"بسام سفّان" أحد أبرز روّاد الحركة المسرحيّة في محافظته "دير الزور"، وممن ترك بصمات واضحة وملفتة، وهو إذ درس العلوم الجيولوجيّة، غير أنه كان شغوفاً بالمسرح منذ صغره، فكان المُمثل على خشباته ثم الكاتب الذي سطّر نتاجاته في أعمال جُسدت عليها، ورغم أن عمله في إدارة فرع المؤسسة العامة للجيولوجيا أخذ كثيراً من وقته، لكنه ظل المُواكب الدائم لحراك مسرح "دير الزور" الذي عاد في انطلاقته من جديد بعد غياب نتيجة الأحداث التي مرت بها المحافظة.

مراحل ألق

عشق "بسام سفّان" المسرح دوناً عن كل الفنون، بدأه صغيراً فأعطاه نتاجات ضخت الروح فيه ولا تزال تمده وسط غيابات الكتابة المسرحيّة الوازنة، قسّمَ الكاتب "السّفان" تاريخه المسرحي لثلاث مراحل كما يُشير في حديثه لـ"eSyria": "ارتبطتُ بخشبات المسرح منذ الصغر، أذكر أننا -ونحن صغار- كنّا نتخذ من (برندة) منزل أهلي في حي "الحميدية" مكاناً للتمثيل، كان ذلك في الصف الخامس الابتدائي، كنا نجتمع وزملائي من العمر نفسه ونؤدي أدواراً مسرحيّة، لا يزال ذلك المشهد عالقاً في ذهني، خصوصاً وأنه في الأغلب كان ينتهي بـ(قتلة) من الأهل لما نُحدثه من فوضى في المكان".

ويتابع قائلاً: "ثمانينيات القرن الماضي كانت بداية دخولي رسمياً هذا العالم، هنا أستطيع القول إن العمل مع الكاتب "إبراهيم العكيلي" كان المرحلة الأولى التي رسمت خُطاي، ثم جاءت المرحلة التاليّة مع المخرج "أحمد الحسين" الذي يُعدُّ الأب الروحي لأغلبية المشتغلين بهذا الفن، وهي المرحلة التي طبعت حضوراً كبيراً للحركة المسرحيّة الديرية -إن صح التعبير- وذلك لما أوجدته من زخم في الأعمال المعروضة، ناهيك عن أن جيلاً مُبدعاً من الممثلين ولد من رحمها، فيما جاءت المرحلة الثالثة مع أخي المخرج "ضرام سفّان" حيث تابعنا فيها بزخم كبير تقديم أعمال في مختلف المهرجانات، وقد حصدت جوائز عدة، سواء أكان ذلك تمثيلاً، نصاً، أم إخراجاً".

يصف "السفّان" فترات الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي وصولاً للألفية الثانية قّبيل الأحداث المؤسفة التي مرت بها "دير الزور" بفترات الألق، وحسب قوله: "فقد كان كل شيء يدعو للعمل رغم الصعوبات الكثيرة لجهة مستلزمات العمل المسرحي، عدا عن غياب الثقافة المسرحيّة، أو لنقل النظرات السلبيّة للمجتمع عن الفنون ووضعها في خانة اللا جدوى وأحياناً الاحتقار".

بيت المسرح

ولد "السفّان" في وسط عائلي رائد بعالم الآداب والفنون، فشقيقه "ضرام" ممثل ومخرج مسرحي أخذ على عاتقه بعد تحرير المحافظة من قبضة الإرهاب، إعادة بث الروح في مسرحها، وهو يقود الفرقة المسرحيّة لمديرية الثقافة، بينما الشقيق الآخر "درغام" الذي اختص بالطب البشري، أحد كبار شعراء "دير الزور" وله العديد من الدواوين وعن ذلك يقول: "لا شكّ أن للبيئة العائلية مؤثراتها، فالوسط الذي عشته بين الكلمة وفنونها كان المُشكل لخياراتي، درستُ هندسة العلوم الجيولوجيّة في "جامعة دمشق"، وتخرجت منها لأعمل في فرع "دير الزور" للمؤسسة العامة للجيولوجيّا الذي استلمت إدارته منذ العام 2011 وما أزال، لكن المسرح بقي هاجسي ومعشوقي الأول، لذا تراني حاضراً في عروضه بالمركز الثقافي، وغالباً نتبادل والمهتمين شؤونه وشجونه، مُتلمسين حلولاً تُزيل عقبات تعترضه، كانت ولا تزال".

جوائز محليّة وعربيّة

في رصيد "السفّان" الكثير من الأعمال المسرحيّة، ومنها: "النص الذي منعوه" وهو أكثر نص آلمه كون عرضه اقتصر على "دير الزور" فقط، ويتحدث عن شخصية "سليمان الخاطر" الجندي المصري، الذي أقدم بتاريخ 5 تشرين الأول من عام 1985 على قتل وإصابة سبعة جنود صهاينة تسللوا إلى نقطة حراسته، وتعرض لاحقاً لمحاكمة عسكرية حكمت عليه بالأشغال المؤبدة، وفي كانون الثاني عام 1987 تم العثور عليه مشنوقاً حينها، ولا يعلم كاتبنا الأسباب التي تكمن خلف ذلك.

أما أول نصوصه المسرحية فقد كان بعنوان "يوميات مواطن عربي" في العام 1985 وفاز بجائزة أفضل عمل متكامل، لتتوالى أعماله في مسرحية "أغنيات ليست للفرح" ونالت جائزة أفضل نص، وعُرضت في مهرجان الشبيبة الثالث في محافظة "طرطوس"، ثم مسرحيته "الطوفان" في مهرحان الشبيبة الرابع ونالت جائزة أفضل إخراج، وكتب للمسرح الجامعي مسرحية "الذروة" التي احتضنها مهرجان "حلب" العام 1991، ولمهرجان "إدلب" الجامعي كانت مسرحيّة "مذكرات بيدق" ، وقدم أيضاً "سقوط الماتادور" في العام 2006، ضمن فعاليات مهرجان الهواة المسرحي الثاني، الذي احتضنه مسرح "القباني بدمشق" بمشاركة عربية، ونال كاتبنا جائزة أفضل نص عن "ليلة مخمورة" في العام 2007 في مهرجان "طرطوس" المسرحي، وحصد "السفّان" جوائز أخرى عن أعماله التي كتبها ومنها : جائزة اتحاد الكتّاب العرب في العام 1994، وجائزة "الأديب سعد صائب" المحليّة بـ"دير الزور" عام 1996، ثم حاز جائزة "الشارقة" للإبداع، وهي الجائزة التي تُنظمها دولة "الإمارات العربية المتحدة" عن مسرحيته "المقبرة"، وفي العام نفسه استحق (جائزة عبد الحميد شومان) التي تمنحها "المملكة الأردنية" عن نصه المسرحي "في الطريق إلى مكة"، وفي العام 2011 كان الموعد مع جائزة "نبيل طعمة" في "سورية" عن مسرحيته "تشويش مُتعمد" وضمت مشاركات من مختلف الدول العربيّة.

ولدى "السفّان" العديد من الأعمال تنتظر الطباعة ومنها مسرحية "ليلى والذئب" ومونودراما "النفق"، والمسرحية التاريخية "سقوط الماتادور" التي تتحدث عن سقوط الأندلس، إضافةً لنصي "الشاطر حسن"، و"من أجل البحر".

المُهندس المسرحي

هكذا يصف المخرج المسرحي "ضرام سفّان" شقيقه "بسام" ويُضيف في حديثه لـ"مدوّنة وطن": "بسام من مواليد خشبة المسرح، فقد عمل فيه وعاش بين كواليسه منذ طفولته، حيث شارك منذ أن كان في الصف الخامس بأول عمل مسرحي حمل عنوان "العيد" تمثيلاً مع الأستاذ المخرج والملحن الكبير "إبراهيم العكيلي" وكذلك في عمل "جنيات البير"، ثم عمل مع فرقة أطفال المركز الثقافي مع "أحمد الحسين" الذي يُعد العراب والأب الروحي لجيل الثمانينيات والتسعينيات مسرحياً، تابع مشاركاته التمثيلية في العديد من المسرحيات مثل (منسية، بلدي وهلم جرا، حذاء الطنبوري)، واتبع العديد من الدورات في الإخراج المسرحي، إلا أن الكتابة للمسرح جذبته مبكراً فكانت نتاجاته ملجأنا في العمل".

وأضاف: "تتسم نصوص "بسام" بالحداثة والجرأة، سواء على مستوى الشكل أو المضمون، وتُعد مسرحيته "حكايا عن الجياع" من أهم المسرحيات على مستوى الشكل العبثي والحداثي، حيث تدور أحداثها داخل كأس زجاجية وأثارت حينها الكثير من الدهشة والتساؤلات.. هو قامة أدبيّة في مجال الكتابة للمسرح على مستوى الوطن العربي، أبدع في هندسة المشهد المسرحي بنصوصه المُميزة".

ويرى المسرحي "أيمن عبد القادر" أنه لو قُيض لنصوص "السفّان" أن تُشخص تحت مجهر النقد لكان في طليعة الكتّاب المسرحيّين العرب، يمارس طقوسه بعيداً عن التلوّث التقليديّ والتماثل المُقيت.. تعرّفت إليه على خشبة مسرح التّجارة في "دير الزور"، وحين حاورني عرفت أنني أمام إرثٍ روحيّ عظيم، وأن ثمّة ما أبحث عنه في هذا العالم موجود في قلبه، وأعتقد - غيرَ مبالِغٍ - أن النصوص التي قدّمها أحدثت الكثير من التغيير الجمالي في ذائقة المتلقّي التي اعتادت المألوف والسطحيّ، وما أتمناه هو أن لا يشغله عمله الهندسي أو بالأحرى أن لا يأخذه بعيداً عن هذا العالم، لأننا نحتاجه أيضاً كـ"دينمو" يُحرك طاقة العمل في مسرحنا كما اعتدنا، خصوصاً في هذا الوقت الذي نعمل فيه على إعادة الألق لمسرحنا من جديد".