زيارة القبور هي من العادات والتقاليد المجتمعية الأزلية والتي ربما وجدت مع وجود الإنسان بحد ذاته، فالمسلمون يزورن القبور يوم الخميس، والمسيحيون يزورونها يوم السبت، ويتفقان في الذهاب في أيام الأعياد والمناسبات للزيارة.
موقع eHasakeh وللحديث حول هذا الموضوع التقى السيدة "وسيلة كنعان" أحد الزوار بشكل أسبوعي للقبور لتتحدث قائلة: «أنا أزور القبور منذ صغري وهي عادة تعودنا عليها، حيث نقوم بزيارة قبور الأقرباء كل خميس وزيارة قبر زوجي الذي قضيت عمراً كاملاُ برفقته، ونقوم بتوزيع السكاكر على الاطفال، بالحقيقة لا نعلم إذا كانت عادة يمنعها الدين أو فرضها المجتمع ولكن أرى في النهاية أن الزيارة تسر أرواح الموتى أيضاً».
أنا أزور القبور منذ صغري وهي عادة تعودنا عليها، حيث نقوم بزيارة قبور الأقرباء كل خميس وزيارة قبر زوجي الذي قضيت عمراً كاملاُ برفقته، ونقوم بتوزيع السكاكر على الاطفال، بالحقيقة لا نعلم إذا كانت عادة يمنعها الدين أو فرضها المجتمع ولكن أرى في النهاية أن الزيارة تسر أرواح الموتى أيضاً
السيد "عزيز محمود" يقول: «أنا التزم بالدين ولكن الزيارة أصبحت واجبا متحتما علينا وتعودنا عليها، فأنا اقوم كل خميس بزيارة قبر زوجتي وأرش الماء على ترابها، أحس بأنها تراني وتكون مسرورة بقدومي واهتمامي بها، وهذه العادة تعودناها من أجدادنا منذ الصغر حتى أصبحت مقدسة لدينا، بالإضافة إلى زيارة أيام الأعياد والمناسبات، في الأعياد نذهب منذ الفجر للقبور وتجتمع الناس نقوم بالدعاء وقراءة القرآن على قبر من يخصنا».
وعن رأي الشرع الإسلامي في الموضوع حدثنا الشيخ "محمد بركات" قائلاً: «تعددت الآراء ووجهات النظر حول موضوع زيارة القبور في الدين الاسلامي ما شكل من هذه الآراء فريقين أحدهما شرع الزيارة والآخر لم يستحب الزيارة، فمنهم من يقول إن زيارة القبور مندوبٌ إليها الرجال دون النساء فتكره لهن بسبب بكائهن ورفع أصواتهن لما يحملن من رقة قلب وكثرة الجزع وقلة احتمال المصائب، وأما فريق آخر فلم يحرمها لأن الرسول (ص) مرّ بامرأة تبكي على قبر صبي لها فقال لها اتقي الله واصبري، وهذا يدل على أن الزيارة لو كانت حراما لنهى عنها الرسول، ولخبر عائشة السابق: كيف أقول يا رسول الله إذا زرت القبور، ومحل ذلك حيث لم يترتب على خروجها فتنة فلا شك في التحريم ويحمل عليه الخبر الصحيح لعن الله زوارات القبور، من كثرة ما نراه من أفعال النساء في هذا الزمن من تبرج وسفور وهذا في منحى الدين محرم، ولذا وجب على اولياء الأمور منعهن من ذلك وهذا بالطبع رأي الناهين عن الزيارة.
أما الموافقون على زيارة النساء فيشترطون أن تكون مستورة متأدبة، وتجوز الزيارة إذا تمثلت بشرط الصبر وأن يرافقها حرمها منعاً للفتنة، وهناك رواية أن "عائشة" زارت قبر أخيها وهو دليل عدم التحريم».
ومن كل هذا استخلص "بركات" من الزيارة قائلاً: «الجدل في هذا الموضوع لم يحرم الزيارة وحتى لم يثبتها ولكن ما ثبت عن رسول الله أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين إذا انصرفوا عنه، وأيضاً شرع لأمته إذا سلموا على أهل القبور أن يسلموا عليهم سلام من يخاطبونه فيقول (السلام عليكم) وهذا الخطاب هو للعاقل والسامع، ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد، وكل السلف مجمعون على هذا وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به، وإلا فزيارة الأموات عبث ولا فائدة منها وحاشا ثم حاشا أن يأمر رسول الله بشيء فيه عبث وهذا يدل على صحة الزيارة كَسُنّة».
أما في التشريع المسيحي لزيارة القبور فحدثنا الأب "توما قس إبراهيم" قائلاً: «إن زيارة القبور لم تكن حكراً على دين أو طائفة بحد ذاتها بقدر ما كانت واجبا على كافة الناس وربما حتى قبل نزول التشريعات السماوية وأنا برأيي الشخصي هي عادات مجتمعية أكثر منها عادات دينية، والموت بالنسبة لنا كدين ليس نهاية الحياة بل الدخول في حياة جديدة وزيارة القبور لدينا هي بمثابة ذكرى ووفاء لهذا الشخص الذي ولد من تراب وعاد للتراب حيث كان يعيش معنا وبيننا، بالإضافة إلى أن ديننا لا يفرض شيئا على أحد فالإنسان مخير وليس مسير، وهناك طريقان الاول للجنة والآخر للنار، وكل يحاسب حسب عمله، وواجب الزيارة فرض علينا من خلال زيارة "المريميات" والتلامذة لقبر السيد المسيح لتصبح عادة متكررة لدينا ومنذ الأزل لزيارة الأقرباء والأناس المقربين، وتتم الزيارة يوم السبت من كل أسبوع بعد الصلاة في الكنيسة حيث ذكر في الكتاب المقدس في السفر الجامع بالقول (الذهاب لبيت النوح خير من الذهاب لبيت الوليمة)، وفي الآية رقم (4) أيضاً في السفر الجامع يقول (قلب الحكماء في بيت النوح وقلب الجهلاء في بيت الفرح)، والعبرة المستوحاة من الزيارة هي تذكر للإنسان الحي الذي عندما يرى القبور سيبقى على يقين من أنه لاحقاً سيدفن مثلهم، ما يدخل إلى قلبه السكينة والعمل الصالح ليفوز بحياة أخرى وربما تبدأ التوبة الكبرى من هذه الزيارات».
وعن طقوس زيارة القبور تابع "توما" قائلاً: «لدينا طقوس خاصة لزيارة القبور بالإضافة لزيارة يوم السبت لدينا ليالي الأعياد أيضاً نقوم أولاً بالصلاة على الميت في الكنيسة ومن ثم يذهب الكاهن برفقة الناس للقبور، والصلاة هي نوع من الدعاء التي تخدم الميت والأكثر إفادة من النواح والبكاء الذي لا يفيد الميت بشيء، ونقوم بإشعال الشموع والبخور على القبور والشموع هي دلائل على مصدر النور الذي نتمنى من خلاله أن يجعل الرب مكان هذا الميت كله نور، وكانت تضاف للشموع والبخور سابقاً قيام الأهالي بتوزيع الحلويات والسكاكر وهذه العادة بطلت بسبب تكاليفها الباهظة والتي لا تستطيع أي عائلة القيام بها».
وعن دلائل اللباس الأسود الذي ترتديه النساء في زيارة القبور أضاف "توما": «إن اللباس السوداء هي ليست عادات تشريعية بقدر ما هي عادات مجتمعية بالية تعود الناس عليها من خلال حياتهم وهي عادات تقليدية أظهرتها المجتمعات، فالدين لا يفرض ارتداء لون على لون آخر وهذا برأيي مخالف للدين لأن الله يقول (وخلقنا كل شيء حسن) وأيضاً الكتاب المقدس ذكر القول: (لا تحزنوا كاللذين لا رجاء لهم)، وهذا دليل على أن الإنسان عليه الصبر وإدراك أنه في يوم سيعود لدار الحق والموت بالنسبة للمؤمن هو فرحة العودة لبين يدي الله، والسيد المسيح لم يكن من الذين اهتموا بزيارة القبور لأن كل إنسان سيزول ولديه مقولة مشهورة تقول (دعوا الموتى يدفنون الموتى) للدلالة على أن كل إنسان حي هو ميت لا محالة والإنسان يجب ان يفكر بالعمل الصالح في الدنيا ويبتعد عن الأمور الصغيرة والاهتمام الزائد بها، وللدلالة على وهمية القبور قال الأب "مارأفرام السرياني" (لا تدفنوني بين الناس لأني ولدت غريبا وسأموت غريبا) ومسكني النهائي عند الله، وفي النهاية كل هذه الأمور هي عادات تفشت من خلال منظور المجتمع وبرأيي أن هذه العادات سببها عدم فهمنا كمجتمع شرقي لروح التشريع السماوي والكتب المقدسة وتمسكنا بقشور الأمور دون التعمق في مضمون هذه الكتب وفهمها وإدراكها».