قدم الموسيقار "فريد الأطرش" الكثير من الأغاني الطربية والشعبية والطقطوقة والقصائد والأوبريت والمنولوج والأغاني الوطنية، لكن وراء كل عمل من أعماله حكاية، فما حكاية الأغنية "حيو البطل بطل الجهاد" التي قدمها زمن الوحدة بين سورية ومصر؟ وكيف ولد لحنها؟ إذ من يستمع إليها يجدها متشابهة مع ألحان التراث المحلي في جبل العرب.

«لعل فريد الذي عشق الموسيقا والطرب والاستهلال الصوتي حينما أدخل الموال في منتصف الأغنية وتأثر بالالحان الشرقية والغربية، استمد من تراث جبل العرب بعضاً من ألحانه مثل أغنية "حيو البطل" التي ولدت مصادفة»، الحديث كان للباحث التراثي "زيد النجم" لموقع eSwueda وتابع قائلاً: «كنت في السويداء عندما تحدث السيد "منير الأطرش" الأخ غير الشقيق للموسيقار "فريد الأطرش" حول حكاية الأغنية الوطنية التي قدمها الموسيقار في احتفال الوحدة العربية الذي تقرر تقديمه على المسارح المصرية، إذ تدور الأحداث أن الأستاذ "أنور الأطرش" هو الأخ غير اشقيق لـ"فريد الأطرش" ذهب إلى مصر لزيارة الموسيقار "فريد" وبعد وصوله بساعات قليلة وجد فريداً مشغولاً في فكره وهو شارد، فخاطبه "أنور": "مالك يا أخي إن شاء الله ما يكون وجودي أزعجك"، على الفور خاطبه "فريد": "لا يا أخي لكن ما يشغل فكري، من المقرر أن أقدم حفلة احتفالاً بالوحدة وقد يحضرها الرئيس "جمال عبد الناصر" وهي ستقام بعد ثلاثة أيام ولم أتمكن من إعداد اللحن المناسب للأغنية التي تقول مطلع أغنية: "حيو البطل بطل الجهاد يعيش لنا حامي البلاد"، أجابه "أنور": "بسيطة وهدئ من روعك وأعصابك يا أخي واعزف على عودك بهدوء وسلطنة"، جلس "أنور" على شرفة "الفيراندا" وهو يدندن بلحن شعبي تراثي من أهازيج جبل العرب والتي تقول كلمات الأهزوجة وهي من نوع "الحداء" "يا أم الوحيد وأبكي عليه، والموت ما يرحم حدا"، استمع "فريد" إلى اللحن هجم بسرعة إليه، وقال له أعد ما كنت تغنيه مرة ثانية، وبالفعل كرر ذلك، فقال له "فريد": "ده اللحن المطلوب"، وأمسك بعوده وبدأ يغني وبالفعل أكمل لحن الأغنية في ليلة واحدة ونوّتها، وفي اليوم التالي عمل مع فرقته البروفات اللازمة لها حتى ساعة متأخرة من الليل، بعد أن وضع لها لوازم وجملا موسيقية، ليقدمها في حفلة وطنية وبأغنية وطنية، والتي دخلت تاريخه الفني بقوة وجدارة، وشكلت رقماً بين أغانيه حين صدح صوته بها على المسارح المصرية بلحن تراثي من تراث جبل العرب».

لعل فريد الذي عشق الموسيقا والطرب والاستهلال الصوتي حينما أدخل الموال في منتصف الأغنية وتأثر بالالحان الشرقية والغربية، استمد من تراث جبل العرب بعضاً من ألحانه مثل أغنية "حيو البطل" التي ولدت مصادفة

الملحن والمطرب "فوزي عليوي" أوضح حب فريد للاستماع إلى الأغاني التراثية الجبلية بقوله: «عندما التقيت الموسيقار "فريد الأطرش" في لبنان الشقيق عام 1972 قال لي: "اسمعني شيئا من تراث الجبل"، رغم أني أسمعته شيئا من ألحانه وأغانيه، لكنه أصر عليَّ بالقول "عايز شيء من أغاني الجبل" إذ من الألحان التراثية التي قدمها في أوبريت "الشرق والغرب" مقطوعة من ألحان جبل العرب هي "قدي جعودك يا مليحة وافي" وهذه المقطوعة هي نوع من ألحان قصيد الفن عند أهالي السويداء، والموسيقار "فريد الأطرش" هو واحد من أهم موسيقيي القرن الماضي الذين طوروا في الموسيقا العربية، واستفادوا كثيراً من الألحان التراثية والإيقاعات الشرقية والغربية مثل "التانغو ورومبا وفالس" وغيرها».

زيد النجم

وتابع الملحن والمطرب "فوزي عليوي" بالقول: «لقد شكلت أغنيته "حيو البطل" عاملاً في تكريس التراث الشعبي لأنها مستمدة من ألوان الحداء، التي كانت تتردد في المناسبات القومية والوطنية أثناء الغزوات والحروب على أنغام آلة المجوز، ولهذا اتخذها "فريد" بعد إجراء تعديلات لحنية وتحولات في اللوازم لتكون أغنية وطنية تمثل الوحدة الوطنية بين سورية ومصر في عام 1958».

قليل من يظن أن الموسيقار "فريد الأطرش" قد تأثر بتراث جبل العرب، فهو الذي انتقل من بيروت إلى القاهرة وهو بسن مبكر، إنما حكاية الأغنية "حيو البطل" تعطي مؤشراً بتأثره ببيئة أهله، ذلك ما بينه الأستاذ "ثائر القاضي" المهتم بالتراث وتابع بالقول: «سمعت كثيراً ممن عاصروا إخوة الموسيقار "فريد" غير الأشقاء الذين سكنوا مدينة السويداء، ومنهم المرحوم "منير الأطرش" كيف كان "فريد" يحب أغاني الجبل ومتأثرا بعادات وتقاليد أهله، حتى إنه عمل صالوناً في منزله "بالقاهرة" على شكل مضافة من مضافات الجبل ويقدم بها القهوة المرة العربية، فهو يملك من الحنين إلى وطنه الأم سورية الكثير مستمداً منها التراث والفن والأدب والقوة والصلابة، والصوت الجميل بألحانه الباقية المستمرة في الذاكرة».

الملحن والمطرب فوزي عليوي
الأستاذ ثائر القاضي