حاكى التشكيلي "كمال" ألوانه بنمطية عقلانية ومازجها بروح غرافيكية على أسس علمية أكاديمية لتنتج لوحة هي أقرب ببعدها الزمني للمتلقي.
مدونة وطن eSyria التقت التشكيلي "كمال حسن" بتاريخ 22/4/2013 وأجرت معه الحوار التالي:
لكوني مهتماً بالفن يمكنني توضيح فكرة الألوان الجاذبة التي اعتمدها الفنان "كمال" ضمن لوحاته، حيث تراها مفردات أدبية تنطق نثراً، إضافة إلى أني أجد في لوحاته إخلاصاً للمكان والبيئة وهذا شيء يمكن أن يقرأه المتلقي لمصلحة الفنان بشكل عام
** بدأت كأي موهبة منذ الطفولة، وأخذت رسوماتي نوعاً من التدريب الخطي واللوني، وبدأت ارسم صورة مطابقة للوحة رسمتها والدتي وحركت في أعماقي ثورة دفعتني إلى رسم الشخصيات، وهكذا كنت أنتقل من الطبيعة إلى رسوم الخيول ووجوه الأبطال التاريخيين إلى أن أتقنت ناصية الخط وكنت متتبعاً جيداً للسمفونيات الموسيقية وقصص الفنانين الكبار إلى أن وصلت إلى محطة كانت نقطة تحوّل وولادة ثانية وحياة جديدة، هذه المحطة كانت عند عودتي من المدرسة الإعدادية حيث كانت تنتشر مجموعة جميلة من لوحات فنية لفنانين إيطاليين على واجهة وخارج محل فتح حديثاً، وأذهلتني بغناها اللوني وتدفق المشاعر والأحاسيس وجمال الطبيعة فيها، ورحت أتأملها في كل يوم وفي يدي ورقة وقلم أدون عليها ألوان كل لوحة ودرجاتها وملاحظتي لها, ثم أعود إلى المنزل استحضر اللوحة في ذهني وأتخيل الفنان كيف بدأ يرسمها ثم كيف أنهاها، بهدف الحصول على طريقته وكيف فكر بمزج ألوانها، فخصص لي صاحب المحل كرسياً أجلس عليه أمام اللوحة التي أريد رسمها وبعدها انطلقت في عالم الألوان والبحث والتعمق فيها.
** إن الانتماء يمثل تجربة الفنان ويكشف عن مزيج من العقل والعاطفة والانفعال والتلقائية والوعي، فهو نوع من الخطاب للعقل والعواطف، واللوحة تجسد العمل الفني وتبرز انتماءه التشكيلي، لأن الواقع هو مصدر أساسي لتجربة الفنان الفنية والمدارس الفنية تعبر عن أسلوب الفنان في صياغة أجوبته التي تبدأ صغيرة ثم تتطور وتتطور وتخلق عالماً فنياً ينبض بالحيوية والجرأة.
** إن النمطية ضرورية في ترسيخ التجربة مادامت مزيجاً من العقلانية والعفوية والتلقائية العاطفية، ولكن بالنسبة لتجربتي في البداية يكون العقل مهيمناً ثم يدخل عالم الألوان من كل جانب في كل مكان، فلا أستطيع أن أبقى ضمن العقل فأنجرف بعاطفة وأتبع صدى اللون، فالحياة بطبيعتها متقلبة متلونة في حركة حية مستمرة فهي تخرج الفنان الحقيقي من دائرته إلى اتجاهات فنية ومدارس أخرى، فالفن لغة الحياة يتجدد بتجددها.
** اللون هو روح اللوحة، يحركها ويتكلم مع الفنان ويعزف موسيقا الحياة فيها، واللون هو كلام اللوحة، والفرشاة هي يد الفنان وعقله وعاطفته قهي تنقل باطنه إلى ظاهر الحياة.
** إن اللوحة البيضاء تمثل لي العروس التي تزف في كرنفال ملون وتخرج بأجمل صوره وتتهيأ لدخول عوالم الألوان، فهي كالوردة البيضاء في بستان أخضر مملوء بالزهور الملونة، حتى إني أجد في بياضها وخلوها من العناصر الشكيلية لوحة تنطق، وهذا من مبدأ الفراغ اللوني للوحة.
** أقوم بتنفيذ عدة أفكار على أوراق صغيرة, ثم تتلاقح الأفكار مع بعضها بعضاً بطريقة تفاعلية تنجب لي فكرة شبه متبلورة أقوم بتنفيذها بسرعة وتلقائية وبساطة على ورق صغير وأنتهي من بناء صيغتها وهيكلها، وعندها تنضج الرؤية للوحة أقوم بزفها إلى اللوحة البيضاء بطريقة أحسب فيها مساحة اللوحة وتوزع العناصر والألوان فيها، ثم أوزع الألوان البدائية للوحة حتى تتشكل أمامي عناصر الانطلاق الذاتي فانطلق.
** اللوحة هي شعور يقودنا إلى الحياة الجديدة الموجودة على سطح القماش الأبيض، وإن العمل الفني كلما ازداد غنى من الناحية الجمالية ازدادت مشاركة المشاعر له، والمتعة الجمالية هي متعة الشكل والمحتوى وأسلوب التعبير، وقد أدركت هذه الحقائق الفنية وأتبنى معالجتها وتوظيف الخطوط والحركة واللون وحرارته وبرودته ووضوحه والعجينة اللونية وتدرجات القيم اللونية وجماليتها، والمساحات اللونيه والطابع العفوي والفني التعبيري والجمالي كوسيلة للتعبير عن المضمون.
** إن الثقافة والمعرفة تؤثر على الجو المحيط بالفنان والواقع الذي انطلق منه, والتجارب أم المدارس والمدرسة الفنية تولد أشكالاً للأفكار، والصراع الداخلي عند الفنان ينقله إلى إدراك الواقع الإنساني، وبالتالي التعبير عنه، فيصبح أكثر اتساعاً وامتداداً في المكان والزمان، فالمخزون البصري الانفعالي يعيداني إليّ طفولتي من جهة، والبحث عن الحب والخير والجمال في حياة الإنسان يقودني إلى رؤية وإنجاز لفكرة اللوحة من جهة أخرى، وقد كنت في طفولتي قد رسمت أحياء "صافيتا القديمة" و"البرج" وما حوله، وقمت بنحت "البرج" والبيوت التي حوله بعد أن قمت برسم الحارات من فوق "البرج"، لقد عشقت هذا "البرج القديم" والحارات القديمة وأحسست فيها وبجمال إبداع الإنسان وحبه للحياة الجميلة فيها، وكيف يشعر بدفء الحجر والخشب ويكوّن عالمه بيده.
** بالأساس تجربة الفنان تدل على بعده الزمني وقوة وضوح نضجه وإمكانية قراءة تعبيره بتأثير بليغ يجعل المتلقي يقف أمام زمن اللوحة الذي أخذ مكامنه الداخلية وجعلها تعزف مع ألوان اللوحة موسيقا خالدة للحياة.
** إن التناقض اللوني يدخل في مسيرة اللون وإبراز الصيغة التشكيلية وتحريك العاطفة اللونية الانفعالية وإغناء اللوحة بصوت اللون وعاطفة تعبيره وقوة حضوره الذاتي وتألقه وتمجيد وجوده.
** إن الفنان يولد فناناً والموهبة والفطرة الفنية ملكات تقود الفنان في ظلمات وبحار التجربة إلى إشراقات وسماء القرار والإدراك، والدراسة الأكاديمية بالنسبة لي كانت عبارة عن درج أرتقيه لأرى إلى أين يصل، واختلاف الرؤية ما بعد الدرج كان لشدة تكرار التجربة وإعادة النظر بالموديل ذاته لأخرج منه إلى رؤية أخرى كصعود الدرج وبذل الجهد والارتقاء بالمعرفة.
** العلاقة البصرية هي عبارة عن لغة تعبيرية تصبح فيها اللوحة أداة للحوار، ومضماراً تتسابق فيه كلمات الانتقاد والاعجاب باللون والخط وتقييم المرحلة والقبول والرفض والفرح والحزن، وأرى كل ذلك في عيون المتلقي.
** اعتمد بالدرجة الأولى على رمزية الشخوص في اللوحة ومحتواها الانساني، ومن ثم إظهار ما هو كامن في الأعماق الانسانية وحضوره وإغناء الناحية الجمالية, فالفن التعبيري والجمالي يترجمه اللون والحركة.
** إن الرؤية الفكرية للوحة والتي تقبع في مكامن فكر الفنان وابداعه وتدغدغ خياله وتراوده دائماً وتقلق مضجعه، تظل تنمو وتتحرك وتكبر وتتغير وتتبدل أشكالها إلى أن تجد في ذات الفنان أثراً وتعلقاً فيلبسها أثواباً وألواناً إلى أن يرى فيها صيغة تلائم توجهه وتتفاعل هي في ذات الفنان وأفكاره وعاطفته وفي لحظة ما يقرر في انفعال ما أن يرسم هذه اللوحة, فهذه اللحظة قد يغمرها فرح أو حزن أو مشاعر متضاربة من الرضا والغضب أو حدث قد دفع الفنان باتجاه القرار، هذه حالات متباينة إلا أن تلقائية اللوحة هي التي تنساب وتتسلط على حركة الفنان.
** إنه مشروع مبدئي وقد أطلقت اسماً فنياً على صالة العرض يذكرني دائماً بالغاية التي أطمح بتحقيقها وهي "الفن المتواصل والفن اللامتناهي" وحقيقة المشروع إقامة أكثر من صالة تحمل نفس الاسم في عواصم عربية وإن شاء الله عالمية، والدوافع إغناء الحركة الفنية الناهضة في بلدي وتسليط الضوء على أكبر عدد من الفنانين إلى جانب التوجه الاقتصادي وتسويق لوحات الفنانين داخلياً وخارجياً، والغاية القصوى إنشاء متحف فني يحمل هذا الاسم. وكانت بداية الفكرة عندما كنت مقيماً في "دبي" أتابع حركة صالات العرض الفنية، فوجدت بينها منافسة قوية وحرصاً شديداً في التعامل مع الفنانين الذين ينتظرون موافقة للعرض في معظم الصالات، نظراً لشهرة هذه الصالات وتوزعها في أكثر من عاصمة عالمية، إضافة إلى القوة الاعلامية، وهنا في بلدي نملك كل هذه المقومات فلماذا لا نأخذ بزمام المبادرة ونكون السباقين؟!.
وفي لقاء مع الأستاذ "علي بشلاوي" قال: «لكوني مهتماً بالفن يمكنني توضيح فكرة الألوان الجاذبة التي اعتمدها الفنان "كمال" ضمن لوحاته، حيث تراها مفردات أدبية تنطق نثراً، إضافة إلى أني أجد في لوحاته إخلاصاً للمكان والبيئة وهذا شيء يمكن أن يقرأه المتلقي لمصلحة الفنان بشكل عام».
يشار إلى أن التشكيلي "كمال حسن" من مواليد عام /1973/ وهو مقيم في مدينة "صافيتا".