السورية الأصيلة وتقديمها للجيل الحالي والتي تعبر عن كل أطياف ومكونات المجتمع».

اما الإعلامية "سعاد سليمان" مديرة مكتب صحيفة "الوحدة" سابقا في طرطوس فتقول: «قدمت فرقة (آشتي) للتراث الكردي حفلاً فنياً على مسرح ثقافي طرطوس ضمن فعاليات احتفالية أيام الثقافة السورية منذ عامين، وحضرت الحفل كإعلامية للتغطية، وأثارت عروض الفرقة إعجابي، خصوصاً وأنها عروض احترافية في انتقاء الأعمال والإحساس بالتراث السوري.. أذكر ان الفرقة قدمت حينها لوحات راقصة بإبداع وجمال لافت ومميز لمجموعة من الهواة من طلاب الجامعة، وأصحاب مواهب استطاعوا تقديم التراث مع بعض التطوير والتنظيم في التشكيل الراقص بعيداً عن الملل، و بالتركيز على ثقافة الكلمة والغناء الراقص كما تم تقديم فقرات غنائية جميلة وراقٍية لاقت استحسان الجمهور وتفاعله معها».

في كل عام نلتقي بهدف مشترك و عمل موحد متكامل مفعم بالنشاط والحيوية و الانسجام، كما يقول "نسيم خواظ" مدرب الفرقة الفنية الشركسية والذي يضيف : «أتابع فقراتهم الراقصة بصمت فيرقص القلب معهم فرحاً، أصفق لهم عندما أرى حماسهم وابتساماتهم وهم يرقصون أمام الجمهور.. باختصار "آشتي" فرقة التراث الكردي التي اعتز بالعمل بجانبها وافتخر بوجودي مع مدربيهم وإدارتهم، واحترم عشقهم وتمسكهم بحمل رسالة هذا التراث الذي يبلغ من العمر آلاف السنين، وانحني إلى جانبهم على خشبة المسرح عندما يرفع العلم السوري و ينسدل الستار».