"أبو الوفاء أحمد" شاعرٌ كلماته تغوص في الروحانية وتتناغم مع الوزن والقافية، أحب الشعر منذ الصغر واختاره ليكون مرآة تعكس ما يعتري روحه كشاعر، بدأ بجمع قصائده في دفتر صغير ليبعث فيما بعد الحياة في كلمات ديوانه "ليس من الأموات".
مدونة وطن eSyria زارت الشاعر "أبو الوفاء أحمد" في 16/12/2012 وكان الحوار التالي:
يتميز شعر "أبو الوفاء" بالروحانية العالية والشفافية, وتشعر حين تقرأ له كأنك تسير في منطقة جبلية على ضفاف نهر يحفّ به السنديان وشجر الدلب تتخلله أصوات من الماضي السحيق تأتينا برائحة النخيل وشموخها والثقافة واضحة في سطور الشاعر ونلمح دائماً أثراً فلسفياً يطرز حواف القصيدة ويقدمها لنا وجبة فكر وشعر وعذوبة
** البداية كانتْ مع أناشيد الطفولة في المدرسة، فقد كنتُ أجدُ لذةً في ترديدها، وشيئاً فشيئاً أخذت الكلمات تتسرّب إلى أعماقي، وبدأتْ ترشح على دفاتري المدرسية، ولم أكنْ قد تجاوزتُ سنّ العاشرة عندما كتبت كلماتي الأولى، وفي الثالثة عشرة من العمر خصّصتُ دفتراً أجمع فيه ما بدأ كلعبةٍ في يد طفل, ولا أعرف كيف سينتهي. ورغم أن ميولي الأدبية كانت واضحة منذ نعومة أظفاري، إلا أني لم ألق في تلك الفترة تشجيعاً مناسباً. كانت هناك إشارات إعجاب من الأهل والمعلمين في المدرسة وبعض الأصدقاء إلا أنه لم يحصل تشجيعاً بالمعنى الحقيقي للكلمة، لذلك اخترت الفرع العلمي حين صرت في المرحلة الثانوية، إلا أن دراسة الأدب كانت الأقوى فدخلت كلية الآداب قسم اللغة العربية.
لا شك أن كتاباتي في البداية كان ينقصها الكثير من الناحية الفنية، إلا أنها كانتْ حديثاً صادقاً متدفّقاً بمكنونات ذاتي، وأقتطف من قصيدة كتبتها في تلك الفترة في أثناء المرحلة الثانوية هذا المقطع:
من دون نورٍ أو ظلامٍ
لا أبالي...
فالدمُ المخمور ما عاد دمي...
روحٌ مخدّرةٌ وجسْمٌ منذوٍ...
لا تقربيني...
عيناك سوف تفجّر الأنوار والظلمات فيّ
وفي دمي.....
** على مدى خمسة وعشرين عاماً تكدّس ما أكتبه في الأدراج من نثر وشعر، وكنتُ عبر هذه السنوات الطوال أنتظر الوقت المناسب لنشر ما أراه جديراً بالنشر، وكانت هناك ظروفٌ تعيق هذه المسألة، ولا أخفي أنني مررت بفترة أُصبت فيها بالإحباط، وحدث بيني وبين نفسي رهانٌ: هل ستحيا هذه الكلمات أم ستموت. وأخيراً قرّرتُ أن أخوض التجربة، فكان هذا الديوان.
** نعم إلى حدّ كبير فكلّ قصيدةٍ كانتْ قطعةً من روحي، تحكي آلامها أو آمالها، تقلّباتها أو تأملاتها، فالشعر الصادق وإن مكث في القلب طويلاً فهو الذي سيخرج ليسعد الناس، ويصنع الفرح، أمّا الشعر المزيف فهو كالزبد.
** لا أعرف فرحاً لمْ يكنْ منْ مواليد الحزن. إن الحزن الطيّب يخلق إنساناً فرحاً بجناحين كما أقول في إحدى قصائد الديوان:
فالحزن هو المظهر،
والفرح هو الجوهر
الحزن هو الكلمات،
والفرح هو روحها الخفيّة النابضة بالحياة.
** كلّ شيء في هذه الحياة يمكن أن يكون الحرف الأول في القصيدة، فأنا لا أُقحم نفسي في الكتابة، أو أمسك قلماً، وأقول: سأكتب الآن قصيدةً، فالقصيدة تهطل كالمطر بلا موعدٍ، وبلا ترتيبات مسبقة إنها تجيء في أيّ وقت لأنّ بيتها في القلب، وعلى القلب لا يوجد حرّاسٌ أو حجّابٌ فأقول في إحدى قصائدي:
هي القصيدة تُمليني فأكتبها
وهْي الملومة في سهدي وفي أرقي
القصيدة هي التي تكتبني، وأنا حتى الآن لم أكتبْ في حياتي أيّ قصيدة إلا ما أملتْ عليّ هي.
** لا أتصوّر أن هناك شاعراً لم تحاصره أسئلة الوجود الكبرى، بل لا أعتقد أنّ هناك إنساناً عاقلاً لم يفكّر في علّة الوجود، ونشوء هذا العالم, وما فيه من خير وشرّ، وما بعد الموت إلى غير ذلك من هذه الأسئلة التي تقضّ مضاجعَ الفلاسفة, ويحار فيها العلماء. والجميع يُعمل أدواته في البحث عن الحقيقة، ويتفاوتون في العلم والعزم وكفاءة الأدوات، لكنّ الشاعر له أدواته المميزة، إنه يحمل في يده مصباح الكلمة، ويريد أن يُنير وجهاً لحقيقة ليراه ويرى الآخرون أيضاً.
** هذا السطر الذي ذكرتِه من قصيدة في الديوان بعنوان "توق"، وهو توقٌ إلى المطلق، ولو عدتِ إلى القصيدة سترين كيف أن الرغبة بالانعتاق تتطوّر من الشخصي إلى القومي إلى الإنساني في المطلق. هناك حاجة ملحة في الخروج من ركونٍ وكمونٍ على عدة مستويات، ولم يعد الصبر على هذه الحالة من الأسر ذا فائدة إنه لم يعد صبراً أصلاً.
** يريدُ من الشعر أن يخرجَ منْ قلب الصخرة إلى سماء الفكرة، يريدُ أن يكون هوَ نفسه ولا أحداً سواه، يريدُ أن يكتب تاريخه بنفسه, وبلغته, فلا يستعير لغةً أخرى ولا يكون ظلاً للآخرين، ولا ينبهر بشرقٍ أو بغربٍ، فيفقد البوصلة، يريدُ أن يختزل كلّ ما حوله من حياة، وما اختزنته هذه الأرض الغالية من تاريخ وجمال وحب, فيثري الحاضر، ويبني المستقبل.
** لأنني لا أستطيع أن أقول للحظة الجميلة قفي، ولا أستطيع أن أقول للوردة التي ملكت عليّ جوارحي لا تذبلي.
الشاعر "رضوان أبو غبرة" قال عنه: «في كتابات الشاعر "أبو الوفاء" لا تزال هناك غنائية واضحة تضع قلقه الوجوديّ والشعريّ على مقربة من قارئه، وهو لا يزال مسكوناً بالمدّ التقليدي للشعر لكنه يبحث بأناة ورويّة عن حساسيته الخاصة ضمن هذا الفلك، وعلى الرغم من عدم انزلاقه- إذا صحّ التعبير- إلى الكتابة الحداثوية فإنه قارئ للشعر الحديث بامتياز وكيف لا وهو ابن اللغة العربية ويخوض في غمارها الأكاديمية منذ زمن؟ وهو أيضاً يتمتع بطاقة شعورية كامنة تبحث عن أقنية لائقة بفوضى الشعر».
الشاعرة "هيفاء فويتي" قالت: «يتميز شعر "أبو الوفاء" بالروحانية العالية والشفافية, وتشعر حين تقرأ له كأنك تسير في منطقة جبلية على ضفاف نهر يحفّ به السنديان وشجر الدلب تتخلله أصوات من الماضي السحيق تأتينا برائحة النخيل وشموخها والثقافة واضحة في سطور الشاعر ونلمح دائماً أثراً فلسفياً يطرز حواف القصيدة ويقدمها لنا وجبة فكر وشعر وعذوبة».
"مرهف عكاشة" وهو قارئ للشعر قال عنه: «في شعر أبو الوفاء حفاظٌ على الوزن والقافية، هذه القافية التي نفتقدها قليلاً مع شعرائنا الحديثين، وكلماته سهلة بسيطة مباشرة تصل إلى القارئ دون تكلف، وهذا ما يجعل شعره يصل إلى الفئة الأكبر من القراء، ففي قصيدة "الوحش" نشعر بأن القصيدة على الرغم من حزنها تتراقص على أنغام الكلمات، وفي مضمونها بعد فلسفي لطيبة الإنسان الشفيف، وعلى الرغم من الحزن الطاغي على كلمات قصائده فلابد للشعر أن يشعل شمعة في آخر الطريق المظلم».
يذكر أن الشاعر "أبو الوفاء أحمد" الآن في صدد طباعة ديوان جديد بعنوان "ديوان الحب".