وَرِث حُبّ الفنّ منذ الطفولة، فبدأ بالعزف على العود ومن ثم الهورن، ليُشكل ذائقةً فنيةً تفرّد بها في مسيرةٍ فنية طويلة، جاب بها عدة بلاد مُشاركاً في حَفلاتٍ لفنانين مشهورين.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت بالعازف "فؤاد شلغين" ليحدثنا عن بداياته قائلاً: «بدأ اهتمامي بالموسيقا عبر الاستماع للمكتبة الغنائية للمرحوم والدي، التي حوت أغاني الفترة الطربية الكلاسيكية، والتي شكلّت بداية ذائقتي الموسيقية في عالم الغناء الشرقي، ولعلّي ورثت عنهُ عشقه الكبير للشعر والموسيقا، بدأت عزف العود متأخراً في سن السابعة عشرة مدفوعاً بشغف كبير وحب عظيم، هذه البداية المتأخرة جعلتني في سباق مع الزمن وتمكّنت من اجتياز امتحان القبول في المعهد العالي للموسيقا بـ "دمشق" عام 1991، تعلمت فيه تقنيات العزف العالمي، ليكون بداية نهضة فنية شاملة في حياتي ولا سيّما وأن مدير المعهد حينها "صلحي الوادي" كان قد طلب أن نتعلّم آلة إضافية إذ كان بصدد إنشاء أوركسترا سيمفونية، مختاراً لي آلة الهورن وهو اسم مشتق من لفظ عربي (القرن)، فتعلمت العزف على آلتين بعيدتين شرقاً وغرباً، ساهم بإغناء حسي وثقافتي الموسيقية وفتح مداركي على دائرة أكثر رحابة واتساع، عزفت على العود مع فرقة "الموسيقا العربية" عام 1991 ثم مع الفرقة "السيمفونية الوطنية" على الهورن عام 1993 مع بداية انطلاق الفرقتين، وتخرجت من المعهد عام 1996».

الاستماع إليها بقوالبها وعصورها المختلفة وأخص بالذكر الموسيقا الكلاسيكية، بالإضافة إلى المؤلفات التي كتبت لآلاتهم تحديداً، فمن شأن الاستماع الواعي المركز أن يكسبهم المعرفة والعلم ويطور ملكة الحس الجمالي والتذوق الفني، إضافة للاستماع لملاحظات وتوجيهات مدرسيهم وفهم المواد الدراسية وتحليلها ما يساهم في بناء الشخصية الموسيقية لهم، وبالتأكيد التمرين اليومي الجاد الدؤوب عبر منهجية واضحة، فالآلة الموسيقية حصان جامح يحتاج فارساً يكرّس نفسه له ويهبه المحبة والصحبة الدائمة التي لا تنقطع، وعندها بإمكان هذا الحصان أن يحلّق بصاحبه عالياً

وعن المنحة الدراسية التي حصل عليها قال: «شكّل حصولي على منحة دراسية لمدة عام من الحكومة الفرنسية منعطفاً هاماً في حياتي الموسيقية على صعيد الاحتراف على آلة الهورن عبر تطوير مهارات العزف والاطلاع على مناهج دراسية متقدمة ولا سيّما أن المدرسة الفرنسية لتعليم الآلات النفخية مدرسة عريقة، بالإضافة للأسلوب الرائع في التدريس لدى أستاذي هناك "Joël Nicod"، ومن النقاط الثانية المهمة هي اتساع المدارك والمعارف على الصعد كافة نتيجة الانخراط في الحياة العامة والاحتكاك اليومي بالمجتمع ومفرزاته الحضارية وتكوين صداقات مع أشخاص من بلدان مختلفة وتبادل الخبرات والأفكار في مختلف العلوم وميادين المعرفة، فقد عُدت بعد تسعة أشهر شخصاً مختلفاً».

على الهورن الفرنسي

وتابع الفنان "فؤاد" عن حياته المهنية: «أشغل منصب رئيس قسم الآلات النفخية والإيقاعية في المعهد العالي للموسيقا في "دمشق" منذ عام 2014 وحتى الآن، جعلتني هذه المهمة على تماس مباشر مع العديد من المدرسين والطلاب ولا سيّما أن آلات هذا القسم كثيرة ومتنوعة بين آلات نفخ خشبية ونحاسية، وآلات الإيقاع الغربية والشرقية، وبالتأكيد ليست مهمة سهلة خصوصاً أن متطلبات الدراسة والتطوير في المعهد في ازدياد دائم، ولا نستطيع أن نغفل الظرف العام للبلد خلال هذه الفترة والعوائق الكبيرة أمام العملية التدريسية وصعوبة الاستفادة من ورشات عمل لموسيقيين من الخارج إلا فيما ندر، كان الاعتماد في هذه الفترة على طاقات المدرسين السوريين وعلى إدارة مجلس المعهد ومتابعته وحلوله للمشاكل الطارئة، وعلى جهد ومحبة الطلاب ورغبتهم بالتطور في ضوء الإمكانات المتاحة».

وأضاف عن مشاركاته داخل وخارج "سورية": «شاركت بالعزف مع الفرقة العربية منذ عام 1991 وحتى عام 2001 في حفلاتها في "سورية" و"تونس"، كما عزفت على العود في تشكيلات موسيقية مختلفة منها التخت الشرقي لأساتذة المعهد، ورباعي "دمشق الأندلسي" الذي أحيا عدة حفلات في "إسبانيا"، وفي العديد من حفلات الفرقة "السيمفونية الوطنية" كعازف عود منفرد أو ضمن تشكيلة أعواد، عزفت على الهورن في الفرقة "السيمفونية الوطنية" في معظم حفلاتها في "دمشق" والمدن السورية، وفي "لبنان"، "الأردن"، "الإمارات"، "تركيا"، "البحرين"، "الجزائر" و"إيطاليا"، ولبعض مشاركاتي نكهة مختلفة حيث عزفت على العود والهورن في الحفلة نفسها في "الولايات المتحدة الأمريكية" وفي "عُمان"، وقد كانت تجربة متميزة حمّلتني مسؤولية مضاعفة وبالوقت نفسه أذاقتني طعماً مختلفاً للنجاح، كما شاركت بالعزف مع "الفرقة الوطنية للموسيقا العربية" وفرقة "سيد درويش" وفرقة "قصيد" وفرقة الفنان "أسعد خوري" وأركسترا "شام" للإيقاعات، ومع أوركسترا "أورفيوس" بعدة حفلات في "سورية" و"لبنان"، وبمشاركة بعض مغنّي الأوبرا، وأسعدتني المشاركة بحفلين للفنان "الياس الرحباني" قدمت خلالهما الفرقة باقة من أعماله الجميلة، وبالنسبة للمغنين العرب كانت لي مشاركة بالعزف مع "ماجدة الرومي" و"مارسيل خليفة"، وأيضاً شاركت الفنان "زياد رحباني" في عدة حفلات وكانت تجربة غنية مميزة بأعماله الإستثنائية، وهناك العديد من قادة الفرق الأوركسترالية محلياً وعالمياً، ممن عمِلت معهم بالإضافة لعدد من المغنين لا يتسع المجال لذكرهم جميعاً».

على آلة العود

أما النصيحة التي يقدمها للطلاب في مجال الموسيقا: «الاستماع إليها بقوالبها وعصورها المختلفة وأخص بالذكر الموسيقا الكلاسيكية، بالإضافة إلى المؤلفات التي كتبت لآلاتهم تحديداً، فمن شأن الاستماع الواعي المركز أن يكسبهم المعرفة والعلم ويطور ملكة الحس الجمالي والتذوق الفني، إضافة للاستماع لملاحظات وتوجيهات مدرسيهم وفهم المواد الدراسية وتحليلها ما يساهم في بناء الشخصية الموسيقية لهم، وبالتأكيد التمرين اليومي الجاد الدؤوب عبر منهجية واضحة، فالآلة الموسيقية حصان جامح يحتاج فارساً يكرّس نفسه له ويهبه المحبة والصحبة الدائمة التي لا تنقطع، وعندها بإمكان هذا الحصان أن يحلّق بصاحبه عالياً».

المايسترو "ميساك باغبودريان" حدثنا عن معرفته بالعازف "فؤاد" قائلاً: «اللقاء الأول معهُ كان في سنوات دراسته الأولى في "المعهد العالي للموسيقا" عام 1991، خاصة أنه من أوائل الموسيقيين السوريين الذين اختاروا العزف على آلة جديدة وغير معروفة للكثير من "السوريين" وهي آلة البوق الفرنسي "French Horn"، وبعد عودتي من "إيطاليا" وبدء عملي مع "الفرقة السيمفونية الوطنية السورية" توطدت علاقتنا من الناحية الموسيقية ومن الناحية الإنسانية، فقد اكتشفت شخصاً خلوقاً وموسيقياً شغوفاً مطلعاً وفضولياً ودؤوباً في تطوير نفسه ومهاراته وكثيراً ما قضينا ساعات طويلة في نقاش حول أداء بعض المقطوعات الموسيقية وأساليب التأليف إضافة إلى المشاركات سواء مع "الفرقة السيمفونية الوطنية السورية" في المهرجانات والاحتفاليات الدولية، أو مشاركته معي في الحفلات الخارجية مع فرق من خارج "سورية"، مثل "الفرقة السيمفونية الوطنية الجزائرية" لتكون هذه المشاركات فرصاً إضافية لاكتشاف جوانب إيجابية في شخصية وبناء هذا الموسيقي الموهوب».

يذكر أنّ الفنان "فؤاد شلغين" من مواليد "بيروت" عام 1970، يقيم في قريته "مجادل" في "السويداء".