يعود "عاصم الباشا" إلى "دمشق" المدينة التي تركت في ذاكرته الكثير من الألوان؛ ليعرض لنا لوحاته وفنه الذي عجن بأحلامه، إنه اليوم ينشر لنا مخيلته وهو يبحث في الطينة الخاصة به عن الكثير من الكلمات التي قرأها عن النحت.

موقع "eSyria" وخلال تواجده برفقة التشكيلي والنحات "عاصم الباشا" دردش معه عن بعض أحلامه في النحت، وقراءاته، فقال: «يحاول النحات البحث عن لغته الخاصة "رؤيته" طوال عمره، وعادة الغالبية لا تصل، يدرس، يرى ويتشبع بما كان من محاولات وتراه يختزل تلك الخبرة عندما يواجه المادة دون أن يدري، لكنني اليوم عاودت التفكير بعلاقة النحت بالحكاية، في الغرب وعبر التاريخ كانت الحكاية دينية، ثمة حكايات في جداريات "مصر" القديمة وبعض التكوينات الخشبية تعالج غالباً مهناً ما، الحكايات أوفر في الشرق الأقصى والهند و...».

يحاول النحات البحث عن لغته الخاصة "رؤيته" طوال عمره، وعادة الغالبية لا تصل، يدرس، يرى ويتشبع بما كان من محاولات وتراه يختزل تلك الخبرة عندما يواجه المادة دون أن يدري، لكنني اليوم عاودت التفكير بعلاقة النحت بالحكاية، في الغرب وعبر التاريخ كانت الحكاية دينية، ثمة حكايات في جداريات "مصر" القديمة وبعض التكوينات الخشبية تعالج غالباً مهناً ما، الحكايات أوفر في الشرق الأقصى والهند و...

يتابع: «لعل معالجة "الحالات والأحداث والقصص" جاء فيما بعد، وربما كان "فيلاثكيث" من الأوائل هنا، قد أخطئ إذ أنسى غيره، المعم أقصد أن تروي حكاية بعملك التشكيلي، ذلك باب يصل إلى الإنسان العادي، الجاهل حتماً في مجتمعاتنا، لكنه قادر على فك حرف العمل عندما تقول له كيف يكون النفاق وجرائم "غسل الشرف"، في ضاحية غير بعيدة عن مكمني أقاموا منذ سنوات نصباً تذكارياً للأم، ما مررت بالمكان مرة إلا وشعرت بالقرف والمرارة، أن يصرف البرونز بهذا الشكل الرديء، العمل يمثل المعتاد عند ضيّقي الأفق والجهلة، امرأة ترضع وليداً!!، فقلت لنفسي حاول أمومتك، فأنجزت امرأة عجوز تتكئ بحنو على رجل خمسيني قوي الجسد، لأن الأمومة لا تنتهي بالرضاعة».

من أعماله

الموسيقي السوري "غزوان زركلي" يقول عنه: «هدوء يكمن في داخله غليان بركان، مصالحة مع الوقت تخفي معركة مع الزمن حامية الوطيس، "طراوة" المدينة في مظهر جبلي قاس، نفس طفولية صافية تسكن روحاً ثائرة متوثبة تائهة، صفات لشخصية "عاصم الباشا" قد تكون مرادفاً سلوكياً ذاتياً لموضوع إبداعه الفني المتميز بالتباين وبالتكثيف و"بالتراجيديا"، بالإيجاز وبالحدة وبقوة التأثير، لإنه إبداع يتصف بفضاءاته الممتدة، بغض النظر عن الحجم الفعلي للعمل الفني المعني من طول وعرض وارتفاع، إبداع يعيش عبر اكتشاف مستمر لزوايا النفس ولخباياها الموغلة في العمق».

أما الأستاذ "حسن م.يوسف" فيخبرنا عن "عاصم النحات ليقول: «من المعروف أن "عاصم" أمضى أكثر من ثلثي عمره خارج سورية لكن إحساسه بهويته العربية السورية وانغماسه في تراث المنطقة يسطعان في داخله وعبر فنه بحيوية لا تخفى، لأنه تلمس الكون فوق هذا التراب ومن خلاله عاش يقظة الفكر، كتب أحد النقاد يقول إن منحوتات "عاصم" غير صالحة سوى للمجموعات العامة أو للعرض في المتاحف، نظراً لازدحامها بالأفكار والرؤى، لكن هذا ليس صحيحاً برأيي، فقد روت لي الدكتورة "حنان قصاب حسن" أنها قامت هي وشقيقتها بشراء منحوتة لـ"عاصم البشا" من معرضه الأول وقد ظلت تلك المنحوتة لسنوات طوال تنتقل بين بيوت الأخوات الثلاث بمعدل عشرة أيام في الشهر لكل بيت، في بدء تجربته الإبداعية قيل إن "عاصم" الباشا" كان يجاري النحات السويسري "آلبرتو جياكومتي" في التركيز على الحياة الجوانية للشخص أو الشيء وإبراز الحركة الداخلية للكتلة، لكن "عاصم" يرى أن ما يجمعه بـ"جياكوميتي" هو أن كلاً منهما يمتح من النبع العالي ذاته في "بلاد الرافدين" و"مصر" القديمة"».

أقنعة

يتابع: «يميز "عاصم" بدقة بين النظر والرؤية؛ فبالنظر نتواصل مع الحركة الخارجية للكتلة، أما الحركة الداخلية فنتواصل معها بالرؤية، وهو يبدي أسفه لأن غالبية البشر اعتادوا النظر دون أن يتمكنوا من الرؤية، أخطر فكرة سمعتها من "عاصم" هي اتصال الجمال بالحب فهو يرى أن الأول لا يمكن الوصول إليه إلا عن طريق الثاني، يقيم "عاصم" حالياً في قرية "بورشيل" "برج الهلال" القريبة من "غرناطة"، وقد مرت على "عاصم" في منفاه الاختياري سنوات من الضجر واليأس فشارك في عدد من ملتقيات النحت وحقق حضوراً قوياً فيها، فقد فاز بالجائزى الأولى في ملتقى "دبي" الدولي عام 2004، وفي العام نفسه فاز الجائزة الأولى في الملتقى الدولي للنحت في الهواء الطلق في "مدريد"، "إسبانيا"، لكنه انقطع منذ ذلك الوقت عن المشاركة في الملتقيات الدولية لأنه بات يعتبرها ضرباً من "الاسترزاق"».

ويخبرنا الخطاط "منير الشعراني" قائلاً: «في رحلة بحثه عن جواب لسؤاله الإبداعي ظل مشغولاً بالإنسان وقضاياه منحازاً إلى قضية الحق والخير والجمال التي طالما شغلت المبدعين الكبار، فسمت بأعمالهم بعيداً عن المجانية وارتقت بها وبهم إلى مواقع متميزة في سجل الحضارة والتقدم والارتقاء بإنسانية الإنسان، وقد استطاع "عاصم" من خلال موهبته الأصيلة التي صقلتها الدراسة والخبرة والتجربة والسعي إلى تجاوز الذات أن ينأى عن المباشرة والواقعية الفجة والاستعراضية والتقليد والاستستهال ليقدم أعملاً محكمة غنية حية ناطقة بشؤونها وشجونها وبكل ما يعتمل في روح صاحبها من قلق إبداعي وإنساني، ولم يكن لهذا القلق أن يقنع بخامة أو وسيلة واحدة في التعبير، ولا أن يرتكن إلى طريقة واحدة في البحث التشكيلي، بل قضى على صاحبه بتسخير الوسائل وأدوات مختلفة، واستنطاق كل خامة ممكنة، فتعامل مع الطين وكثير من العجائن، والبرونز وغيره من السبائك، ومع الخشب والحجر والرخام والحديد، شكل العجائن طبقة فوق أخرى ليخلق كائناته، ونحت الخشب والحجر ليحرر كائنات أخرى رآها ببصيرته فيها، وألف من قطع الحديد كائنات ألحت عليه للم أجزائها. لكن تعامله مع كل هذه الخامات، على الرغم من اختلافها واختلاف شروط التعامل معها، لم ينزلق به إلى تناقضات أسلوبية أو إبداعية، بل استطاع من خلال رؤيته التشكيلية العميقة وموهبته وبراعته وخبرته أن يوحد بينها في عالم واحد موضوعه الحق والخير وقوامه الجمال والسعي إلى تجاوز المنجز إلى آفاق الفن الرحبة».

عاصم الباشا