القانون توءمه، والموسيقا روحه، وهذا المزيج جعل اسم "سليم سروة" علماً من أعلام الفن العربي الأصيل.
يقال إن سيدة الغناء العربي "أم كلثوم" لم تكن تطلب عازفاً لينضم إلى فرقتها إلا لأنه موسيقي مبدع وعازف يشهد له، وهو ما حدث مع الفنان والمايسترو "سليم سروة"، فهل قبل العرض؟
كنت سعيداً جداً عندما عزفت أمام "عبد الوهاب" ورأيته يصفق لي بحرارة، فلا أنسى كلماته عندما قال: أنامله التي أبدعت العزف على القانون كأنها مصنوعة من ذهب
مدونة وطن eSyria التقت المايسترو "سليم سروة" بتاريخ 28/7/2010 وكانت البداية مع الخطوات الأولى إلى الفن، فقال: «أنا حلبي ولدت في دمشق عام 1932، والدي "باسيل سروة" المطرب والملحن وعازف الرق، حرص على تعليمي الموسيقا على يد أكبر عازفي القانون في العالم العربي وهم "محمد عطية"، و"ابراهيم عبد العال"، و"عبدو عوض"، و"عبد الفتاح منسي"، و"محمد عبدو صالح" رئيس فرقة كوكب الشرق "أم كلثوم"».
يعّد "سروة" من أوائل من عمل على استعمال أربعة أصابع للعزف على القانون، بدل إصبعين. وعاش طفولته في جو موسيقي بحت، فاعتاد سماع الموسيقا العذبة، وأراد والده أن يتعلم العزف على آلة القانون وعن سبب ذلك يقول: «يعود اختيار والدي أن أتقن آلة القانون إلى كونه مطرباً، فالمطرب عندما يغني الليالي أي الغناء بكلمة "يا ليل" والمواويل، فإن عازف القانون الذي يرافقه يقوم "بالمحاسبة" على قانونه.. والمحاسبة "اصطلاح فني" يعني أن يقوم عازف القانون بترجمة المقاطع التي يغنيها المطرب، عزفاً على قانونه، فيحاسبه بدقة عن كل مقطع غنائي يغنيه، إلى أن يختم أو ينهي التقاسيم بالقفلة نفسها التي قفل بها المطرب غناءه، وهذا النوع من الغناء يكون في أغلبه ارتجالياً، لذا يبقى عازف القانون تحت تصرف المطرب وقدراته الفنية ومزاجه، ومن هنا ونظراً لأهمية عازف القانون أراد والدي أن أتعلم العزف على هذه الآلة».
درس "سروة" الموسيقا وتخصص بدراسة العزف على القانون ثم تعلم العزف على البيانو على يد الفلسطيني الراحل "يوسف بتروني" قائد الفرقة الموسيقية الغربية في إذاعة القدس، فعلمه النوتة الموسيقية، ومن ثم أخذ يدرسه العزف على القانون بأسلوب عزف البيانو ويقول في ذلك: «بقيت أتبع هذا الأسلوب في العزف مدة عامين، واستفدت من أسلوب "يوسف بتروني" التعليمي استفادة كبرى، لأن هذا الأسلوب كان مبنياً على قاعدة أساسها العلم الموسيقي الصحيح».
تنقل "سروة" بين إذاعات القدس والإذاعة الأردنية في الفترة الواقعة بين منتصف الأربعينيات وبداية الخمسينيات، لتتوالى أعماله ومؤلفاته الموسيقية وتبلغ ما يقرب 1100 عمل بين لحن غنائي وموسيقي صرف، فغنى له عدد كبير من الفنانين منهم: "صباح فخري، فهد بلان، طوني حنا، كروان، موفق بهجت، شادي جميل، طروب، فؤاد حجازي، سهام شماس، مها الجابري، وداد محمد، سميرة توفيق، هيام يونس، ياسين محمود، حياة الغصيني، سحر، مروان محفوظ، ليلى مطر، فاتن جمال، رفيق سبيعي، جلال سالم، مصطفى نصري، دلال شمالي، محمد غازي".
في عام 1952 قدّم أول لحن لإذاعة دمشق بعنوان "ناديا" وفي هذا يقول "سروة": «تجربتي الأولى في تأليف المقطوعات الموسيقية أهديتها لخطيبتي "ناديا" يوم إعلان خطبتنا، وهي الفتاة التي عشقتها وتزوجتها، هذا الزواج حمل إلي الاستقرار والراحة النفسية بعد عناء طويل، ومهد لي الطريق لأكرس عملي وفني، ومن أعمالي الموسيقية أيضاً أذكر: "زغاريد" - "نزهة" - "كونشرتو القانون". ومن ألحاني الغنائية: "شكوانا إلى أحبابنا طول ليلنا" غناء مها الجابري. "سلو فؤادي" - غناء صباح فخري. "الوعد الكبير" - "الوطن العربي" أوبريت. "ياحبيب الروح" موشح غناه ياسين محمود، "يا أوفى كل البشر" غناء شادي جميل».
كذلك سجل عزفاً منفرداً على القانون بمصاحبة الإيقاع ببراعة متناهية لعدد من المقطوعات الشائعة لغيره من الملحنين منها: "هزي يا نواعم، لولو بلولو، طلعت يا محلا نورها، مرمر زماني، تفتا هندي، يا مال الشام، قدك المياس، آه يا حلو، عالعزوبية، عالروزانا".
وللدراما كتب قائد "فرقة دمشق الوطنية" العديد من مؤلفات الموسيقا التصويرية منها مسلسلات "الورقة البيضاء" - "ابتسامة جافة" - "ليالي قرطبة" - "فتنة". بينما وضع للسينما موسيقا لفيلمين وثائقيين: "التكية السليمانية" - "آثار سورية" والفيلم الطويل "الصديقان" - لدريد لحام ونهاد قلعي و"عاريات بلا خطيئة" لفهد بلان وإغراء.
في العام 1971 تلقى "سروة" عرضاً مميزاً بقي في ذاكرته لا ينساه، يقول عنه: «كان عرضاً من سيدة الغناء العربي "أم كلثوم" لمرافقتها في حفلاتها كعازف، لكن تمسكي بالبقاء في بلدي ومع أسرتي جعلني أعتذر عن قبول العرض الذي كان حلماً يراود أي عازف عاصر كوكب الشرق».
من أجمل ما قيل عن "سروة" أنه موسيقار بأنامل من ذهب، وكان هذا باعتراف موسيقار الأجيال "محمد عبد الوهاب"، ويقول "سروة": «كنت سعيداً جداً عندما عزفت أمام "عبد الوهاب" ورأيته يصفق لي بحرارة، فلا أنسى كلماته عندما قال: أنامله التي أبدعت العزف على القانون كأنها مصنوعة من ذهب».
الباحث الموسيقي "صميم الشريف" تحدث عنه في كتابه "الموسيقا في سورية" بالقول: «وفي واقع الأمر فإن "سليم سروة" الذي لحن في جميع ضروب الأغنية عدا "الدور" لجميع الإذاعات العربية تقريباً عدداً لا يستهان به من الأغاني يزيد على الخمسين والتسعمئة أغنية توزعت بين الاسكتش والأوبريت والقصيدة والموشح والمونولوغ الرومانسي والطقطوقة والأغنية الشعبية والأغنية الدينية والمونولوغ الانتقادي الاجتماعي، والديالوغ والأغنية الوطنية والقومية والنشيد، كان ينطلق في تلحينه من فكره الموسيقي الذي جمع في ثقافته الموسيقية بين فن الأسلاف وورثة الرواد ومعاصريه في الوطن العربي والثقافة الموسيقية الغربية التي تأثر بها من أستاذه "يوسف بتروني" وهذا في مجمله أكسبه مقدرة فنية ذات خصوصية، وشخصية موسيقية واضحة المعالم يمكن التعرف عليها بالدرجة الأولى من وراء عزفه بالقانون ومن ثم في ألحانه».
أصيب سليم سروة بعد تقاعده عن العمل بأزمة قلبية، دفعته لإجراء عمل جراحي فاشل، ومع ذلك جازف بعمل جراحي آخر لم يكن أفضل منه، كذلك عانى من مرض السكري الذي أنهكه وأدى إلى بتر ساقيه.
رحل "سليم سروة" عام 2011 بعد صراع مع المرض عن عمر يناهز 78 عاماً ليوارى الثرى في مقبرة مجمع باب شرقي بباب توما مخلفاً وراءه إرثاً موسيقياً كبيراً وتجربة فنية غنية جعلته من كبار الموسيقيين في العالم العربي.