عادة قديمة جداً، توارثتها أجيال عديدة ولسنوات طويلة، وأكثر من حافظ عليها هم البدو، وكانت لهم حصّة واسعة في تنفيذها ضمن ربوع الجزيرة السوريّة، تلك العادة لها قيم ورمزية، تدعو للمحبة والمسامحة والأخوة، هي في محطة الاندثار، وكثير من جيل الشباب، لم يعاصرها، لكن يعلم عن تفاصيلها.

طقوس إيجابية تجمع القريب والبعيد

كنّا قبل فترة من موعد الوليمة، نجهز ونرتب، ونحدد التفاصيل، نتشارك أغلب النساء في قريتنا، فالوليمة لها خصوصية وأهمية، ويجب أن تكون بالشكل النموذجي، لم يكن هناك أي تردد لأي امرأة بدعوة قبول التعاون والمساعدة، فالعمل الذي يتطلب إنجازه مهم، ومعروف في بيئتنا بأن الولائم تكون محط الاهتمام والإعجاب، لم نكن نهتم بالتعب والإرهاق، بقدر الاهتمام بجودة الطعام، ورضا الحضور

"ذبيحة غرا" لها تفاصيل كثيرة، وعناوين اجتماعيّة مميزة، تعرف عليها الشاب رضوان صالح حمزة"، قال عن ذلك: «في جلسات عامة، وبشكل دائم، كنتُ أسمع وتتردد علينا هذه العادة، ولأنها كانت أحد الطقوس التي تجمع القريب والبعيد، والأهل والأصدقاء، كان لزاماً علينا أنا ونخبة الشباب التعرف عليها، لذلك اتّجهت إلى أحد كبار السن في ريف "القامشلي" للتعرف على أدق تفاصيلها، حقاً كانت عادة لافتة ومتميزة، فيها كل معاني السمو والإخاء، صحيح أن المعنى العام لها بأنها وليمة، لكن طالما هي سنويّة، وتتكرر بشكل دوري، ويجتمع حولها كبار السن والشباب والصغار، من كل الأطياف ومن كل مكان، فهي تدعو للفخر والتباهي، لذلك هي على لساننا في كل مجالسنا، طالما عادة إيجابيّة، ومن ماضينا العريق، لا يمكن أن تندثر ونحن نتحدث عنها في كل مكان وزمان، حتّى إننا ننقلها للأجيال اللاحقة».

تجهيزها من تخصص المرأة الريفية

وليمة "غرا" تقليد اجتماعي متوارث

الحاج "سند خلف علي" من أهالي بلدة "الجواديّة" تبعد عن مدينة "القامشلي" 60 كم، شارك في وليمة أنجزت تحت عنوان "غرا" في فترة ما، قال عنها: «عمري اليوم يصل لخمسة وسبعين عاماً، أتذكر أنني رافقتُ والدي وأنا يافع في وليمة "غرا"، أقيمت في ريف بلدة "اليعربية" تبعد عن قريتي ما يقارب ال35 كم، شعرتُ بالفخر وأنا أجالس كبار السن والشيوخ في تلك الوليمة، لم أكن أعرف معنى "غرا" حين ذهبت للوليمة للمرة الأولى، ضمن المجلس مكان الوليمة، تعرفت عليها، كتقليد اجتماعي متوارث، لم تتوقف زياراتي عن تلك المشاركات حتّى وقت متأخر».

ربعة عمرها أكثر من مائة عام شهدت هذه الولائم

تجهيز وليمة غرا يقتصر على المرأة البدويّة

كان تجهيز الوليمة، يقتصر على المرأة البدويّة، فهي الأكثر خبرة في تجهيز الولائم الكبيرة، وبالشكل المثالي، من تلك النساء اللواتي أسهمن بتجهيز ولائم "غرا".

يشترط في الذبيحة أن تكون "غراء" أي خالية من السواد

الحاجة "سعدة محمود المحمّد"الثمانينيّة تسرد حكايا الوليمة للأحفاد والشباب، وباتت لزاماً عليها أن تسردها بشكل دوري، حتى لا تتعرض العادة للاندثار.

مما تضيفه الحاجة "سعدة" «كنّا قبل فترة من موعد الوليمة، نجهز ونرتب، ونحدد التفاصيل، نتشارك أغلب النساء في قريتنا، فالوليمة لها خصوصية وأهمية، ويجب أن تكون بالشكل النموذجي، لم يكن هناك أي تردد لأي امرأة بدعوة قبول التعاون والمساعدة، فالعمل الذي يتطلب إنجازه مهم، ومعروف في بيئتنا بأن الولائم تكون محط الاهتمام والإعجاب، لم نكن نهتم بالتعب والإرهاق، بقدر الاهتمام بجودة الطعام، ورضا الحضور».

يشترط في الذبيحة أن تكون "غراء" أي خالية من السواد

دوّنت تلك العادة في ذاكرة كبار السن، وتوارثتها الأجيال منهم، كما أن عدداً من الباحثين في التراث الشعبي وثقوها بأساليبهم وطرقهم، فالأهم عندهم أن تبقى عادة "ذبيحة غرا" بأي شكل، فهم يتباهون بها، ومن الباحثين الذين اتّجه لسردها والاهتمام بها "علي السباهي.

الباحث في التراث الشعبي "علي السباهي" يتحدث عن تلك العادة المجتمعيّة: «شهر رجب هو الشهر السابع من أشهر السنة الهجرية، يطلق عليه البدو اسم شهر (غرا)، كان من عادة المرأة البدوية في هذا الشهر أن تنحر ذبيحة قرباناً لوجه الله تعالى، سواء خروف أو نعجة أو كبش، يشترط في الذبيحة أن تكون "غراء" أي خالية من السواد في الوجه أو الصوف، وهي عادة سنوية قديمة لدى النساء البدويات كبيرات السن وقد بدأت هذه العادة في الانحسار تدريجياً في العقود الأخيرة».

مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 30 أيار 2025 أجرت اللقاءات السابقة.

.