دَرَس "صلاح عربي القباني" الموسيقا منذ الصغر، وأحب الألحان العربية الأصيلة حيث نشأ ضمن أسرة ذات طابع ديني وفني في آن واحد، فوالده الشيخ "محمد عربي القباني" الذي رباه في أجواء الموسيقا والعزف على آلة "القانون"، إلى أن أسس فرقة "الدراويش الدمشقية".

مدونة وطن "eSyria" التقت الموسيقي "صلاح القباني" بتاريخ 20 نيسان 2014، وتحدثت معه عن البدايات، فقال: «كان والدي محباً للموسيقا، ومن شدة ولعه لم يكن يمر أسبوع إلا وتقام في منزلنا سهرة موسيقية، يتردد إليها كبار الملحنين، أمثال الأستاذ "زهير المنيني، سعيد فرحات"، إضافة إلى كبار الموسيقيين في ذلك الزمان، أمثال: "رجب خلقي، جودت الحلبي، سلامة الأغواني" وغيرهم، وهنا كان لا بد أن أتأثر بأصالة الموسيقا العربية وأناشيدها الدينية عندما أسمعها من هؤلاء الكبار، ما دفعني إلى الانتساب إلى "المعهد العربي للموسيقا" بدمشق "صلحي الوادي حالياً"، بعد اجتيازي امتحاناً عملياً يخولني فيه للدراسة».

كنت أتوقع عند إحيائنا أولى حفلاتنا أن يكون جمهورنا جله من المسنين، ولكن تفاجأت بذلك الحضور الشاب واليافع؛ وهذا ما ترك لدي حافزاً كي أستمر إلى ما توصلت إليه اليوم، وهذا دليل بأننا نجحنا في إيصال ما نربو إليه ونرسخ موسيقانا الأصيلة في أذهان الجيل الجديد، وتالياً الحفاظ عليها وزجها في الساحة الموسيقية باعتبارها تنتمي إلى ارثنا الموسيقي الجميل

أختار "القباني" متابعة درب الموسيقا ومصاحبة آلة "القانون" ودرسها أكاديمياً، ليجيد العزف على القوالب الموسيقية الصعبة، وتابع: «درست آلة "القانون" على أيدي أفضل الموسيقيين منهم: "سليم سروة، وعدنان إيلوش"، فضلاً عن متابعة والدي لدراستي الموسيقية المستمرة إلى أن أنهيت تعليمي، وقد مارست هوايتي من خلال نشاطات أفرع الشبيبة، لكنني انقطعت فترة عن الموسيقا حيث قمت خلالها بتأسيس عملي في الحياة العامة، وبعد أن استقرت أموري العملية بدأت استقطاب أعلام الموسيقا والإنشاد والموشحات إلى سهرات خاصة كنت أقيمها للتعويض عما فاتني خلال فترة الانقطاع».

القباني والمنشد عبد الرحمن عبد المولى

عمل "قباني" جاهداً على استعادة قدراته الموسيقية بتدريبه المتواصل على آلة القانون، وبدأ تأسيس فرقة تعنى بالغناء العربي الأصيل والقدود والدور والأناشيد الدينية، حيث أضاف قائلاً: «أعتمد في مشروعي على ذوي الخبرة في هذا المجال من الموسيقيين القدامى، أمثال: الموسيقي الراحل الكبير "عدنان أبو الشامات" الذي أعده الأب الروحي لهذه الفرقة لما له من أتعاب عليها وعلى أعضائها، وكذلك الأساتذة: "زهير زرزور، إبراهيم الذهبي، راغب مرادني"، إضافة إلى وجود بعض الشباب الناشئين والراغبين في تعلم هذا النمط من الموسيقا، لتكون فرقة "الدراويش الدمشقية" التي تعتمد على التراث وما تركه أعلام الموسيقيين القدامى من أعمال موسيقية تراثية؛ كالموشحات الدينية والأندلسية، والسماعيات، والبشارف، واللونغات».

وتابع: «أسست الفرقة بتوجيه من مدير المعاهد الموسيقية السابق الأستاذ "جوان قره جولي"، وفي البداية كنا نسهر ثلة أصدقاء معاً، هناك من يعزف على الآلات الموسيقية المختلفة ومن يؤدي أغاني متنوعة للفنانين: "كارم محمود، عبد الحليم حافظ، إنشاد ومدائح.."، وقررنا في البداية أن نشتغل على المدائح والإنشاد الديني، من ثم أضفنا إلى ذلك النفحة الأندلسية، التي أعطتنا القوة أكثر، واليوم في حفلاتنا ننوع ما بين الأندلسي والأناشيد الدينية، من خلال الأوزان الموسيقية الخفيفة التي لا تتجاوز 7-8، إلى أن وصلنا إلى 13-4، 24-4، هذه الأوزان التي قل من ينشدها ويعزفها، والتي جذبت الحضور وتركت لديهم أثراً جميلاً».

أثناء التدريبات

ثم قال: «غاية الفرقة هي جمع أرشيف متنوع للأناشيد ربما تكون منسية، إضافة إلى تدوينها موسيقياً وهذا إتمام ما كتبه والدي وجمعه ضمن مؤلف سأعيد طباعته قريباً، مرفقاً بنوتات موسيقية وسيكون مصدراً مهماً لكل من يحب العمل ضمن سياق هذه الموسيقا الغنية والصعبة، وأيضاً الحفاظ على التراث من الضياع، وتسجيل ما أمكن من هذه الأعمال على أقراص مضغوطة ومنوطة موسيقياً؛ ليتمكن كل من يطلب الاستمتاع بهذا التراث وأدائه الاستماع إليه بالشكل الصحيح».

لم يبق أصحاب "الدراويش الدمشقية" مكتوفي الأيدي أمام المضي قدماً نحو تطوير برامجهم وتقديم الجديد في كل حفلة، فقد أضافوا إلى الفرقة أعمال "المولوية" ليكتمل مظهر الطابع الديني على أعمال الموشحات الدينية.

من عروض فرقة الدراويش

ويقول "القباني" في هذا السياق: «كنت أتوقع عند إحيائنا أولى حفلاتنا أن يكون جمهورنا جله من المسنين، ولكن تفاجأت بذلك الحضور الشاب واليافع؛ وهذا ما ترك لدي حافزاً كي أستمر إلى ما توصلت إليه اليوم، وهذا دليل بأننا نجحنا في إيصال ما نربو إليه ونرسخ موسيقانا الأصيلة في أذهان الجيل الجديد، وتالياً الحفاظ عليها وزجها في الساحة الموسيقية باعتبارها تنتمي إلى ارثنا الموسيقي الجميل».

وينهي حديثه قائلاً: «ما نقدمه يغني المكتبة الموسيقية السورية وخاصة أنني الوحيد اليوم الذي يبحث في هذه الأعمال التاريخية، وأوثقها بطريقة تليق بها، حيث يمكن سماعها من أي شخص كان، وأقدم هذه الأعمال من خلال فرقة موسيقية لا بأس بها عدداً بعدما كانت تقدم مثل هذه الأعمال بتخت شرقي بسيط، واليوم نقدمها بعد أن أضفنا بعض الآلات الموسيقية، مثل: "التشيللو، الفيولا، الكونترباص، وعدد من الكمنجات، والإيقاعات المختلفة مع الحفاظ على اللحن الأساسي، وطبيعة الموسيقا العربية الأصيلة».

الإعلامي "إمامة عكوش" يقول: «إن التحدي المطروح في مجال الحفاظ على التراث الموسيقي، يتمثل في ضمان جودة أداء الأغاني والموسيقا التراثية، والحيلولة دون تشويه أصلها أثناء عملية إعادة تقديمها، وإن الحفاظ على التراث الموسيقي في عالم الإسلام يعد قضية مهمة جداً، باعتباره أحد مكونات الهوية الثقافية، ومن الضرورة القيام بعملية استرجاعية للتراث الشفوي حتى لا تقتصر على حفظه في المتاحف والخزانات، بل تتجاوز ذلك إلى الترويج للقيم الراسخة فيه، وهذا الدور يلعبه اليوم الموسيقي "صلاح القباني"، حيث يعنى بتقديم الإنشاد الديني والموشحات الأندلسية بأسلوب حضاري جميل دون المساس باللحن الأساسي، مستعيناً بالقوالب والقطع الموسيقية والغنائية النادرة التي كانت على وشك النسيان».