لكل حي من أحياء دمشق أمثاله الشعبية الخاصة به، حيث يبدأ أهله بذكر المثل عندما تذكر قصة تناسبه، وتعتبر الأمثال الشعبية الشامية حكما منتزعة من صميم الحياة الواقعية، وخلاصة لخبرة السابقين فيما يواجهونه من حكايا وخطوب ملأى بالتناقضات.
مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 6 أيار 2014 السيدة "باسمة النفاخ" المهتمة بالأمثال الشعبية، والشامية منها بشكل خاص، وأشارت إلى مصدر الأمثال بقولها: «معظم الأمثال الشامية هي عبارة عن معنى وخلاصة للقصص والحكايا المتداولة، فعندما تذكر إحدى القصص يبدأ الحضور بذكر الأمثال المناسبة لنهايتها، وينتشر بعدها المثل على لسان الحضور، لذلك تلاحظ أن كل حّي من الأحياء في "دمشق" لديه الأمثال الخاصة به».
الأمثال لها من الكلام موقع الإسماع والتأثير في القلوب، فلا يكاد المرسل يبلغ مبلغها ولا يؤثر تأثيرها لأن المعاني بها لائحة والشواهد بها واضحة والنفوس بها واقعة والقلوب بها واثقة والعقول لها موافقة
ففي أمثال العائلة يقول المثل الشامي: "الخنفسة شافت بنتها عالحيط قالت لها تقبري إمك أنت مثل اللولية بالخيط"، ويقال هذا المثل لمن يعجب بنفسه وأهله.
وأيضاً: "خذو فالكم من أطفالكم"، و"الفال" يعني: ما يتفاءل به الإنسان، وهو تقليد أن الطفل حين يقول شيئاً مستقبلياً فإنه يبشر بالخير.
وقيل: "المثل أعون شيء على البيان"، ويقول "الماوردي" في ذلك: «الأمثال لها من الكلام موقع الإسماع والتأثير في القلوب، فلا يكاد المرسل يبلغ مبلغها ولا يؤثر تأثيرها لأن المعاني بها لائحة والشواهد بها واضحة والنفوس بها واقعة والقلوب بها واثقة والعقول لها موافقة».
ويشير الباحث "محمد سعيد مبيض" في كتابه "الحكم والأمثال في الديار الشامية" بالقول: «الأمثال الشعبية حكم منتزعة من صميم الحياة الواقعية وهي خلاصة خبرة السابقين ورثوها للأبناء والأحفاد لتكون لهم منارة وذكرى في هذه الحياة المدلهمة بالخطوب والملأى بالتناقضات، ومن هذه الأمثال: "حبلى ومرضعة وعلى كتفها أربعة، وطالعة عالجبل لتلاقي دوا للحبل"، ويقال للطماع الذي لا يشبع،
وأيضاً: "مكتوب على ظهر الكفكير عمل الخير ما بده تفكير"».
ويشير الباحث "خالد صناديقي" في كتابه "المثل والكلام في حديث أهل الشام" بالقول: «المثل الشعبي هو صورة كاريكاتورية لحالة اجتماعية أو لسلوك إنساني خاص استحق الاهتمام والتصوير، وقد صور لنا المثل الإنساني الشامي في حكمته وجنونه وفي سماحته وحقده، وفي تبذيره واقتصاده، وفي انفتاحه وتعصبه في مختلف مجتمعه وأدوار حياته».
وكثيراً ما يصور المثل الجانب المظلم من النفس البشرية كالمثل الذي يقول: "الفقير لا يهادى ولا ينادى ولا تقبل له شهادة"،
وفي الأصدقاء ضربوا الأمثال، منها: "خذ الصديق قبل الطريق والجار قبل الدار"».
ويبين الدكتور "علي القيم" في الأمثال الشامية وصدى أحداثها في المرويات الشعبية بالقول: «الأمثال الشعبية فيها ما هو ثابت باق على حاله، ووصل إلينا من خلال سجلات الذاكرة العربية، ومنها ما يعود إلى العصور السحيقة، ومن هذه الأمثال ما تغلغل في الوجدان الشعبي من الكتب الدينية المقدسة، ومنها ما هو موصول بالتراث العربي المتوارث من عصور الجاهلية، ومن بين هذه الأمثال ما يصف حال الناس.
وأهل الشام مازالوا يكثرون من ضرب المثل بـ"عنترة": "عامل عنترة"، و"الفرس من الفارس"، و"لا ناقتي ولا جملي"، "ولا في العير ولا في البعير"، وفي هذه الأمثال امتداد واضح لحياة العرب».
ويضيف "القيّم": «لم يبدع أهل الشام في جمع أمثالهم وحكمهم بل زينوا بها آدابهم وأقوالهم وجلساتهم بلهجتهم المحببة إلى القلوب وكان منطق ذلك الإيمان بقول الشاعر: "ما أنت إلا مثل سائر... يعرفه الجاهل والخابر".
ويضرب أهل الشام المثل في شهور السنة مثل: "آب اللهاب طباخ التين والعناب"، و"آب اللهاب يحمّي المسمار بالباب"، و"آب وأيلول شهور الخرس"، وسميت "الخرس" لأن الرياح فيهما تهدأ».
وتختم السيدة "نجوى الحاج" بالقول: كثيراً ما تردد والدتي الأمثال الشعبية لتعبر بها عن شيء ما من خلال الواقع الذي نعيشه، فالأمثال التي ابتكرها أجدادنا على اختلاف العصور والأزمان والأماكن والظروف لتنطبق انطباقاً تاماً على البشر في الحياة، وكانت والدتي تقول: "درهم وقاية خير من قنطار علاج"، فهذا المثل يجعلك تتقدم بخطوة سهلة في وقتك، وهذه الخطوة ربما تنقذك من الهلاك في المستقبل البعيد».