تُؤكد المديرية العامة للآثار والمتاحف أن أفراداً من تنظيم "داعش" سكنوا مدفن الإخوة الثلاثة في تدمر "مالئ وسعدي ونعماي" العائد إلى العصر الروماني، والواقع في منطقة المدافن الجنوبية الغربية قرب طريق عام "تدمر-حمص- دمشق" تحت الأرض، وغطوا اللوحات الجدارية القديمة فيه بطبقة من الدهان بقصد إخفاء معالمها، ليصنف هذا الضرر المقصود بـ "الأبرز" ضمن المناطق التي وصلتها فرق المديرية، تليه أضرار متفاوتة لحقت بالجامع الأموي وبعدد من البيوت الدمشقية القديمة خلال السنوات الأخيرة.

لا تنفصل الأضرار اللاحقة بالرسوم الجدارية الأثرية، عما تعرّضت له الآثار والمتاحف من تخريب وتنقيب جائر وسرقات، إلى جانب عدد من التفجيرات والأذيات التي طالت "تدمر" بشكل خاص، مع الإشارة إلى أن الرسوم الجدارية تتأثر بالزمن وبالعوامل المحيطة بشكل كبير، وربما تقع أو تختفي خلال مئات السنين، كونها توجد عادة على الجدران والأرضيات والسقوف، لتشمل "أي رسم موجود على مادة جصية"، حسبما يوضح "ياسر يوسف" مدير المخابر العلمية والترميمية في المديرية العامة للآثار والمتاحف.

يقول يوسف لـ "مدوّنة وطن": في الأبنية الأثرية كالبيوت الدمشقية القديمة وعدد من المدافن والكنائس والجوامع، تُوضع طبقة من الكلس لتغطية الحجر المُستخدم في البناء، يمكن أن توضع فوقها رسوم وزخارف نباتية أو حيوانية أو طبقات من الألوان، ومع أنها تتوزع على مساحات كبيرة كمشهد كامل على جدار أو في أرجاء منزل، إلا أننا ربما نعثر على جزء صغير، مجرد سنتيمترات متبقية، كما يمكن أن نجد في بناء أثري واحد رسوماً جدارية تتبع لفترات زمنية متباعدة، منها مثلاً بناء بيزنطي فيه رسوم من الفترات البيزنطية والصليبية والإسلامية، وهو دليل على أن البناء استُخدم أكثر من مرة.

متحف الخط العربي الكتابة بعد الترميم

يتم ترميم الرسوم الجدارية عادة في المخابر، أو ضمن المتاحف والمواقع الأثرية حسب ما تقتضي كل حالة، وهو جزء من عمليات التنقيب والتدعيم. يوضح يوسف أيضاً: الترميم يحافظ على الشكل والمضمون، بالتالي يجب الاهتمام بكامل الشروط المحيطة بالأثر، حفاظاً على الأثر نفسه. وفي عمليات الترميم يقوم الخبراء بسحب اللوحات في حال انهيار الجدار أو إذا كان البناء بحالة سيئة، ويتم إحضارها إلى المخابر لإعادة الترميم والتقوية، ريثما يتم إعادة فتح المدفن أو البناء، كما حصل في أحد مدافن عمريت وبقايا رسوم جدارية تابعة لقصر الحير.

يرتبط الزمن اللازم للترميم بعدة عوامل، منها "موقع المكان، درجة التصاق الرسوم بالحائط، عدد الطبقات الموجودة فوق بعضها البعض، واختيار الطبقة التي سيتم الاحتفاظ بها وترميمها، حجم الرسم، المادة التالفة ونسبة التلف، التنظيف اللازم، الرتوش والألوان المطلوبة". وعلى ذلك ربما تستغرق أشهراً أو سنوات. أما عن ترميم الرسم الجداري في مدفن الإخوة الثلاثة في تدمر، يوضح يوسف: يجب إزالة طبقة الدهان التي تم وضعها وترميم الرسم، لكن الأمر مرهون بعدة ظروف حالياً، لذلك قمنا بالأعمال الإسعافية الضرورية، وحافظنا على الوضع القائم حتى يُمكن العودة إليه لاحقاً.

الجقمقية قبل

يستخدم خبراء الترميم في المديرية العامة للآثار والمتاحف مواد شبيهة بالموجودة على الجدران، مع التركيز على عدم إدخال أي مواد كيميائية مخرّبة، والبحث عن الأحدث والأفضل عالمياً من حيث المتانة والديمومة والتركيب، تبعاً لما يقول مدير المخابر العلمية والترميمية، والذي يؤكد في السياق ذاته على أن الترميم عمل قابل للتطور باستمرار، لذلك يمكن استخدام مواد من بيئتنا، ويمكن أيضاً الاستغناء عن مواد معينة، وفي التصنيفات يوجد مواد تستخدم لترميم رسم، لكنها لا تصلح لغيره حسب الرطوبة والجفاف في المنطقة والأملاح المشكّلة على الأثر.

يضيف في حديثه للمدوّنة: هناك مواقع لم نصل إليها بعد، بسبب الحالة الأمنية التي فرضتها الحرب. وفي مواقع أخرى لم تتعرض الرسوم الجدارية لأضرار كبيرة، ولا سيما أنها ربما تقع من تلقاء نفسها كما أسلفنا. وفي حالات نادرة الحدوث، يمكن أن يُنتزع الرسم من مكانه ويعرض في متحف أو يهرّب، لأن الرسوم مرتبطة بالمكان الأصلي بشكل كبير.

الجقمقية بعد

في دمشق، تعرّضت الرسوم الجدارية في البيوت ذات الطابع الأثري إلى أضرار سببتها الحرائق التي كثرت مؤخراً، إضافة إلى ما تسببت به القذائف، مع إهمال حركة الترميم من قبل السكان. لذلك كان الترميم يجري بالتعاون مع أصحاب البيوت وبمشاركة محافظة دمشق. تقول "رجاء مرشد" خبيرة ترميم الرسوم الجدارية والأيقونات والأخشاب لـ "مدوّنة وطن": عملنا خلال الأزمة في متحف الخط العربي، رممنا رسوماً جدارية آيلة للسقوط بسبب الرطوبة، تم تثبيت الألوان وطبقة الرسوم مع التعبئة وإعادة الرسم بما يتناسب مع الأصل. وفي بيت القوتلي قمنا بحماية بعض الرسومات ونزع عدة لوحات معرضة للانهيار وسقوط الجدار خلفها، وسيتم إعادتها لاحقاً. وفي بيت اليوسف ثبتنا رسومات شبه نافرة ومنفصلة بسبب الرطوبة واندفاع الماء من الأسقف.

استمرّت عمليات الترميم أيضاً "في المدرسة الجقمقية، حمام القيمرية، المدرسة المحسنية"، وطالت الفسيفساء الجدارية في صحن المحراب في الجامع الأموي. تضيف مرشد: حالياً تقوم البعثة الهنغارية في قلعة المرقب بتوثيق الرسوم ليبدأ الترميم لاحقاً، وتستمر الكشوف والدراسات على الرسوم المتضررة في متحف حلب، ورسوم المتحف الوطني في دمشق. مع التنويه، والكلام لـ "مرشد"، بأن التوثيق وجمع أي وثائق قديمة متوفرة، هما عملان مستمران مع حرص المرممين في المديرية العامة للآثار والمتاحف على سهولة التمييز بين الرسم الأصلي والمرمم حديثاً، حفاظاً على الأصالة واحتراماً للأصل.